الفيزياء

تفسير الأسباب التي تقود إلى عدم فهم الطلاب للمحاضرات الفيزيائية

1997 عجائب الضوء والمادة تجريباً وتأويلاً

KFAS

عدم فهم الطلاب للمحاضرات الفيزيائية الفيزياء

ها أنتم إذن قد عرفتم الان ما سأتحدث عنه . وهنا يخطر بالبال السؤال التالي : هل ستفهمون ما سأقوله لكم ؟ ذلك أن من يأتي ليستمع إلى محاضرة علمية يعتريه الشك في إمكانية فهمه لما سيقال فيها، لكنه يأمل أن يرى محاضراً ذا ربطة عنق جميلة مثلاً، أو لطيف المنظر ( فاينمان لا يضع بالطبع ربطة عنق).

إن ما سأرويه لكم سوى ما أعلمه للطلاب الذين يحضِّرون أطروحة في الفيزياء . فهل تعتقدون حقا أنني أستطيع أن أشرح لكم كل ذلك بما يتيح لكم فهمه؟ الجواب، بكلام الجد هو كلا : من المؤكد أنكم لن تفهموا . ولكنكم ستقولون لي : لماذا إذن كل هذا العناء الذي سنتجشمه ؟ ولماذا تقضي كل هذا الوقت أمامنا ، إذا كنا لن نفهم شيئاً مما ستقوله ؟

الحق أنني وضعت نصب عيني أن أستطيع استبقاءكم هنا للإصغاء إليّ . لأن الطلاب ، ولا أخفي عنكم شيئاً ، لا يفهمون ، هم أيضا، في هذا الأمر شيئا. لماذا ؟ الجواب ، بكل بساطة ، هو لأنني ، أنا بالذات، لا أفهم من هذا الأمر شيئاً ولا أحد فوق ذلك يفهم منه شيئاً .

أحب ، بهذا الصدد، أن أقول شيئاً عما أقصده بكلمة (( فهم )) . إن عدم فهم محاضرة ما يعود إلى أسباب كثيرة منها ، مثلا ، أن المحاضر قد لا يحسن التعبير – لا ينجح في التعبير عما يريد قوله ، أو يقول عكس ما يريد ، فيجد السامع صعوبة في الفهم ، وهذا محذور شائع . أما أنا فسأبذل كل ما بوسعي كي لا تزعجكم لكنتي النيويوركية .

وهناك سبب شائع آخر : إن المحاضر ، لا سيما إذا كان فيزيائيا ، يستخدم كلمات من اللغة الدارجة  في معان غير مألوفة .

 

والواضح أن الفيزيائيين يستخدمون غالباً كلمات من اللغة الدارجة – ((عمل work)) ((فعل action)) ((طاقة energy)) وحتى كلمة ((ضوء light)) كما سنرى – في معنى تقني .

فعندما أستعمل كلمة ((عمل))  في الفيزياء ،  لا أقصد بها معناها بالضبط في لغة الحياة اليومية . وقد يحدث لي ، في هذه المحاضرات ، أن استخدم كلمة من اللغة الدارجة دون أن أشعر أنني أقصد بها معنى خاصا . ولئن كنت سأبذل جهدي لتحاشي هذه الأمور ( وهذه ، على أية حال مهنتي ) إلا أن هذا النوع من الخطأ يصعب تحاشيه .

هذا وقد يحدث أن لا تفهموا ما سأقوله لكم عن طريقة عمل الطبيعة ، وسبب ذلك أنكم لا تدركون لماذا تعمل بتلك الطريقة ، ولكن يجب أن تعلموا أن ما من أحد يستطيع أن يعلل لماذا تتصرف الطبيعة بذلك الشكل ،  لا بشكل آخر .

ومن الأسباب التي تعوق ((الفهم)) أذكر أخيراً أنني سأقول لكم شيئاً لن تستطيعوا ، بكل بساطة ، أن تصدِّقوه ،  شيئا سترفضونه ولن تحبوه . عندئذ تتشكل غشاوة تجعلكم تتوقفون عن الإصغاء.

 

سوف أصف لكم الطبيعة ، وإذا لم يعجبكم ذلك فستجدون صعوبة في فهمه . إنها مسألة كثيرا ما صادفها الفيزيائيون . ولكثرة ورودها اقتنعوا في النهاية بأن قضية الإعجاب بها أو عدمه ليست بذات شأن . لكن المهم أن تتيح النظرية المطروحة نبوءات تتفق مع التجربة .

فليس المطلوب من النظرية أن تكون مستساغة على صعيد الفلسفة ، أو أن تكون سهلة على الفهم ، أو أن تكون مقبولة لدى الحس الشائع .

ونظرية الإلكتروديناميك الكمومي تقدم للطبيعة صورة غير معقولة على صعيد المفهوم السائد لكنها تتفق  تماماً مع التجربة  . وعلى هذا آمل أن تقبلوا الطبيعة كما هي : شيئا غير معقـول .

أما أنا فأمارس تسلية في الالتزام بأن أشرح لكم ((لا معقولات)) الطبيعة ، لأنني أجد في ذلك متعة كبيرة . أما أنتم فأرجو منكم أن تصموا أسماعكم بحجة أنكم لا تستطيعون أن تصدقوا أن الطبيعة يمكن أن تنطوي على كل هذه الغرائب . اصغوا لي إلى النهاية : وأملي كبير في أن تشعروا ، بعد انتهاء هذه المحاضرات ، بنفس المتعة التي أشعر بها .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى