العلوم الإنسانية والإجتماعية

تعاون دولي حول أمور البحث والتطوير

1998 تقرير1996 عن العلم في العالم

KFAS

البحث والتطوير التعاون الدولي العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

لقد سبق وأشرنا إلى أن ثمة تقاربًا في المعالجات الأوروبية لأمور البحث والتطوير. ويُدفع هذا التوجه أيضًا بالتعاون الذي يتخطى الحدود القومية، وذلك الذي يتم وفق معاهدات دولية.

وثمة ميل متعاظم لدى الباحثين من دول مختلفة لتوحيد جهودهم. إن هذا صحيح في جميع الدول النشيطة علميًا، إلا أن الباحثين في الدول الأوروبية غالبًا ما ينشرون بحوثهم مع مواطنين من دول أخرى غير الولايات المتحدة واليابان.

ويتم التعاون انطلاقًا من اتفاقيات لها أشكال مختلفة بين دولتين أو بين عدة دول، وهذه الاتفاقيات غالباً ما تدعمها منح مقدمة من الحكومات أو مؤسسات أخرى تتولى دفع تكاليف السفر والتجهيزات.

إن التقليد المتَّبع في اجتماع العلماء من عدة دول وعرض معلوماتهم والنتائج التي توصلوا إليها فيما بينهم هو تقليد قديم قِدَمَ العلم نفسه، وقد غدا منظمًا من قبل مؤسسات منذ القرن التاسع عشر، كأن تُعقد اجتماعات دولية في مواضيع معينة.

وكمثال شهير على هذا هو سلسلة مؤتمرات سولڤيي Solvay التي يجتمع فيها العلماء في الحقل النووي منذ بداية القرن العشرين.

 

أمَّا فكرة العمل معاً فهي أحدث، ولم تغد ممكنة فعلاً على أسس منظمة ومنهجية إلا بعد حدوث ثورة الاتصالات والمواصلات السريعة. كذلك فإن التخصص المتزايد في العلم وَضَعَ ضغوطًا على العلماء لدمج بحوثهم، وبخاصةٍ حين أصبحت تكلفة التجهيزات المطلوبة المتطورة عالية جدًا، كما غدا لبعضها حجوم كبيرة.

لقد كانت سنوات ما بعد الحرب سنوات تفاؤل كبير فيما يتعلق بالعلوم، ورافق ذلك آمال كبار لحدوث تفاهم متبادل بين الدول: وهكذا فقد أصبح بالإمكان تنفيذ مشاريع دولية طموحة مثل المنظمة الأوروبية للبحوث النووية (CERN). وقد كانت منظمات أخرى تتوق إلى تأسيس مختبرات مركزية طموحة لمتابعة بحوثها.

وكأمثلة على هذا نذكر المختبر البيولوجي الجزيئي الأوروبي (EMBL)، والمرصد الجنوبي الأوروبي (ESO)، ومركز البحوث المشترك للجماعة الأوروبية. ولا تمثِّل هذه المشاريع سوى النزر اليسير من خطط دولية ضخمة لتمكين العلماء من السير قدمًا في بحوثهم.

وقد نشأت المشاريع المتعددة الجنسيات مدفوعة بأهداف أبعد مدى من مجرد تطوير البحث الأساسي. ومن هذه المشاريع وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، ومشاريع دفاعية وفضائية متنوعة أخرى. وقد قُدِّرَ أن هذه المشاريع المشتركة ستستهلك ما نسبته %3 تقريبًا من الأموال المخصصة للبحث والتطوير في أوروبا.

بيد أنه مازالت تؤسَّس مشاريع مماثلة حين تبدي الدول حاجتها إليها– وكمثال حديث في أوروبا نذكر مرفق الإشعاع السنكروتوني الأوروبي (ESRF) في كرونوبل بفرنسا.

وقد قام بالدراسة العلمية والتقانية لهذا المشروع مؤسسة العلوم الأوروبية (ESF) التي أصبحت، منذ تأسيسها عام 1974، تعقد منتدى عامًا دوريًا يجتمع فيه 56 وكالة من الوكالات الممولة التابعة للدول المشتركة، وفي هذا المنتدى ينظَّم التعاون المشترك بين تلك الدول وتناقش الأمور المتعلقة بالاتجاهات المتغيرة في العلم وبأفضل الطرق لتعزيزه.

