علم الفلك

تفسير بعض الظواهر المرتبطة بأشباه النجوم

1996 نحن والكون

عبد الوهاب سليمان الشراد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

أشباه النجوم الظواهر المرتبطة بأشباه النجوم علم الفلك

ولعل في ذلك تكمن الحيرة ، فكيف لجرم صغير بذلك الحد أن ينتج مثل تلك الطاقة الهائلة ؟

ولقد وعى ذلك بعض الفلكيين إلى افتراض عدم وقوع هذه الأجرام عند تلك المسافات الشاسعة، بمعنى أن أشباه النجوم لو كانت غير خاضعة لقانون هبل فذلك يدل على أنها أقرب كثيراً مما تبدو عليه من حيوداتها نحو الأحمر. 

وإذا كان الوضع كذلك تماماً فلاشك أن معضلة الطاقة الرهيبة تكون قد انتهت ، ولكن تلوح لنا من جديد معضلة أخرى ، فكيف يكون لها هذا الحيود العالي رغم تواجدها عند مسافات قريبة ؟

 

ونجد إن المشكلة تكمن في أن العمليات القياسية المتعارفة في الفيزياء لا تقوى على تعليل كيفية ظهور أشباه النجوم بها الحيود العالي نحو الأحمر .

ولو رجعنا إلى البداية لوجدنا أن التعليل المناسب لتفسير قانون هبل هو أن الحيود العالي نحو الأحمر يدل على التواجد عند مسافات شاسعة .

ويبدو أن الفرصة قد أتت للمشككين في قانون هبل بشأن حيودات أشباه النجوم العالية نحو الأحمر، ولذلك لكي يشيروا إلى إمكانية وضع قوانين جديد ملائمة في الفيزياء ، وعندها ستعلل هذه كيف يمكن لأشباه النجوم أن تكون قريبة ولها في ذات الوقت حيودات عالية نحو الأحمر .

ولا يجد ذلك التفكير اللاتقليدي ترحيباً تماماً ، فمعظم العلماء يعتقد أن قانون هبل فعال في تقديم المؤشر الصحيح على المسافات .

 

ويعتقد التقليديون منهم بأنها تقع فعلاً عند أبعاد شاسعة تدل عليها حيوداتها نحو الحمراء ، ويمثل ذلك تحدياً جديداً في محاولة تعليل كيفية تولد اللمعان بها لما يعادل مئة مجرة ، وذلك في حيز لا يزيد حجمه عن حجم نظامنا الشمسي .

ودللت بعض الأرصاد المثيرة التي تم إجراؤها على وجود خطأ ما تبعاً للتعليل التقليدي ، ولكن ظل السؤال المحير عن مكان وقوع أشباه النجوم .

فمن المؤكد أنه لا يوجد أحد لديه الإجابة الكافية. لمعرفة وسيلة لقياس أبعاد أشباه النجوم .

ونجد أنه في بداية العشرينات مثلاً أنهت اكتشافات هبل للمتغيرات القيفاويةCepheid variables المناظرة التي كانت قائمة بين كيورتس وشابلي حول أبعاد المجرات ، ولكن لم يتمكن أحد من اكتشاف مكافئ المتغيرات القيفاوية بالنسبة لأبعاد أشباه النجوم .

 

ولقد عثر هالتون أرب H. Arp من مرصد هيل على عدد من الحالات التي لا تخضع بشكل صريح لقانون هبل.

وكان من الأمثلة ما رصده أرب في عام 1972 عندما اكتشف شبه نجم يبدو ملامساً لمجرة قريبة بواسطة جسر لامع من الغاز وللمجرة 4319 NGC المرافقة لشبه النجم حيود منخفض نحو الأحمر Z= 0,006 أي أن سرعتها تعادل 1800 كم / ثانية .

وتبعاً لقانون هبل فإن ذلك يعادل مسافة تبلع 100 مليون سنة ضوئية ، إلا أن شبه النجم المرافق ماكارين 205 Markarian له حيود أكبر كثيراً نحو الأحمر مما للمجرة ، إذ كان =Z0,07 . 

 

اما اسم ماركارين فهو نسبة إلى تصنيف وضعه الروسي ماركارين في أوائل السبعينات ، ويعادل حيوده سرعة تبلغ 21 ألف كم / ثانية ، أي على بعد يزيد عن بليون سنة ضوئية. 

فإذا كان ماكارين 205 مرتبطاً مع المجرة ، فإن ذلك يدل على أن شبه النجم يجب أن يكون أقرب كثيراً من المسافة المستقاة من حيوده نحو الأحمر بالنسبة لقانون هبل ، ويعد ذلك نقصاً واضحاً لقانون هبل ومعضلة جديدة لا بد من حلها .

 

ورغم ذلك فلم يجد الفلكيون التقليديون في ذلك الوضع تناقضاً مع قانون هبل ، وذلك لافتراضهم أن الجرمان يقعان على خط بصر واحد.

فالمجرة 4319 NGC تقع في الموقع المفترض لها تبعاً لقانون هبل في الحيود نحو الأحمر ، وشبه النجم ماكارين 205 الذي له حيود أعلى نحو الاحمر بإحدى عشرة مرة من حيود المجرة يقع عند الموقع المفترض له ، أي أبعد من المجرة بإحدى عشرة مرة .

ولعل الدافع الوحيد الذي يجعلهما يظهران متلامسين ومرتبطين هو لوقوعهما تقريباً في نفس الاتجاه من السماء.

 

ولقد عارض أرب ومن معه تلك التعليلات ، وأشاروا إلى أن الوضع السابق لا يعد الوحيد بل إن هناك العديد المماثل له ، حيث تبدو المجرات مختلفة الحيود نحو الأحمر وكأنها موجودة بجوار بعضها البعض في السماء ، ولعلنا نجد من الأمثلة الجيدة على هذه الأوضاع حلقة المجرات 172 VV وسداسية سيفرت وشبه النجم الثنائي (14 H1548 A (و . B

ولقد نشر الفلكي فورنتسوف فيلامينوف B.Velyaminov في عام 1959 جدولاً ضمنه العديد من العناقيد والتجمعات الغريبة للمجرات .

ويحمل أحدها التسلسل 172VV في الجدول ، ويشير إلى حلقة مكونة من خمس مجرات ، متواجدة على خط مستقيم ، وتبدو جميعاً متقاربة ومتجمعة مع بعضها .

 

ولكن يلاحظ أن لأحدها حيوداً أكبر بكثير نحو الأحمر من الأربع الأخرى ، ويبلغ =Z 0,12 في حين يبلغ حيود الأخريات Z = 0,05 ، وتبعاً للوضع المتعارف عليه ، فأن المجرة عالية الحيود نحو الأحمر يتوجب أن تكون أبعد من الأربع الأخرى.

وعلى ما يبدو فإن المجرة تقبع خلف الحلقة من المجرات الأربع وبينها فراغ ، وقد وقعت المجرات على امتداد خط البصر باتجاه ذلك الفراغ ، ويفترض أرب بأنه من غير المحتمل أن تكون المجرة بعيدة ، وقد وجدت الصدفة البحتة في اتجاه الفراغ بين حلقة مكونة من أربع مجرات .

وتظهر الصور الضوئية الملتقطة لسداسية سيفرت المكونة من ست مجرات متقاربة ، والتي كان قد رصدها الأمريكي كارل سيفرت) K.Seyfert 1911-1960) في عام 1943.

 

وتبدو المجرات الست تقريباً بلمعان واحد ومتجمعة على شكل عنقود ، ولكن واحدة منها تشذ عن البقية ؛ لأن لها حيوداً أكبر نحو الأحمر بأربع مرات من حيود البقية ، حيث كانت Z للخمس متقاربة ، وتعادل 0,015 .

في حين كانت للسادسة 0,076. ويبدو جلياً أن هذه المجرة لا تقع وراء باقي المجرات ، وهي أيضاً ليست أبعد بأربع مرات ، ولكن التجمع والتقارب الظاهري المترابط الذي رصد يدفعنا إلى البحث فيما إذا هناك ما هو خاطئ في عملنا أو تفكيرنا في ذلك .

