تدابير التكيف والاختلافات بين مفهومي التكيف والتخفيف
2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري
تشارلزس . بيرسون
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مفهوم التكيف مفهوم التخفيف علوم الأرض والجيولوجيا
بالنسبة إلى التحليل الكامل، ربما من المفيد أيضاً التمييز بين نوعين من تدابير التكيف: تلك التدابير الاستباقية لمؤثرات المناخ، وتلك التدابير التي تستجيب لمؤثرات البيئة.
فإقامة أنظمة التحذير والاستشعار المبكر للعواصف الشديدة مثالٌ لوضع التدابير الاستباقية لمؤثرات المناخ، والإصلاح السريع للخدمات [مباشرة] بعد كوارث الفيضانات مثالٌ للتدابير التي تستجيب لمؤثرات البيئة.
والعنصر الوحيد الذي يميز بينهما هو التوقيت. ويمكن أن يكون هناك متسعٌ من الوقت للتأخر ما بين "النفقات الاستباقية" (Anticipatory Expenditure) (متل بناء الأسيجة البحرية) وبين تجنب الأضرار.
و"النفقات التفاعلية" (Reactive Expenditures) يتم إجراؤها في وقت حدوث التأثير.
فإذا تم هذا التمايز، فإن التدابير الاستباقية التفاعلية قد تكون تبادلية، وفي هذه الحالة ينبغي أن تكون الكلفة الحدية لدولارٍ من تجنب الأضرار مساوية لما كان بين نوعي التخفيف.
وهما على أية حال، قد يكونان بمنزلة استكمال للحد من الأضرار. فأنظمة الإنذار والاستشعار المبكر، وإجراءات المساعدة على الإخلاء ربما تعمل بشكل أفضل.
وأخيراً إن مفهوم "الاستباقي" أو ظل "التكيف الاستباقي" (Proactive Adaptation) في مفهوم القدرة على التكيف، هو ما سنناقشه لاحقاً.
مفهوم الاستبدال ما بين التكيف والتخفيف يستوجب ألا يُترك جانباً من دون التعويل عليه. فهما بديلان غير متكاملان لعدة أسباب.
فأولاً، يُتخذ القرار فيما يتعلق بالتخفيف والتكيف من قبل هيئات مختلفة وعلى مستويات مختلفة.
فالحكومات الوطنية تقرر استراتيجية الانبعاثات وأهدافها في مفاوضات دولية (على سبيل المثال مفاوضات كيوتو ومفاوضات كوبنهاغن). حيث إن الوزارات ذات الصلة، والحكومات المحلية، والقطاع الخاص هم الذين يتخذون قرارات التكيف.
فاستنتاجنا فيما سبق يفضي إلى ضرورة أن تُصاغ القرارات بصورة مشتركة، وهذه القرارات قد تُعبر عن أمنيات كبيرة إلا إذا كان هناك تواصل مثالي ثنائي الاتجاه في حقل اتخاذ القرارات ما بين المزارع بشأن أيٍ من المحاصيل ستزرع وأين ستزرع ؟.
وبين الوفد المفوض لذلك البلد في مفاوضات كوبنهاغن. فبالنسبة إلى البلدان الصغيرة الفقيرة، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكنهم القيام بها الآن هي التكيف؟(7) فتلك الدول لا يمكنها السيطرة فعلياً على الانبعاثات العالمية، وبالتالي على التخفيف. وهذا سيُحدث تغييراً هائلاً في النظام العالمي للتجارة القصوى التي يمكنها بيع اعتمادات خفض الانبعاثات.
وإن كلاً من قرارات التخفيف والتكيف على حدٍ سواء ينبغي أن تكون على الأقل ضمن الخطة (الأجندة) الوطنية لهذه البلدان.
ولكن حتى ذلك الحين لا ينبغي أن يُعتقد بأنها بدائلُ نموذجية. وسوف تستند قرارات التخفيف على تكاليف الفرص المحلية، وعلى الأسعار العالمية التي بمقدورها أن تتلقى خفض الانبعاثات.
وقد تستند نفقات التكيف على تحليل منفصل تماماً عن التكاليف وعن العوائد المتحققة من تدابير التكيف. وإن نتائج مجموعة واحدة من الحسابات قد تكون مستقلة عن الحسابات الأخرى.
ثانياً، يُسهم التخفيف في طبيعة السلع العالمية العامة المتداولة، وبصورة عامة، فإن عوائدالتكيف مؤمنة على الصعيدين الوطني والمحلي.
وهذا ما يقود لاختلاف كبير. فعلى النحو المبين في الفصل الثامن، فالجمع بين العوامل الخارجية الدولية وحوافز المنتفعين تجعل من تمويل التخفيف أمراً صعباً للغاية. وهذه العقبات تخفض بشدة التكيف الذي تميل بسياسته نحو مصلحة البلد المعني، والأعمال التجارية، أو الفرد الذي يعمل على الاستثمار.
وحتى إذا كان الأمر يتضمن جانباً من السلع العامة، على سبيل المثال، السيطرة على الفيضانات، أو الصحة العامة، فإن للحكومات الوطنية السلطة في فرض ضرائب وتجهيز السلع العامة. وإذا ما كان هناك ما يكفي من الموارد للقيام بذلك في البلدان الفقيرة، فهو موضوع مهم ولكنه منفصل.