 

أمَّا كيف يجب مواجهة هذه التحديات أمام البحوث الأوروبية فأمر يشغل الأولوية في الدور الذي تقوم به المؤسسة ESF كمنتدى أوروبي لمنظمات تمويل البحوث الوطنية. كذلك فإن المؤسسة ESF قدمت النصيحة للجماعة الأوروبية حول أمور تتعلق بالعلوم الأساسية، وهي ممثلة في مجموعة جديدة أسستها المجموعة الأوروبية، وهي جمعية العلوم والتقانة الأوروبية (ESTA).

إن إدراك أهمية البيئة الأوروبية للعلوم يتضح من خلال الولادة الحديثة لعدد من المنظمات الأخرى، ومن ضمنها الأكاديمية الأوروبية، وتحالف الأكاديميات الأوروبية (ALLEA)، ومؤتمر رؤساء الجامعات الأوروبية (CRE).

إن إحدى المشكلات التي يتركز حولها الاهتمام تتعلق بالمرافق والتجهيزات العلمية العالية التكلفة، والتي يتعين توفيرها لكل مجموعة تريد التعامل معها: لذلك أُنشئت مرافق ذات تجهيزات على مستوى متعدد الجنسيات ووطني وحتى إقليمي يعمل فيها باحثون من عددٍ من المعاهد المختلفة.

وحتى فيما يتعلق بالتجهيزات الأرخص ثمنًا، فإن هناك من يقرر إمكان مجموعةٍ ما استعمال أو عدم استعمال هذه التجهيزات التي تبقيهم على اتصال بآخر التطورات في مجالاتهم.

لكن الاتجاه نحو الاقتصاد في تمويل العلوم في هذه الأيام يؤدي إلى عزوف شديد عن إقامة تعاون يتطلب استثمارًا ضخمًا ومصروفات مستمرة كبيرة.

وقد تبين أيضًا أن المختبرات الكبيرة التي أنشئت بتمويلات سخية، وأطلقت يدها للعمل بحرية، غالبًا ما تجد أن مواكبتها للاتجاهات الجديدة وتكيفّها مع الأفكار الجديدة هو أمر بالغ الصعوبة والطريقة الأجدى هي الحث على التعاون "الواقعي"، حيث يُجري الباحثون بحوثهم كلٌّ في بلده ضمن مجموعات من العلماء يتفقون على هدف مشترك ويتقاسمون المهمات اللازمة لإنجاز المشروع. إن هذه هي الاستراتيجية الرئيسية المعتمدة للتعاون والتي يشجعها الاتحاد الأوروبي.

 

إن تدخل الاتحاد الأوروبي في العلم والتقانة يهتم كثيرًا بالروابط الوثيقة بين العلم وتطبيقاته. هذا وإن الجماعة الاقتصادية الأوروبية لم تتعهد بتطوير العلم للعلم، إنما توجه خططها البحثية نحو جني فوائد اقتصادية منها لمصلحة دول الجماعة، تمامًا كما أن مركز البحوث المشترك (JRC) يوجه بحوثه نحو مساعدة دول الجماعة الأوروبية على استخدام الطاقة النووية.

وفي أواخر السبعينات غدا واضحًا أن التميز الأوروبي في العلوم قد طغى عليه تفوق الولايات المتحدة واليابان، وأكثر من ذلك، فقد تبين أن أوروبا خسرت المعركة الدائرة حول الأسواق والتقانة، ومن ثَم برزت حاجة ماسة كي تبذل أوروبا جهودًا أكبر في البحوث، ومعايير جودة منتجاتها، وإيجاد الأسواق لها.

وانطلاقًا من هذه الأهداف وُضعت برامج –أُطلق عليها اسم Framework– تهدف إلى بناء تعاونٍ في العلوم بغية تحسين التنافس الاقتصادي الأوروبي.

وقد تعهد الاتحاد الأوروبي، في نطاق هذه البرامج، بأن يقدم نصف تكلفة المشاريع في مجالات قرَّر الاتحاد أنها تحظى بأهمية خاصة. وعلى الباحثين، الذين يعملون إمَّا في الصناعة وإمّا في القطاع العام، أن ينخرطوا في مجموعات من دول الاتحاد كل منها يحوي دولتين على الأقل، كما أن المشاريع تُقَيَّمُ بعمليات مراجعةٍ دقيقةٍ تُدار من قِبَلِ الجماعة الأوروبية.

