تعريف وعناصر “الحق في الإثبات”
1995 الحاسوب والقانون
الدكتور محمد المرسي زهرة
KFAS
الحق في الإثبات الحاسب الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
إذا كنا قد انتهينا – مع الرأي الراجح – إلى صحة اتفاق الإثبات من حيث المبدأ ، إلا أن مثل هذا الاتفاق يجب أن لا يذهب إلى حد حرمان أحد طرفيه من حقه في إثبات ما يدعيه كلية .
فالقانون قد كفل لكل فرد الحق في إثبات ما يدعيه. وقد هيأ له القانون الوسائل التي تمكنه من ذلك . وما يُسمى بعبء الإثبات ، ما هو في حقيقته إلا حق يجب تمكين الفرد من القيام به.
ونعرض فيما يلي لتعريف الحق في الإثبات وعناصره ، ثم لاساسه القانوني .
أولاً : تعريف الحق في الإثبات وعناصره
يُقصد بالحق في الإثبات Droit à la prevue تمكين المدّعي من إثبات الوقائع التي يدعيها بالطرق المحددة قانوناً ، والسماح له بالحصول من خصمه – أو حتى من الغير – على أدلة الإثبات التي تتضمنه.
وللحق في الإثبات ، طبقاً لهذا التعريف عنصران أو شقان: تمكين المدّعي من إثبات ما يدّعيه بالطرق المحددة قانوناً ، وتمكينه من الحصول على أي دليل مُنتج في الدعوى قد يكون تحت يد خصمه، أو تحت يد الغير .
أ- إلزام الخصم أو "الغير" بتقديم دليل تحت يده إلى القضاء
يجوز للخصم ، بمقتضى المادة 22 إثبات كويتي، أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة في الدعوى تكون تحت يده في الحالات الآتية :
1- إذا كان القانون يُجبر مطالبة من بيده الورقة بتقديمها أو تسليمها . ويقصد بالقانون – في هذا الصدد – القانون بمعناه العام ، وبوجه خاص القانون الموضوعي كالقانون المدني وقانون التجارة.
ومن هذا القبيل ما نص عليه المشرع في المادة 33 من قانون التجارة الكويتي بأنه يجوز للمحكمة ، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم ، إلزام التاجر- أثناء نظر النزاع – بتقديم الدفاتر والأوراق التجارية للإطلاع على القيود المتعلقة بالموضوع المتنازع فيه ، واستخلاص ما ترى استخلاصه .
والاحتجاج على التاجر بدفاتره ليس حقاً مقرراً للخصم يجب على المحكمة إجابته إلى طلبه متى طلب ذلك ، وإنما هو أمر جوازي للمحكمة إن شاءت أجابته إلى جلبه وإن شاءت رفضته.
وحق الاطلاع مقرر – هنا – للمحكمة وحدها أو للخبير الذي تنتدبه. ولا يجوز للمكمة أن تسمح للخصم بالاطلاع على الدفاتر بنفسه وذلك لخطورة هذا الإجراء.
2- إذا كانت الورقة مشتركة بين ما يطلب تقديمها وبني خصمه ومن أمثلة ذلك الورقة المحررة لمصلحة الخصمين ، كعقد بيع أكتفى المشترون بنسخة واحدة احتفظ بها أحدهم ، أو عقد مقايضة ملزم للطرفين تم تحريره من نسخة واحدة.
ويترك تقدير مسألة ما إذا كانت الورقة مشتركة بين الخصمين أو تخص أحدهما فقط لمحكمة الموضوع.
3- إذا كانت الورقة قد استند عليها الخصم الذي هي تحت يده في أي مرحلة من مراحل الدعوى . ويقصد بذلك حالتين : حالة إذا ما استند الخصم في الدعوى على ورقة لكنه لم يقدمها.
إذ يجوز – حينئذ – للخصم الآخر أن يطلب من المحكمة إلزام الخصم الأول بتقديم هذه الورقة .
وحالة ما إذا قدم الخصم ورقة لإثبات ما يدعيه ، ثم قام بسحبها بموافقة خصمه . فإذا احتاج هذا الأخير لها في مرحلة لاحقة، كان له أن يطلب من المحكمة إلزام خصمه بتقديمها.
لكن الورقة التي يريدها الخصم قد لا تكون تحت "يد" الخصم الآخر ، وإنما تحت "يد" أحد الأغيار . وقد يرفض هذا الأخير – لسبب أو لآخر – تقديمها عندما يطلبها أحد الخصوم.
ولذلك تنص المادة 24 إثبات كويتي على أنه : "يجوز للمحكمة أثناء سير الدعوى ، ولو أمام محكمة ثاني درجة ، أن تأذن في إدخال الغير لإلزامه بتقديم ورقة تحت يده وذلك في الأحوال ومع مراعاة الأحكام والأوضاع المنصوص عليها في المواد السابقة .
ولها أيضاً أن تأمر، ولو من تلقاء نفسها ، بإدخال اية جهة إدارية لتقديم ما لديها من المعلومات والأوراق اللازمة للسير في الدعوى ما لم يكن في ذلك إخلال بالمصلحة العامة .
وبذلك يمكن القول أن الأصل ، في كل من مصر والكويت ، هو أن الخصم لا يُجبر على تقديم دليل تحت يده في الواقعة التي يتمسك بها إلا إذا نص على ذلك القانون صراحة ، وفي حدود هذه النصوص فقط دون أن تتجاوزها.