وبوجه عام، إن غياب بُعد استخدام السلع العامة العالمية بما ويتناسب مع عملية التكيف، يجعل من ميزان الإنفاق سيميل بقوة باتجاه التكيف على حساب التخفيف، حتى لو كان التخفيف ذو كلفة-فعالة عالية في خفض الأضرار العملية المترتبة عن ظاهرة الاحتباس الحراري.
فالحكومات تفضل أن تنفق على المشاريع التي تعود بالعائد على مواطنيها. ومن الممكن أيضاً أن يكون التكيف انتقائياً للحماية من تأثيرات محددة، وقد يكون من الأسهل حشد الأموال للأعمال العامة.
فالأفراد، بطبيعة الحال، سيتحملون العبء الأكبر من تكاليف التكيف. ولكي نضع المسألة بطريقة مغايرة قليلاً، فإنه ما لم يتم التغلب على عقبات جهود التخفيف العالمية سيصبح التكيف نهجاً افتراضياً.
ثالثاً، يختلف كلٌ من التخفيف والتكيف عن بعضهما البعض في التفاوت بالتوقيت الزمني. حيث تحتسب تكاليف التخفيف على المدى القريب والمتوسط، في حين تُحتسب تكاليف تجنب الأضرار بوقت زمني يتجاوز العقود والقرون القادمة.
وفي المقابل، تُحتسب تكاليف التكيف التفاعلية أثناء وقوع التأثير، وعلى الأرجح تكون نفقات التكيف الاستباقي أقرب زمنياً من العوائد التي تقدمها.
فالآثار الاقتصادية المترتبة على الفرق في التوقيت الزمني لـ (التخفيف والتكيف) هو أن النماذج التي تستخدم معدلات خصم عالية تفضل التكيف، في حين أن النماذج التي تستخدم معدلات خصم منخفضة ستفضل التخفيف.
فوفقاً للتعبير الاقتصادي السياسي قد يكون من السهل بيع [أصول] التكيف قياساً بالخفيف، لأن الفارق الزمني ما بين حصول التكلفة وجني العوائد أقصر، وسيكون من العقلانية أن يؤجل الإنفاق على التكيف، الذي يعتبر دائماً [أمراً] أسهل عند صانعي السياسات.
علاوةً على ذلك، ونتيجة للاختلافات في التوقيت الزمني، لا يمكن للتخفيف أن يصبح منهجا سياسيا افتراضيا (أساسيا) إذا كان هناك عدم كفاية في التكيف، وإن التخفيف والتكيف هما بديلان غير متناظرين.
رابعاً، يقوم كل من عاملي المخاطر وعدم اليقين بدورٍ صغيرٍ في التكيف قياساً بما يقوم به في التخفيف(8).
ولكون قرارات التكيف تُتخذ بمقياس صغير، فهذا يجعل من وقوع الخطر أمراً ممكن التحكم فيه بصورة أكبر. كما أن هناك دوراً متصاعداً لضمان توزيع المخاطر.
وأن تدابير التكيف بصورة عامة هي أقرب زمنياً من منافعها، وبالتالي فإن حالة عدم اليقين الناجمة عن الآفاق الزمنية الطويلة هو أقل.
وإذا كان المستقبل غامضاً، فإن المستقبل في الواقع سيتحول ليكون مروعاً، وعندها لن يكون التخفيف خياراً، ولكن العلاج بالتكيف لا يمكنه تقليل الأضرار إلا جزئياً.
والأهم من ذلك، أن حالة عدم اليقين [بحدوث] كارثة تميل إلى التوازن الحذر تجاه التخفيف من آثار الكارثة. كما أن التخفيف [في هذه الحالة] غير كفء لمعالجة الانهيار الواسع النطاق في البيئة والاقتصاد.
حتى مع ذلك، يبقى عدم اليقين مهماً في اتخاذ قرارات التكيف. وإن التأثير والتوقيت الزمني لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي قد يبقيان غير مؤكدين، وهو ما يعقد خطط التكيف.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المعنيين بوضع نفقات التكيف الاستباقي سيكونون رهينة لأهداف التخفيف المنصوص عليها سابقاً، المغفول عنها من جهاتها الأربع. فتخطيط استراتيجية تخفيف عقلانية ستواجه شكوكاً بشأن جهود التخفيف ذاتها وفق ما حللناه أعلاه.
أخيراً، بالامكان ملاحظة الاختلاف الواضح بينهما. فالتخفيف إذا بدأ بشكل مبكر ساعياً بقوة لتحقيق أهدافه، فإنه سيكون قادراً فعلياً على تجنب كل أضرار ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي. في حين أن التكيف غير قادر على ذلك.
وإن فقدان الأصناف البيولوجية، وفقدان الكتل الثلجية، والشعب المرجانية، وفقدان "المناخات المحلية" (Microclimates) لا يمكن إسترجاعها للوضع الذي كانت عليه قبل الفقدان.
إلا أن التكيف يمكنه خفض التكاليف المالية، لكن هذا التخفيض ما هو إلا تعويض غير مكتمل عن هذه الخسائر. وهذا الأمر ليس للجدل والنقاش، لكون كل الاستثمارات كان ينبغي أن توظف لاستقرار المناخ، وإزالة أعباء التكيف. وهي ببساطة تشير إلى طريقة أخرى، يكون فيها كل من التخفيف والتكيف بديلين غير مكتملين.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]