ويتعرض المثال الأخير لشبه النجم الثنائي (14 H 1548( A و H ضمن عنقود صغير من المجرات كان قد رصده الفرنسي  ستيفان M. Stephan في عام 1877 ، ويتكون من أربع مجرات لها تقريبا نفس الحيود نحو الأحمر، وهو نحو 0,02

 

وفي 1961 عام توصل فريق بقيادة جيوفري بيريدج G.Burbidge إلى أن المجرة الخامسة 7320 NGC الواقعة ضمن العنقود لها حيود أقل كثيراً نحو الأحمر من باقي المجرات ، فهل يناقض هذا الوضع قانون هبل ؟ أم أن المجرات الأربع المتماثلة فعلاً وراء مجرة كانت هناك مصادفة .

ورغم كل ما سبق لا يزال معظم الفلكيين يفضلون التعليل التقليدي لقانون هبل ، رغم أن هناك الكثير من المعضلات والجدل وهي بحاجة إلى مزيد من الأبحاث والأرصاد حتى تتضح وتتبلور بشكل لا غبار عليه .

وفي عام 1978 نشر أرب أرصاده لواحدة من أكثر الحالات إثارة وغرابة ، لما قد يكون دليلاً على نقض قانون هبل. 

 

فيبدو أنه قد رصد جرماً مماثلاً لشبه النجم وله حيود عالي نحو الأحمر ، رغم أنه يظهر واقعاً أمام المجرة الاهليجية 1199  NGCالتي لها حيود منخفض نحو الأحمر ، ويعادل حيود المجرة  = Z0,009 مما يدل على سرعة تعادل 2600 كم / ثانية .

وتبعاً لقانون هبل فإنها تقع على بعد 150 مليون سنة ضوئية ، بينما للجرم الآخر الشبيه بالنجم حيود نحو الأحمر يعادل 0,044 أو ما يعادل سرعة تبلغ 13,3 ألف كم / ثانية

وعندما نطبق قانون هبل فسنجد أن الجرم الصغير يقع على بعد يعادل نحو 800 مليون سنة ضوئية ، إلا إنه يبدو وكأنه واقع أمام المجرة . وأمام هذه الحالة تحفظ الفلكيون التقليديون أيضاً .

 

وأشاروا إلى أن ذلك المظهر قد يكون خداعاً ، واتفقوا على أن قانون هبل لا زال قائماً ولا غبار عليه ، وان ما يظهر من الأرصاد هو بالفعل لجرم بعيد مماثل لشبه النجم ويبزغ من خلال المجرة الاهليجية المجاورة . ورغم ذلك التعليل إلا أن آرب لم يؤيد الفكرة ، ومرة أخرى ظهرت هناك تساؤلات بحاجة إلى إجابة وتعليل .

ويتضح مما سبق أن تلك الاستثناءات واضحة ، لكنها تظهر بأعداد ضئيلة ، ويتفق معظم العلماء على اعتبار أن الحيودات نحو الأحمر تمثل مؤشرات ملائمة لقياس الأبعاد وفقاً لقانون هبل . أما ما رصده آرب من حالات فهو لا يدل إلا على أجرام قد وقعت وراء أو أمام مجرات أخرى

ويؤكد العلماء أن استمرار الأرصاد يعني مزيداً من الاحتمال في العثور على حالات مماثلة ، ولعلنا نجد مثالاً على ذلك شبه النجم الثنائي (114-1548) A وB ولشبه النجم الألمع بينهما حيود نحو الأحمر Z  يعادل 0,436 ، وذلك يدل على سرعة تعادل 35% من سرعة الضوء.

 

وتبعاً لقانون هبل يجب أن يقع هذا الجرم على بعد 6 بلايين سنة ضوئية أما شبه النجم الثاني الأخفت فله حيود أكبر كثير نحو الأحمر ويعادل  Z= 1,901 وذلك يدل على سرعة تعادل 79% من سرعة الضوء ، وتبعاً لقانون هبل يجب أن يكون واقعاً على بعد 14 بليون سنة ضوئية .

رغم أن كلاهما يبدوان متجاورين في السماء ، ويؤيد ذلك فرضية الصدفة البحتة أو الاحتمالية التي ينادي بها الفلكيون التقليديون لتعليل الحالات السابقة التي ظهرت .

 

ومن خلال تطبيق النظرة التقليدية ، تم رصد العديد من المجرات الخافتة واقعة بالقرب من شبه النجم الثنائي السابق ، وعندما تم حساب الحيود نحو الأحمر لتلك المجرات وجد أنه مقارب لكل المجرات لما هو عليه شبه النجم الألمع – ولعله الأقرب – في ذلك الثنائي .

وذلك يظهر دلالة راسخة على أن (114- 1548) A والمجرات جميعاً تقع عند نفس البعد ، وعلى ما يبدو فإن A يخضع لقانون هبل ، كما أنه يعد مصدرا شديداً للموجات الراديوية ، ويطلق عليه 11,50C4 في جدول كاميبرج الرابع .

 

في حين يعد شبه النجم (114-1548) B عالي الحيود نحو الأحمر مصدراً هادئاً راديوياً. ومن المتعارف عليه أن هناك العديد من أشباه النجوم في جميع أرجاء السماء لا تبث موجات راديوية.

ولعل سبب هدوئها راديوياً يرجع إلى وقوعها عند أبعاد أكبر كثيراً مما نفترض ، أو لإنها لا تبث موجات راديوية وبالتالي يصعب رصدها والعثور عليها ، وبذلك لا يمكننا تمييزها عن النجوم الاعتيادية .

وفي حالة ما إذا كانت أشباه النجوم الهادئة راديوياً متواجدة فعلاً بأعداد هائلة ، فاحتمال ظهور تماثل مثل الذي تم في حالة (114-1548) A و ( 114-1548) B يظل محتملاً .

 

ولقد نشر آلان ستوكتون A.Stockton من جامعة هاواي في عام 1972 أرصاده للمناطق المحيطة ب27 شبه نجم منخفض الحيود نحو الأحمر.

وكان من نتيجة أعماله أن قدم مؤشراً قوياً يؤيد النظرة التقليدية حول صواب مبدأ الحيود نحو الأحمر وكان عثوره على هذا المؤشر قد تم عندما سعى في عمله إلى أن يكشف أي مجرة يمكن أن ترصد بالقرب من أشباه النجوم ، أي مثل الحالات السابقة للمجرات المتجمعة بجوار (114-1548) A . 

ولقد نجح في مسعاه ، ووجد من ثماني حالات أن الحيودات نحو الأحمر لأشباه النجوم مماثلة للحيودات للمجرات المتجمعة حولها .

 

ولا شك أن أرصاد ستوكتون قد بينت بأدلة قوية على فكرة أن أشباه النجوم تخضع لقانون هبل ، ولقد تمكن من رصد أشباه النجوم في عناقيد مجرية نائية .

ولكون قانون هبل يطبق على المجرات الراديوية بدون شك ، وبما أن لكل من أشباه نجوم ستوكتون الثمانية نفس الحيود نحو الأحمر تقريباً لتلك المجرات المجاورة لها ، لذا فالمعلومة التي لابد من بلوغها هي تأكيد أن الحيود نحو الأحمر لأشباه النجوم يخضع بلاشك لقانون هبل .

 

ومن المؤكد أنه لا خلاف على تلك الأرصاد ، ولعلها تكون العامل الفاصل الذي ينهي الجدل الذي استمر طويلاً عن الحيود نحو الأحمر بين العلماء .

وكما حدث في السابق عندما وضع هبل برصده متغيرات قيفاوية موزعة حول ثلاث ((سدم حلزونية)) غامضة جداً لمناظرة كيورتس شابلي ، فلعل المجرات الخافتة التي رصدها ستوكتون موزعة حول أشباه النجوم الثمانية الغامضة تكون المحور الفاصل في إنهاء الجدل الطويل حول الحيود نحو الأحمر وقد تكون بداية لما هو جديد .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى