تأثيرات النظم الصحية على العالم
2013 استئصال الأمراض في القرن الواحد والعشرين
والتر ر.دودل ستيفن ل.كوشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
لقد كانت للمؤسسات الدولية آثارها الطويلة على السياسة الصحية في العالم، وتطوير خدمات صحية في البلدان السائرة في طريق التطور.
ففي 1967 رفع المؤتمر الدولي الذي عقد في مدينة ألما آتا حول العناية الصحية الأولية من مستوى هذه العناية الأولية الشاملة (1978WHO ). وكما اتضح منذ البداية، فقد أحدث هذا ثورة في طريقة التعبير عن الصحة، وغيّر جذرياً طرق تنظيم وإيصال العناية بها.
إذ أنه توجه إلى التأثير على المكونات الصحية التي تتواجد في القطاعات غير الصحية، وأثار تحول الصحة العامة من توجهها الطبي والبيولوجي إلى منظور للصحة اليوم الذي يأخذ بعين الاعتبار أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
بعد سنتين فقط من مؤتمر ألما آتا اقترح وولش (Walsh) ووارن (Warren) (1980) عناية صحية أولية انتقائية كاستراتيجية مؤقتة للسيطرة على الأمراض في البلدان السائرة في طريق التطور. وتضمن هذا تضمن اعتبار العناية الصحية الأولية الشاملة مشروعاً طموحاً جداً وتم التركيز، بدلاً منه، على تقديم عدد محدود من البرامج المختارة على أساس الكلفة مقابل الفعالية.
وهذا ما أدى إلى إيجاد مجموعة من البرامج المختارة في البلدان التي يغلب عليها ضعف إمكانياتها في تقديم العناية. ومنذئذ استمرت التوترات بين المقاربات الشاملة (الأفقية)،والانتقائية (الهادفة/ العمودية)، لتحسين النتائج الصحية، في التأثير على الأجندة الصحية في العالم.
أما مبادرات الاستئصال/ الإزالة فهي تنظم ضمن برامج ومدد محددة من الزمن. وتستطيع الحملات الجماعية أن توجه إلى الأمراض التي أصبحت متفشية وكثيرة الانتشار والتكرار، وتتأثر بها نسبة كبيرة من السكان. وضمن مجال محدد جيداً، وأهداف واضحة، واستمرارية قصيرة نسبياً، يمكن لمثل هذه المبادرات أن تحقق نتائج سريعة.
فالحملات الجماعية هي مباشرة في إدارة ومراقبة وإمكانية جذب الدعم الكبير من المتبرعين. وبما أنها قد نُفذت من خلال قنوات توزيع موازية للنظم القائمة، فقد حسبها النقاد في كثير من البلدان السائرة في طريق التطور وكأنها تحرف المصادر المالية والإنسانية في نظم موارد محدودة، عن مسارها، مما يلحق الضرر بتطوير النظم الصحية العامة.
ويمكن لمبادرات الاستئصال/ الإزالة في قطاع ضعيف التمويل أن توجد جزراً ممتازة توقع ضغوطاً كبيرة على منظومة التوزيع الصحية. وبالمقابل، فإن منظومة التوزيع الصحية هي جهاز ثابت دائم؛ ومن الناحية النظرية (وقلما كذلك عملياً)؛ فهو شامل، وقادر على التلاؤم مع أنماط الأمراض المتغيرة، ومتجذر في حياة المجموعة السكانية.
فمن حيث المبدأ، يمكن لإدخال مبادرات هادفة في حقل المنظومة الصحية السائدة أن يؤدي إلى فعالية أجدى، ووضع المبادرة ضمن سياق أولويات متنافسة أخرى، ويجلب مزيداً من الدعم السياسي الدائم من الجماعة السكانية. ولكن الشاهد الوارد أدناه يوحي بأن هذه المكتسبات المحتملة تبقى قيد التنفيذ والتحقيق.
لقد جرى تنفيذ مبادرات الاستئصال/ الإزالة الأولى في بيئة كانت هيكلية الإعانات فيها شديدة البساطة؛ فكان العاملون بها على المستويين الدولي والمحلي أقل عدداً. وكانت البلدان السائرة في طريق التطور مهيأة لعدد من البرامج الهادفة إلى جانب جهودها القائمة لتطوير خدمات صحية ذات قاعدة واسعة. فموضع الصحة كان مجرد واحد من أولويات تطوير عديدة.
ومع بعض الاستثناءات كانت موازنات الصحة تزداد بشكل متواضع، أو تقصر عن مستوياتها الدنيا، كما جاء في تقرير WHO. ولقد فاقمت الأزمات الاقتصادية، وتسديد الديون، والصراعات، والإدارة الحكومية السيئة من الفقر وعدم المساواة وأضعفت النظم الصحية في معظم البلدان السائرة في طريق التطور.
كما أدت سياسات الملاءمة الهيكلية أو البنيوية، التي كانت تهدف إلى تحسين الاستقرار الاقتصادي، في الغالب إلى اقتطاع من الإنفاق العام. كما أن عولمة أسواق العمل في التسعينات من القرن العشرين زادت من هجرة العاملين المهرة في شؤون الصحة، كما أضعفت جائحة AIDS/HIV المنظومات الصحية الضعيفة أصلاً (Rockefeller Foundation 2003; WHO 2006b).
ومنذ منتصف التسعينات من القرن العشرين زاد القلق حول عدم جدوى الكثير من الإعانات. وطرحت الاقتراحات بمقاربات جديدة تؤمن الدعم المالي المباشر للحكومات لتنفيذ أولويات خططها الوطنية في التطوير (Cassels 1997; OECD 2005; IHP+2007; DFID 2007).