وكلفة هذه المشاريع تُدار من قِبَلِ الجماعة الأوروبية. وكلفة هذه المشاريع تقدَر بنسبة %4 من المخصصات الأوروبية للبحث والتطوير.

 

وفي التسعينات تعرضت أيضًا البرامج السابقة للضغوط المفروضة على الأنظمة الوطنية التي ذكرناها آنفًا، وذلك لمزيد من عمليات الابتكار والتجديد في حقل التقانة، ولمعالجة مواضيع أوسع كالبيئة والطقس وتنظيم التقانة وتقبلها، وللتطوير التقني للبنية التحتية للنقل والمعلومات.

وتدعو معاهدة ماسترخت، التي عُقدت ضمن الاتحاد الأوروبي، إلى العمل على التوصل إلى انسجام اجتماعي بين الدول الأعضاء، وإلى تنسيق السياسات الوطنية في البحوث والتطور التقاني.

وتبين الدراسات التي أُجريت لمعرفة أثر البرامج Framework في الدول الأعضاء أن الباحثين يستفيدون من مثل هذا التعاون، وذلك بتمكينهم من الاطلاع على مزيد من الخبرات والنتائج، وبتقوية روابط البحث والتقانة الأوروبية، وكذلك بالحصول على تمويل إضافي.

وهناك شعور بأن هذه البرامج أسهمت في إيجاد بيئة من التعاون المستقر؛ وبعبارة أخرى، في تكوين "جماعة علمية أوروبية" أصيلة.

 

إن فكرة كون العلم مشروعًا مشتركًا يُمكن أن تشارك فيه جميع الأمم على قدم المساواة شجعت نشوءَ بعض المنظمات الدولية، مثل المجلس الدولي للاتحادات العلمية (ICSU).

وتوجيهُ العلم نحو أهداف تتسم بمزيد من الطابع العلمي كان الحافز الرئيسي إلى تأسيس منظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة (FAO) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) على سبيل المثال.

ومنذ عهد قريب، قادت التعقيدات والتكاليف المتزايدة لبعض المشروعات العلمية إلى إنشاء مشروعات معينة على المستوى الدولي، مثل مشروع المجين (الجينوم) البشري، ومشروع الالتحام المشترك. وتقوم أوروبا بدورها في مناقشة مثل هذه المشروعات الضخمة، وبخاصة من خلال منتدى العلم الفائق التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

 

خاتمة

إن حديقة العلم في أوروبا، كما سبق ورأينا، هي حديقة متنوعة ودينامية. وتسعى كثير من القوى إلى ربط مؤسساتها العلمية بشبكة من المصالح المشتركة، كما تُبذل جهود حثيثة للمساعدة على النهوض بالمجموعات العلمية الأقل نضوجًا إلى مستويات أفضل.

ومن جهة أخرى، فإن الصناعات الأوروبية تخضع لضغوط مستمرة كي تتنافس فيما بينها وكي تنافس نظيراتها غير الأوروبية في الأسواق الرئيسية. والاعتماد التقليدي القوي على التدخل الحكومي في الصناعة والبحث قد يضعف هذه التنافسية، ومن ثَم فإن الدول تقوم الآن بجهود مضنية للتقليل من هذا الاعتماد ولحماية أسواق بضائعها.

إن الأهداف الرئيسية للسياسات العلمية تتمثل في توفير فرص أفضل للعمل وفي تخفيض الإنفاقات الحكومية إلى الحد الأدنى. ومع أن بعض الدول في أوروبا تتقيد بهذه المبادئ تقيدًا أفضل من غيرها، إلا أن من الواضح أنه يتعين على أوروبا ككل ألا تجعل الولايات المتحدة واليابان ودول جنوب شرق آسيا تكسب السباق في تطبيق الأفكار والتقانات الجديدة.

وقد حاز علماء أوروبا اهتماماً بالغًا –وكذلك دعمًا عمليًا إضافيًا في أغلب الأحوال– نتيجةً للبحوث التي أجروها في مجالاتهم، بيد أنه يتحتم عليهم التوثق من أن لهذه البحوث آثارًا مفيدةً وملائمةً لمجتمعاتهم وللجهات التي تدعم بحوثهم.

إن التحدي الذي يواجه الباحثين الآن يكمن في إيجاد توازن بين تلبيتهم للطلبات القصيرة الأجل المفروضة عليهم، وبين تأسيسهم لتقليد متين في الإنجازات في ميدان العلوم الأساسية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى