علم الفلك

بعثات كوكب زحل

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

بعثات كوكب زحل

حينما بدأ التخطيط لبعثات زحل لأول مرة، كان يُعتقد – وهذا أمر طبيعي نوعًا ما – أن جسيمات الحلقات الشاردة ستكون خطرة إن لم تكن مدمرة. كانت الحملة الأولية، لبايونير 11 في عام 1979، عبارة عن أمرٍ إضافي. فالمسبار كان المخطط له استكشاف كوكب المشترى، وهو ما قام به بنجاح؛ وفي نهاية برنامجه المتعلق بالمشترى، أدرك مخططو ناسا أن الإلتقاء مع زحل كان عمليًا، وأُنتهزت الفرصة بكل حماس. مر بايونير على مسافة 21,000 كيلومتر (13,000 ميل) من أعالي السحاب، وخرج سالمًا. ولقد أرسل ببيانات مفيدة، إضافة إلى صور جيدة للحلقات، قبل أن يشرع في رحلته اللانهائية خارج النظام الشمسي. آخر ما ورد عنه كان في نهاية عام 1995، حينما كان على حوالي 6,300 مليون كيلومتر (4,000 مليون ميل) من الشمس.

نجحت رحلتا فويجير التي أطلقتها من كاب كانيفيرل في عام 1977 نجاحًا باهرًا. فكلاهما مسح كوكب المشترى، ثم زحل، لكن مسيرتهما بعد ذلك كانتا مختلفتين. كان تيتان، وهو العضو الرئيسي في نظام أقمار زحل، مثار اهتمام خاص لأنه معروف بإمتلاكه لغلاف جوي كبير، ولم يكن يُعلم شيء عن أحوال سطحه؛ فوجود بحار من الميثان كان يعتبر أمرًا ممكنًا جدًا، وقطعًا لم يكن تيتان مثل أي عالم آخر في النظام الشمسي. وتم الإتفاق على أنه إن أخفقت فويجير 1 لأي سبب في إجراء مسح لتيتان، فإن توأمها سيفعل ذلك. أما إذا نجحت فويجير 1، فلن تكترث فويجير 2 بشأن تيتان، لكنها وبعد إتمامها لبرنامجها المتعلق بكوكب المشترى سترسل في رحلة أبعد بكثير إلى أورانوس ونبتون. ساد ارتياح كبير عندما حصلت فويجير 1 بالفعل على صور قريبة المدى لتيتان، مع أنها لم تظهر شيئًا محددًا سوى الطبقة العليا مما كان يطلق عليه عادة الضباب الدخاني البرتقالي‘. ولم تهمل الأقمار الأخرى، فقد تم الحصول على صور جيدة للأعضاء الأكثر سطوعًا، وكذلك اكتشاف بضعة أقمار جديدة، صغيرة الحجم جدًا.

أشد النتائج إثارة للمفاجأة التي تمخضت عنها رحلات فويجير، هي أن الحلقات أشد تعقيدًا بكثير مما توقع أي أحد؛ إذ كانت تتألف من آلاف الحلقات الصغيرة والأقسام الثانوية، وشوهدت حلقات باهتة ودقيقة داخل قسمي كاسيني وإينكا. وتم تسجيل وجود ’أعمدة‘ شعاعية غريبة تقطع الحلقة B، في الحقيقة قد شوهدت مسبقًا من مراقبين أرضيين، أبرزهم أنتونيادي، إلا أن بعثات فويجير كانت هي أول من شاهدها بشكل واضح. منطقيًا لا ينبغي أن تكون موجودة هناك؛ فطبقًا لقوانين كبلر، فإن السرعات المدارية للجسيمات يجب أن تنخفض مع ازدياد المسافة عن الكوكب، والفرق في الفترة بين الحافتين الداخلية والخارجية للحلقة B يربو على ثلاث ساعات – إلا أن الأعمدة استمرت لساعات بعد خروجها من ظل الكرة. حينما شاهدت صورها لأول مرة، عندما كنت في مقر ناسا أثناء مرور فويجير 1، خطر لي بشكل غريزي أنها يجب أن تكون بسبب جسيمات ارتفعت بعيدًا عن مستوى الحلقة نتيجة قوى جاذبية أو مغناطيسية، ويبدو أن هذا هو التفسير الصحيح. فالأعمدة محصورة بشكل كامل في الحلقة B.

قدمت رحلات فويجير صورًا محسنة بشكل كبير للحلقات، التي كانت كلها رقيقة جدًا وتتألف من جسيمات ماء جليدي. أقربها إلى الداخل، وتعرف بالحلقة D بشكل عام، ليست في الحقيقة حلقة على الإطلاق؛ إذ لا توجد بالفعل حواف دقيقة، وقد تمتد الجسيمات الجليدية إلى الأسفل وصولاً إلى أعالي السحاب. أما في الحلقة C يكون عرض الجسيمات حوالي 2 متر )6 قدم(، وفي الحلقة B يُعتقد أن الأحجام قد تصل إلى 1 متر )3 قدم(، مع درجات حرارة تبلغ -180° درجة مئوية في أشعة الشمس وحتى -200° مئوية في الظل. أما في الحلقة ِA، تتراوح الجسيمات من ’غبار جليدي‘ إلى كتل بحجم طاولة مكتب. ويحتوي قسم إينكا على القمر التابع الصغير الحجم، بان، والذي اكتشفه م. شووالتر عام 1990 بعد دراسة دقيقة لصور فويجير 2. يبلغ عرضه 35 كيلومتر )22 ميل( فقط، لكنه يحافظ على خلو هذا القسم من أي أجسام أخرى. وهناك قمر أكبر قليلاً يدعى، أطلس، يتحرك بالقرب من الحافة الخارجية للحلقة A، وهو المسئول عن حدوده الواضحة.

خارج النظام الرئيسي تقع الحلقة F، وهي غير مرئية بالمقاريب التي تستخدم من قبل هواة المراقبين. هي باهتة ومعقدة، ويحافظ على استقرارها قمران صغيران آخران، هما بروميثيوس )Prometheus( وباندورا )Pandora(، وهما يعملان مثل ’رعاة الماشية‘ ويبقيان على جسيمات الحلقة في مواضعها. بروميثيوس أقرب قليلاً من الحلقة إلى كوكب زحل، ويتحرك بسرعة أكبر من جسيمات الحلقة، وسيقوم بتسريع أي جسيم إن تحرك إلى الداخل، فيعيده إلى المنطقة الرئيسية للحلقة. أما باندورا، في الجهة المقابلة، فيتحرك بشكل أبطء، وسيقوم بإعادة أي جسيم شارد.

تعتبر كل من حلقة G وحلقة E، اللتان تم اكتشافهما بواسطة بعثات فويجير، ضعيفتين جدًا وواسعتين جدًا؛ فالحلقة E تمتد تقريبًا حتى مدار ريا (Rhea)، خامس أكبر أقمار زحل. وأشد ما تكون الحلقة E سطوعًا بالقرب من القمر إينسيلادوس، الذي أصبح معروفا الآن أنه نشط ويظهر أنه ينثر جسيمات الجليد على الحلقة.

ولم تهمل بعثات فويجير القيام بدراسات حول زحل نفسه فالقرص أكثر تسطحًا من المشترى. وتركيبة السحب هي من نفس النوع، لكن درجات الحرارة المنخفضة تعني أن بلورات الأمونيا تتشكل في ارتفاعات أعلى. الأحزمة واضحة، وهناك أحيانًا بقع بيضاء براقة. وشوهدت انتشارات كبرى في أعوام 1876، 1903، 1933 (تم اكتشافها على يد و. ت. هاي، وهو فلكي هاوٍ وماهرٍ، يُذكر بشكل أفضل اليوم بإسم ويل هاي، الممثل الكوميدي على المسرح وعلى الشاشة)، وفي عام 1960، و1990. وقد تم تصوير بقعة عام 1990 بشكل جيد من خلال مقراب هابل الفضائي، وكان من الواضح أنها نتيجة اندفاعٍ لمواد من الأسفل. وكانت الفترات الزمنية الفاصلة بين هذه البقع البيضاء 27، 30، 27، و30 عام على التوالي. إن هذا قريب من الفترة المدارية لكوكب زحل وهي 29.5 عام، وقد يكون لهذا دلالة أو لا؛ على أي حال، سيترقب الراصدون ظهور بقعة بيضاء جديدة حوالي عام 2020.

لقد أكدت بعثات فويجير أن لكوكب زحل- أيضا مثل المشترى-، سطحًا في اضطراب دائم (وإن لم يكن بنفس الطريقة التي افترضها بروكتور عام 1882)، أن سرعات الريح عالية جدًا. فهناك تيار نفاث استوائي واسع، عرضه 80,000 كيلومتر (50,000 ميل)، ويمتد من °35 جنوبًا حتى 35° شمالاً، حيث تهب الرياح بسرعة تبلغ 1800 كيلومتر في الساعة )1120 ميل في الساعة(، أي أسرع من مثيلاتها على المشترى. إحدى المفاجآت الكبرى كانت أن مناطق الرياح لا تتبع النطاقات المضيئة والمظلمة، بل هي متماثلة مع خط الاستواء. ثمة ’شريط‘ بارز عند 47° شمالاً تم إعتباره نمطًا موجيًا في تيار غير مستقر تمامًا.

لقد تمكنت رحلات فويجير من تحقيق أكثر مما أمل فيه مخططوها، لكن ظلت أسئلة عديدة بلا إجابات. فحتى قبيل مغادرة بعثات فويجير النظام الشمسي الداخلي، متجهة إلى الفضاء بين-النجمي، كانت ناسا تجهز مسبارًا آخر نحو زحل: هو كاسيني.

كانت مهمة كاسيني أشد تعقيدًا بالمقارنة بأي من أسلافها، إذ كانت أول مركبة مدارية – ولذلك استغرق التخطيط لها وقتًا طويلاً. فلم يكن يتعين عليها مجرد حمل مسبار هوجنز (Huygens) ليحط على تيتان، بل كان عليها القيام علاوة على ذلك بجولة موسعة حول نظام أقماره. تم إطلاقها حسب الموعد، وأحرزت نجاحًا باهرًا بكل المقاييس.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى