تعبير الكامل هو عدو الحسن
2014 أبجدية مهندس
هنري بيتروسكي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الكامل هو عدو الحسن (The Perfect Is The Enemy of The Good) يستذكر هذا القول مراراً في حالة أي تصميم هندسي أو أي تصميم مقبول – بمعنى أنه حسن – وغير مراجع بالضرورة، يُعدّل عليه ويُعاد العمل فيه بهدف تحسينه وجعله تصميماً أفضل وأفضل. والهدف النهائي المعلن غالباً هو الوصول إلى أفضل تصميم ممكن – التصميم الكامل. والمقصود بـ "الكامل" يعتمد على عوامل عديدة، منها الجمالية ومنها قابلية البناء أو قابلية التصنيع، والاقتصادية، وقابلية البقاء وقابلية الاستعمال. وبما أنه لا يُتوقّع أبداً لأي تصميم أن يكون حقيقة كاملةً حتى في واحدة من هذه العوامل، دعْ عنك الباقي، فإن العملية التكرارية لا نهاية لها بالفعل. والتصميم "الكامل" الذي لا يمكن بلوغه قد يجعل التصاميم "الحسنة" غير مقبولة بما هي، أي ببساطة تصاميم حسنة وقابلة للتنفيذ. وقد طُبّق هذا المبدأ في برنامج أبولو في وكالة الفضائية الأميركية الناسا واستخدم في تطوير المركبة الفضائية المكّوكية للوكالة. كان من المهم عدم تشجيع التغيّرات التصميمية في حالة الوصول إلى قرارات حصيفة، وإلا فإن البرنامج سيغوص في تعديلات غير ضرورية وتداعياتها على كل لكل النظام المعقد. والفلسفة المتبعة من قبل الناسا تتلخص في القول "الأفضل هو عدو الحسن".
يمكن متابعة المقارنة بين الحسن والأحسن والأفضل والكامل في كتابات المفكّر الفرنسي المتعدد المهارات فرانسوا ماري أرويه (François- Marie Arouet) (1694-1778) المعروف باسم
فولتير (Voltaire). ظهر ذلك في القاموس الفلسفي (Dictionnaire Philosophique) الذي نشر أول مرة عام 1764. وقد كرر فولتير القول في قصيدته "المحتشمة" (La Bégueule) (The Prude) عام 1772، حيث يعزو فولتير الفكرة إلى "حكيم إيطالي"، وقد يكون سبب ذلك ضرورة الشعر (الإيقاع):
في كتابات الحكيم الإيطالي Dans ses écrit un sage Italien
يقول إن الأحسن هو عدو الحسن Dit que le mieux est l’ennemi du bien
وقد ترجمت جملة "الأفضل هو عدو الحسن" بطرائق مختلفة. فإضافة إلى "الكامل هو عدو الحسن" هناك "الأحسن هو عدو الحسن". وبصرف النظر عن كيفية قول ذلك في الإنجليزية فإن اقتضاءات كلمات فولتير في الهندسة والتصميم هي نفسها فعلياً: ففي حين أن تصميماً أفضل يمكن بلوغه دائماً، فليس من الحكمة أو التعقّل أو الضرورة البحث عنه.
لننظر في اختراع الشبكة العنكبوتية العالمية، التي تُعزى إلى المهندس البريطاني وعالم الحاسوب تيم بيرنرز لي(Tim Berners-Lee) (المولود عام 1955) الذي طوّر أداة إقامة المواقع المعروفة باسم (HTML)، والتي تعني لغة نص تأشير ترابطي. وتركيز هذه اللغة على النص فقط جعلها سهلة التعلّم والاستعمال. ومع مرور الوقت، وخاصة في مسألة إدماج صور ووسائط إعلامية أخرى في المواقع على الشبكة أصبحت نواقصها جليّة. ومع كل هذا، فلهذه اللغة يعود الفضل في زيادة عدد المواقع من 130 موقعاً عام 1993 إلى 23000 في خلال أقل من سنتين. ومع أن هذه اللغة كانت بعيدة عن أن تكون كاملة لإقامة مواقع على الشبكة العنكبوتية، ولكن سهولة استعمالها أكسبتها انتشاراً واسعاً واعتماداً منذ الأيام الأولى كلغة مفضّلة. وللمزيد عن هذا الموضوع، انظر:Scott Berkun, The Myths of Innovation, expanded and revised edition (Sebastopol, Calif.: O'Reilly Media, 2007), pp. 123-126.
عندما كان لاري بايج (Larry Page) (المولود عام 1973) يعمل مع معاصره سيرجي برن(Sergey Brin) على محرّك البحث المسمى غوغل، لم يكونا لوحدهما. فقد كان كثيرون غيرهما يبحثون عن الهدف نفسه، والسباق كان حول من يكون الأول لتطوير منتج جيد، وليس كاملاً بالضرورة. وهكذا، ووفقاً لإحدى الاعتبارات "الوقت أهم من المال" و"التجديد أهم من الكمال". ومن بين خصائص نموذج غوغل أن "جدّد أولاً وكن كاملاً فيما بعد". انظر:David Edwards, The Lab: Creativity and Culture (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2010), pp. 21-22.
مثال مهم آخر عن هذه العملية هو مشبك الأوراق المصنوع من الشريط المعدني. وهو التصميم الشهير لحلقة داخل حلقة، الذي يتشكّل عند لف شريط بطول أربع بوصات ثلاث مرات وكل مرة بـ 180 درجة، وهو المعروف باسم جم (Gem). يعود تاريخه للقرن التاسع عشر، جاء اسمه من الشركة البريطانية التي صنّعته، ولم تسجل براءة اختراعه. وقد كان هذا المشبك تصميماً جيداً (ولا يزال) ولكنه ليس كاملاً. وسُجّلت خلال القرن العشرين مئات ومئات براءات الاختراع لمشابك الورق التي كانت في ما يبدو تحسينات على المشبك الأول، ومع هذا فإن أيّاً منها لم تُغيّر الشكل الأساسي. وفي الواقع فكلما حاول المخترعون تحقيق كمال ما، كان احتمال قدرة إنتاج منافس قوي للمشبك الأصلي أضعف أو أقل. وفي حالة مشبك الورق، فقد كان الحسن هو الغالب للتصميم المفترض أنه الأفضل. وبخصوص نقاش اختراع وتطوير المشبك انظر:"The Evolution of Artifacts," American Scientist, September-October 1992, pp. 416-420, and chapter 2 of Invention by Design: How Engineers Get from Thought to Thing (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1996).
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]