تفسير الأحداث الناتجة عن الانبثاقات الأرضية الواقعة تحت أو قرب محور الانفصام
1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الأول
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الانبثاقات الأرضية الانبثاقات الأرضية الواقعة تحت محور الانفصام محور الانفصام الانبثاقات الأرضية الواقعة قرب محور الانفصام علوم الأرض والجيولوجيا
وعليه يطرح السؤال ماذا يحدث لو أن انبثاقة وقعت تحت أو قرب محور الانفصام ؟
فإذا كانت الانبثاقة تحت مركز الانفصام فسيزيد انسياب الصخور المنصهرة من النطاق الانسيابي لتشكيل القشرة الجديدة.
والقشرة الواقعة فوق بقعة ساخنة هي بطبيعة الحال أكثر سماكة من أجزائها الواقعة على طول الحافة، ويكون من نتيجة ذلك تشكل هضبة تنهض فوق قاع البحر المحيط بها. وأكثر الأمثلة مجلبة للانتباه هو مثال ايسلاندا، فهي جزيرة كونتها بقعة ساخنة تركب حافة وسط الأطلسي.
وفي ذلك الموقع يكون تيار الحمل الحراري شديداً للغاية وتكون القشرة سميكة لدرجة غير اعتيادية حتى تصل الهضبة فوق مستوى سطح البحر.
وأما من الوجهة الجيوكيميائية فتكون القشرة الايسلاندية مختلفة بصورة مميزة عن قشرة المحيط النموذجية، إذ تظهر الأولى دليلاً واضحاً على مساهمة البقعة الساخنة في تكوينها. والقياسات الثقلية أو قياسات الجاذبية الأرضية تشير إلى أن لبّ الانبثاقة يقع تحت الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة.
والقمم البركانية هناك هي اشارات مشاهدة لتيارات الحمل الحرارية إذ يصل ارتفاعها إلى 1600 متر .
وتغطيها جليديات (فانتا جوكول). وفي عام 1918 عندما حصل تدفق بركاني تحت الجليدية أدى إلى فيضان نتيجة انصهار الجليد بتصريف يعادل 20 مرة تصريف أو غزارة نهر الأمازون .
ويبدو أن بعض المواد من الانبثاقة الشديدة لايسلاندا تنتشر تحت النطاق الصخري فيميل هذا النطاق صعوداً باتجاه محور الانفصام، وقد اقترح (فوكت) بأن المحور شمال وجنوب أيسلندا قد لعب دور أنبوب نقل مؤدياً إلى حركة انتقال جزئية للصخور المنصهرة بعيداً عن البقعة الساخنة.
وفي كلا الاتجاهين على طول الحافة تشكل مواد الانبثاقة الفائضة تضاريس ناهضة غير عادية تتشر إلى مسافة تقارب 1500 كيلومتر وإلى الجنوب من ايسلندا يستدق طرف الهضبة الواسعة لتشكل حافة وسط الأطلسي المنوذجية.
ويحتمل أن تكون البنية المستدقة قد نتجت من أن معظم صخور الانبثاقة سهلة الانصهار وغنية بالمواد الطيارة وقد استهلكت قرب أيسلندا.
وفي الحقيقة فقد وجد (شيلنك) بأن التركيب الكيميائي لأنواع البازلت المأخوذة من الحافة تصبح تدريجياً أشبه بقشرة المحيط " العادية " كلما ابتعدنا عن ايسلندا مما قاد إلى الافتراض بأن المساهمة النسبية للبقعة الساخنة يتضاءل تدريجياً في ذلك الاتجاه
وعلى منحدرات الحافة إلى الجنوب من ايسلندا تتواجد أزواج متناظرة من حواف ثانوية، وكل زوج منها يكوّن شكل V متجهاً نحو الجنوب وطرفه الحاد على محور الانفصام، ويحتمل أن تكون تلك المظاهر قد نجمت عن " أمواج " من مذاب شديد التدفق أو من مادة ساخنة قابلة للطفو غير اعتيادية صادرة عن الانبثاقة.
وأن موجة تسير مع الحافة يمكنها أن تعطي قشرة غير عادية تؤثر في المنطقة الأقرب إلى البقعة الساخنة باديء ذي بدء.
والقشرة الناهضة حينئذ ترحل بعيداً في كل من جانبي المحور وذلك لحركة الصفائح المتباعدة لتشكل بدورها الحواف الثانوية ذات الشكل V ومن معدل التباعد المعروف ومن الزاوية المحصورة بين الحواف الثانوية ومحور التباعد يمكننا تقدير سرعة تحرك مواد الانبثاقة، ويبدو أنها تنساب مع المحور بمعدل 5 إلى 20 سنتمتراً كل عام .
وحيث أن لحواف وسط المحيط حركة فليس من المحتمل أن تمكث البقعة الساخنة أسفل مركز الانفصام إلا لفترة جيولوجية محدودة.