لقد أثر إعلان الذكرى الألفية في عام2000 في إقامة أو توسيع عدد من المبادرات الصحية ذات المستوى العالي في العالم. وأدى ذلك إلى زيادات ضخمة في المصادر المالية التي كانت تستهدف عدداً محدوداً من الأمراض أو التدخلات، خاصة ضدAIDS/HIV، والسل، والملاريا، وإكساب المناعة للأطفال.
ولقد غير التوسع في هذه المبادرات في السنوات الأخيرة مشهد المساعدات والصحة العامة بشكل دراماتيكي. فصارت معظم المبادرات الصحية العالمية تتابع أجندات أمراض أو تدخلات معينة في بيئة تسعى الأنظمة الصحية الوطنية لنيل التغطية العالمية للخدمات الأساسية فيها.
وهذه هي الحالة، خاصة في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا، حيث توجه الاستثمارات العالمية في مجال الصحة من قبل مؤيدي دعم مرض واحد ومستلزماته.
ومع أن المصادر المالية الجديدة والمشاركين والمقدرة التقنية والالتزام السياسي كانت محل ترحيب الجميع، إلا أن بعض النقاد قالوا بأن زيادة الجهود تلبية لأهداف ضد أمراض معينة، فاقمت الأعباء على الأنظمة الصحية الهشة.
ففي عام 2003 نشرت منظمة أوكسفام Oxfam تحذيراً للصندوق الدولي لمحاربة اﻠ AIDS والسل والملاريا (GFATM) ناصحة إياهم بأن يستعيضوا عنها برامجاً لتقوية النظم الصحية القائمة، وضمان فعاليتها واستمرار آثارها. لأن زيادة تركيز المصادر المالية في برامج معينة أبقى نواحي أخرى لا تحظى بالقدر الكافي من التمويل، حيث أدى تواجد ذلك إلى إضعاف المقاربات الجارية في عموم القطاعات (Oxfam 2002).
كما أكد بيرسون (Pearson) وزملاؤه أن الكثير من تمويل أمراض معينة في كمبوديا لم يكن بالتوافق مع الأفضليات الصحية الوطنية ولا مع الجهود الوطنية لإزالة الأمراض. وبينما كانت الخطة الوطنية تعطي الأولوية للعناية الصحية الأولية وتأمين سلة دنيا من الخدمات، فإن معظم ( 60 %) من تمويلات المتبرعين كانت مخصصة لمكافحة AIDS/HIV وأمراض معدية أخرى (Pearson et al. 2008).
وفي 2004 قيم منتدى عالي المستوى الجهود لإحراز أهداف التطوير في الذكرى الألفية في مجال الصحة وحدد النقص لدى العاملين في شؤون الصحة، وانعدام التنسيق بين المتبرعين، وضعف أنظمة الإعلام واعتبرها من المعيقات الحاسمة أمام التقدم (WHO 2004).
وقد أدرك الاتحاد الدولي للقاحات وإكساب المناعات (GAVI) مبكراً أن الأجيال الجديدة من اللقاحات لا يمكن إدخالها في أنظمة وقاية غير فعالة، والتي أخذت تتردى مع انتهاء الاندفاع الدولي لإكساب المناعة للأطفال في الثمانينات من القرن العشرين.
لذلك أدخل الاتحاد الدولي للقاحات وإكساب المناعات GAVI مرونة في دفع المبالغ، تتوقف على الأداء وتتعلق بالتحسينات في التغطية الوقائية. وتطورت آليات التمويل لدى المبادرتين الكبيرتين للاتحاد الدولي للقاحات وإكساب المناعات والتمويل الدولي لمكافحة الايدز والسل والملاريا، لتوفير نافذتي تمويل معيّنتين لتقوية النظم الصحية.
ويقول النقاد بأن تمويلات تقوية النظم هذه كانت انتقائية في التهديف على مفاعيل النظم الهامة لتنفيذ برامج المبادرات الصحية العالمية، وأنها أكدت على مساهماتها القصيرة المدى أكثر من البعيدة المدى، في تقوية النظم.
في السنوات الأخيرة، أدرك المتبرعون والدول أكثر مما مضى، الحاجة إلى الاستثمار في إنشاء نظم صحية مستديمة تتصدى لجميع أسباب تردي الصحة، والأمراض – بما فيها الأمراض المعدية الأخرى، والأمور المهملة التي تساهم إلى حد كبير في تحمل أعباء المرض (مثل، صحة الإنجاب، وصحة الأمهات)، والأمراض الاستوائية المهملة ( NTDS) مثل داء الخيطيات وكلابية الذنب، والصحة العقلية، وعبء الأمراض غير المعدية الذي يتصاعد بسرعة. ولن تتحقق أهداف تطوير الصحة في الذكرى الألفية دون مقاربة أكثر تنسيقاً وتعاوناً وفعالية. (IHP+2009).
من المحتمل أن تكون استراتيجيات المتبرعين المتغيرة دائماً في تحسين الصحة في العالم في السنوات الثلاثين الأخيرة قد ساهمت دون أن تدري بإحداث الاختلال في بعض النظم الصحية، والتي فشلت في البلدان الأكثر فقراً في توفير العناية الصحية الأساسية. ولذلك، وفي الذكرى السنوية الثالثة العشرة لاجتماع ألما آتا، دعت منظمة الصحة العالمية إلى العودة إلى مبادئ العناية الصحية الأولية (WHO 2008c).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]