وبالتالي فإن القانون الكويتي ، وكذلك المصري ، ينظر إلى حق الخصم في إلزام خصمه بتقديم ما تحت يده نظرة استثنائية .
فالإثبات حق للخصم "وهو إذا اعتبر في الوقت ذاته واجباً عليه ، فإنما يكون كذلك فقط بالنسبة إلى الواقعة التي يدّعيها هو لا بالنسبة لما يدّعيه الخصم الآخر . فهذا الأخير لا يجوز جبره على تقديم الدليل على الواقعة التي يدّعيها خصمه".
والحقيقة – في اعتقادنا – أن هذه النظرة من جانب المُشرِّع ، ومن ورائه الفقه ، محل نظر . فغاية النظام القضائي في مجموعه هي البحث عن الحقيقة ، والحقيقة وحدها . ويجب أن يعمل "الكل" بما فيها الخصوم أنفسهم ، على الوصول إليها ظاهرة واضحة ، نقية لا تشوبها شائبة .
ولا ريب في أن من وسائل الوصول إلى هذه الحقيقة إلزام الخصوم ، أو الغير ، بتقديم ما لديهم من أدلة تساعد على إجلاء الحقيقة . وإذا كان الخصم واثقاً من أحقيته فيما يدّعيه، فليس له أن يتضرر من إلزامه بتقديم ما تحت "يده" من أوراق .
فتقديم مثل هذه الأدلة يساعد، دون شك ، على "تنوير" المحكمة حتى ياتي قضاؤها – في النهاية – مطابقاً للحقيقة . وليس في العدالة في شيء أن يكون "صمت" أحد الخصوم او سوء نيته سبباً في تضليل العدالة .
ومن ناحية أخرى ، فإن القول بأن الإثبات حق للخصم وليس واجباً عليه لا ينفي التزامه بالمساهمة في البحث عن الحقيقة ، حتى لو اقتضى ذلك إلزامه بتقديم ما تحت يده من مستندات .
ولا يعني ذلك ، كما ذهبت بعض المحاكم في فرنسا، أن مطالبة المدّعي بإلزام خصمه بتقديم المستندات التي تحت يده يؤدي إلى قلب عبء الإثبات ونقله على عاتق المدّعى عليه .
بينما الأصل ، كما رأينا ، هو أن البينة على عاتق من يدعي خلاف الظاهر. فمطالبة المدّعي بإلزام خصمه بتقديم ما لديه من أدلة هو – كما ذهبت محكمة استئناف باريس بحق – وسيلة لتمكين المدّعي من النهوض بعبء الإثبات الذي يقع على عاتقه .
وهكذا أقرت محكمة استئناف باريس صراحة ما يسمى بالحق في الإثبات بشقيه : تمكين الخصوم من تقديم ما لديهم من أدلة، والحصول على ما ينقصهم منها .
وقد توجت محكمة النقض الفرنسية هذا الاتجاه وذلك باعترافها بوجود التزام على عاتق الخصم يلتزم بمقتضاه بالمساعدة على إظهار الحقيقة .
وبالتالي فإن الخصم يلتزم بتقديم ما لديه من أدلة إذا قدرت المحكمة أنها لازمة للوصول إلى الحقيقة ، غاية النظام القضائي في مجموعه ، حتى لو تعارض ذلك مع مصلحته الخاصة . فالمصلحة العامة تعلو بلا جدال المصلحة الخاصة في حالة التعارض بينهما .
وقد تبنى المُشرِّع الفرنسي هذه النظرة بالتعديل الجديد الذي أدخله بالمرسوم رقم 71-740 الصادر في 9 سبتمبر 1971، والمرسوم رقم 72-684 الصادر في يوليو 1972، والمرسوم رقم 72-788 الصادر في 28 أغسطس 1972.
وهذا تنص المادة العاشرة مدني فرنسي المعدلة بالقانون رقم 72-626 الصادر في 5 يوليو 1972 على أنه : "يلتزم كل فرد بتقديم مساعدته للعدالة بهدف إظهار الحقيقة .
ومن يتهرب ، دون مبرر مشروع ، من هذا الالتزام عندما يطلب منه ذلك ، يجوز إجباره على التنفيذ عن طريق فرض غرامة تهديدية او غرامة مدنية…"
وبذلك يمكن القول أن الأصل في القانون الفرنسي هو التزام الخصم ، أو الغير ، بتقديم ما لديه من مستندات للمساعدة على إظهار الحقيقة التي هي غاية النظام القضائي بوجه عام .
فمن يقوم بتقديم ما لديه من أدلة يساهم – دون شك – في إثبات الحقيقة وذلك بتمكين القاضي من فحص كافة المستندات المتعلقة بالنزاع.
ب- حق الخصم في إثبات ما يدعيه بالطرق التي كفلها القانون
وهو حق لم ينص عليه القانون ، في مصر والكويت وفرنسا ، صراحة . ولكن يمكن – مع ذلك – استنتاجه من النصوص القانونية بوجه عام.
فقد رأينا ان الإثبات ليس عبئاً فقط على المدعي خلال الظاهر ، بل هو حق له ايضاً . وعلى القاضي أن يُمكّنه من تقديم ما لديه من أدلة يسمح بها القانون .
فإذا لم يُمكّنه القاضي من ذلك ، كان هذا سبباً للطعن في الحكم. وهو بهذا المعنى يُعتبر "التكملة الضرورية لحق الدعوى والحق في الدفع".
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]