ومما لا شك فيه أن الانبثاقات بامكانها أن تمد محور الانفصام بالمواد عن بعد، شريطة أن تكون الانبثاقة قريبة بدرجة كافية من المنطقة التي يميل فيها أسفل النطاق الصخري إلى الأعلى ناحية المحور. ومثل هذا التصور يساعد كثيراً على فهم بعض الظواهر السطحية غير العادية في منطقة ايسلندا .
وتمتد الهضبة التي تحتوي ايسلندا من كرينلاند في الغرب إلى جزر الفارو في الشرق. أما القطاع من الهضبة المتواجد شرق ايسلندا وإلى شرق محور الانفصام الحالي فما زال يشكل مصدر حيرة الجيولوجيين منذ أمد طويل.
فبينما يستدل من اتجاه الهضبة الخطي على منشئها من بقعة ساخنة إلا أنه لا يمكن اعتبار تكوينها عائداً ببساطة لحركة صفيحة فوق انبثاقة ثابتة، إذ أن ذلك الاتجاه لا يتوافق مع آثار مسار بقعة أيسلندا الساخنة والتي يستدل عليها عند تمثيل إعادة بناء المحيط الأطلسي القديم.
وقد فسر بعض الدارسين هذه الظاهرة بأنها دلالة على أن البقعة الساخنة لم تبق ساخنة بل تحركت فنتج عنها تلك الهضبة بدفعات انبثاقية متقطعة اخترقت الصفيحة.
ويستدل من هذا الجدل على أن إعادة تمثيل الوضع كان غير دقيق فإذا كانت الانبثاقات غير ثابتة فلا يمكن حينئذ اعتمادها كشواهد مرجعية مطلقة لوضع خرائط حركة الصفيحة على الغلاف الأرضي .
وافتراضاتنا الخاصة في هذا الأمر أن بقعة ايسلندا الساخنة ظلت ساكنة وأن مقطع هضبة ايسلندا – فارو قد نشأ من جراء انسياب الصخور شرقاً من البقعة الساخنة إلى مركز انفصام مندثر حالياً.
ويمكن وضع هذه الفرضية موضع الاختبار : لنفترض أن الانبثاقة ستغذي المواقع المتاخمة لها على الحواف، فعليه وفي أي وقت أثناء تكون الهضبة، يكون من المحتَّم للخط الذي يمثل أقصر مسافة بين الانبثاقة والحافة أن يقطع مركز الهضبة، وستكون الهضبة متناظرة على طرفي محور الحافة وليس بالضرورة أن تكون متعامدة معه .
ويمكن أن يكون للصفائح بالنسبة إلى البقعة الساخنة عناصر حركة موازية للمحور ويكون توجيه الهضبة عندئذ بإضافة هذه العناصر إلى الحركة النسبية للصفائح (المتعامدة مع المحور).
وأخيراً فإن عمر الهضبة في أي نقطة سيكون كعمر قاع البحر المحيط حيث أن الاثنين قد تشكلا في وقت واحد. ولا يمكن لهذه التنبؤات أن تثبت إذ افترض أن الهضبة كانت قد تشكلت بواسطة بقعة ساخنة لم تكن تغذي الحافة .
لاختبار النموذج المقترح فقد قام (ڤينك) بإعادة تمثيل انفتاح بحر النرويج – كرينلند وتشكّل الهضبة.
وقد اتبع في ذلك نفس الخطوات المتبعة عند إعادة تركيب وضع الأطلسي القديم : تطابق الرصائف الزمنية المغناطيسية يكشف الوضعية النسبية للصفائح في فترة شذوذ مغناطيسي معين، وتظهر آثار البقعة الساخنة حركات الصفيحة في إطار البقعة الساخنة المرجعية .
وخلال مراحل الانفتاح الأولى للحوض منذ 50 – 60 مليون عام مضى، كانت البقعة الساخنة لايسلندا تحت كرينلند الشرقية، وتعكس آثارها الجنوبية حركة صفيحة كرينلند باتجاه الشمال.
ويحتمل أن يكون مرور الصفيحة فوق الانبثاقة قد أدى إلى تكوين تشكيلات من صخور نارية واسعة الامتداد في جنوب غربي (سكورسيي ساوند) التي يعرف من خلال الدلائل الإشعاعية أن عمرها حوالي 55 مليون عام.
ومنذ حوالي 50 مليون عام مضى تحرك حرف كرينلند القاري فوق البقعة الساخنة، وفي ذلك الوقت انسابت كميات مفرطة من المواد على طول قاعدة النطاق الصخري المحيط إلى مركز الانفصام وعندئذ بدأ تشكل الهضبة
ومن المرجَّح أن جزر الفارو المتواجدة حالياً في الطرف الشرقي من الهضبة قد تكونت أولاً حيث تتراوح أعمار صخورها البازلتية ما بين 50 – 60 مليون سنة. وبإعادة هذه الحقبة الزمنية يتضح أن الهضبة النامية منتاظرة تقريباً على جانبي محور الانفصام وأن الشكل V للطرف الشمالي يعكس حركة الصفائح بالنسبة إلى البقعة الساخنة .
ومنذ 36 مليون عام مضى انحرف مسار الصفيحة إلى وجهة أكثر نحو الغرب مما أدى إلى انحناء في آثار المسار إلى الشرق.
وهذا التغير ظاهري في هندسة شكل الهضبة : بمعنى أن الشكل V قد انشقّ بقطاع أحدث يتجه باتجاه شرق – غرب عمودياً على محور الانفصام.
وبقيت الهضبة متناظرة على جانبي المحور، والخط الفاصل من مكان البقعة الساخنة يتقاطع مع المحور في مركز الهضبة. وهاتان الملاحظتان تشيران إلى أن الانبثاقة قد استمرت في توصيل الصخور الذائبة إلى الحافة .
في ذاك الوقت كانت البقعة الساخنة تحت النطاق الصخري المحيط الذي يعتبر إلى حد ما أقل سماكة من النطاق الصخري القاري، والانبثاقة يمكن لها أن تزيد من تخفيف سماكة هذا النطاق.
ويفترض نموذجياً بأن الحافة قد قفزت بالتالي إلى حد منطقة ضعف النطاق الصخري تاركة وراءها مركز انفصام خامد على المقطع الشرقي للهضبـة.
وعلى الرغم من وجود مثل هذا الأثر فما زال الأمر موضع جدل، ويبدو أن النشاط الجيولوجي قد توقف بالتأكيد في الشرق في حوالي الوقت الذي قد تحول فيه محور الانفصام إلى الغرب، لذا فعينات الصخور التي جمعت من بئر آلي قرب مركز المقطع الشرقي كانت من عمر 40 – 43 مليون سنة تقريباً.
ولقد استمر انفصام قاع البحر في الطرف الغربي من الهضبة. ومع توضع البقعة الساخنة تحت محور الانفصام فإن مواد الانبثاقة بدأت في الانسياب مع خط المحور ومؤدية إلى إعطاء الحافة بنيتها المستدقة الحالية عند الجنوب.
وقد دفعت الصفائح المتحركة باتجاه الغرب على فورها المحور بعيداً عن البقعة الساخنة مع بقاء الانبثاقة مستمرة في تغذية الحافة.
ولقد وجدت أقدم المطالع الصخرية في ايسلندا قرب شرق وغرب السواحل كما يمكن أن نتوقعه من جزيرة تشكلت عند محور الانفصام، وتدل أعمال الصخور أن الجزيرة تشكلت عند محور الانفصام، وتدل أعمال الصخور أن الجزيرة قد ولدت بين 16 إلى 12 مليون عام مضى.
وايسلندا لا تزال نشطة من الوجهة الجيولوجية، وفي الملايين القليلة من السنين الماضية حدثت تحركات لمحور الانفصام باتجاه الشرق أعادت ثانية الحافة فوق البقعة الساخنة.
تظهر إعادة تمثيل التراكيب بأن ثبات بقعة ايسلندا الساخنة بمقدوره أن يقدّم الوضع الهندسي الملاحظ لهضبة كرينلند – فارو، وأنه بامكانه أيضاً تشكيل هضبة فيرنج مع أنها تبعد حالياً 500 كيلو متر إلى الشمال من ايسلندا.
تستند هذه الفرضية على الافتراض القائل بأن الانبثاقية تزود على الدوام أقرب مناطق محور الانفصام إليها. فقبيل تشكل هضبة كرينلند – فارو حيث كانت لا تزال البقعة الساخنة تحت كرينلند يحتمل أنها كانت أقرب ما تكون إلى القطاع الشمالي للحافة.
وخلال تلك الفترة كان بمقدورها تكوين هضبة فيرنج. وإن حركة صفيحة كرينلند باتجاه الشمال بعد ذلك قد جعلت محور الانفصام الجنوبي أقرب إلى البقعة الساخنة وبهذا فقد غيرت الانبثاقة أهدافها .
وكما هو الوضع في نظرية تكتونية الصفائح فإن البقاع الساخنة فكرة سهلة ممتنعة، فهي تفسر العديد من ظواهر سطح الأرض كان تفسيرها ميؤوساً فيما مضى وستقود الأبحاث القادمة دون شك إلى التعرف على تأثيرات أخرى ترتبط بالانبثاقات الصاعدة من الغلاف الأرضي
وفي نفس الوقت يمكن القول إن الفكرة مقبولة منطقياً. وأنه لأمر شيق أن تعرف بأن سكان جزر هاواي قد ميزوا منذ قرون عديدة الآثار المتخلفة عن البقاع الساخنة في بلادهم
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]