تقرير لجنة التعاون البيئي
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
بعد الندوة، أعدّ خبراء اللجنة الاستشارية تقريراً ومجموعة من التوصيات، تمّ نشرها عام 2004م. وسعى واضعو التقرير للتمييز ما بين تقييمهم العلمي ولزوم قبول مجموعة معيّنة من القيم (Value-Laden) أو الاهتمامات السياسة ذات المخاوف المقترنة بالذرة المهندسة وراثياً.
ففي جزء من عملية إعداد التقرير، أقرّ الفريق الاستشاري بـ "أهمية القضايا الاجتماعية والثقافية…. في هذه اللعبة"، لكنهم أوضحوا أنهم يحاولون "الحفاظ على تمييز تلك الاعتبارات عن الأدلة العلمية المتعلقة بشأن الآثار الصحية والبيئية" (مصدر سابق 11).
ففي واقع الأمر أن التقرير قد تم تنظيمه بهذه الطريقة التي فصل فيها "القضايا الاجتماعية الثقافية" و"التدفّق الوراثي" و"التنوع البيولوجي" و"الصحة".
فقد أشار العلموين الذين قابلتهم إلى أنه، حتى وإن كانوا يتعاملون بجدية مع مخاوف المحتجين، إلا أن توصياتهم [في النهاية] كانت مستندة إلى العلم. فعلى سبيل المثال، كان من بين أحد أهم التوصيات المثيرة للجدل هي، تلك المتعلقة بوجوب أن تعمل الحكومة المكسيكية على "تقليل استيراد الحبوب المعيشية للذرة المهندسة وراثياً من البلدان التي تنمّي الذرة المهندسة وراثياً من أجل المغزى التجاري"(Secretariat of the Commission for Environmental Cooperation 2004, 27).
وبعبارة أخرى، يجب تغيير النظام الحالي المتعلّق باستيراد الحبوب من الولايات المتحدة الأميركية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للذرة المكسيكية المهندسة وراثياً. فمن وجهة نظر النشطاء المحليين، كانت هذه التوصية نصراً لهم، لأنها تدعم معارضتهم لاستيراد الذرة المهندسة وراثياً.
فاستناداً إلى أحد كُتاب [التقرير] الذين قابلتهم، فإن هذه التوصية لم تكن [نتيجة] لتأثّرهم [بآراء واحتجاجات] النشطاء، بل كانت نابعة من المخاوف والاهتمامات العلمية الطويلة الأمد، التي تتعلق بالذرة المستخدمة لإنتاج الأدوية أو المواد الأغذية غير الصالحة للآكل الداخلة من طريق الخطأ ضمن إمدادات البذور المكسيكية.
وعلى الرغم من ذلك، فقد احتلت وجهات نظر النشطاء المحليين مكانة بارزة في العديد من المفاصل المختلفة للتقرير. فالفقرة الافتتاحية من قسم "النتائج الرئيسية" (Key Findings) على سبيل المثال، أشارت إلى "ذاكرة الثقافة الحديثة والتاريخ السياسي ما بين السكان الأصليين التي ينظر إليها على أساس عدم المساواة، والإجحاف الذي يعانونه على يد المكسيكيين الذين هم من أصول إسبانية وأميركية، أو ممن هم نُخَب متنفّذة".
وفي مجموعة أخرى من التوصيات المتعلقة بشأن التنوع البيولوجي، يحث فريق المستشارين على إبداء الاهتمام لـ "لاحتياجات ودور المزارعين الذين أُهملوا إلى حدٍّ كبير"، إن هناك مجموعة من التوصيات قد مضت لتشير إلى أن القرارات المستقبلية المتعلقة بالتكنولوجيا الزراعية يجب أن تُسن بمشاركة منتجو الذرة والمجتمعات الريفية: "يجب إشراك المزارعين من مختلف المشارب في تطوير الممارسات الزراعية الجديدة منذُ بدء الشروع في عملية [سنها]"
هذا الاقتراح لم يكن يتحدّى بصراحة نمطية البحوث التكنولوجيا الحيوية الإنمائية التي شرعت بها المكسيك حتى الآن فحسب، بل إنها تبدو أيضاً قد موهّت الحد الفاصل ما بين خبراء المجتمع و[الناس] العاديين كالمزارعيين المشمولين بالمساهمة في البحوث العملية ذات الصلة.
هناك أقسامٌ [في التقرير] مكرّسة للـ "القضايا الاجتماعية الثقافية" (Sociocultural Matters) نقلت بكل احترام وجهات نظر النشطاء الذين حضروا الندوة. وهنا نجد أن كُتاب التقرير قد طعنوا في مفهوم، كان سبق وأن تم عرضه في تقرير سابق، تضمّن إمكانية فصل المسائل العلمية والثقافية. فقد صرحوا: "الذرة لها قيمٌ ثقافية ورمزية وروحية مهمة عند معظم المكسيكيون…. وتقييم المخاطر للذرة المحورة وراثياً في المكسيك يرتبط ارتباطاً لا انفصام له بهذه القيم"
ومضى هذا القسم [من التقرير] بوصف بعض الآراء التي عبّر عنها كتابياً وعرضها خلال عملية إعداد التقرير، والتي منها على سبيل المثال، "العديد من منظمي المجتمع والمزارعين أدركوا أن الذرة المهندسة وراثياً تُعتبر تهديد مباشر للاستقلال السياسي، والهوية الثقافية، والسلامة الشخصية، والتنوّع البيولوجي"
وقد عالج كُتّاب التقرير هذه الرؤية بتمييزهم لها عن التقييمات التقنية، لكن لها نفس القدر من الأهمية عند بناء السياسات. فرسموا مخططهم [للسياسات] بخطّ متوازٍ ما بين "المستوى المنخفض للمعلومات حول ثوابت علم الوراثة النباتية… في المجتمعات الريفية" و"المستوى المنخفض للمعلومات حول الاهتمامات الاجتماعية والثقافية الريفية ضمن الأوساط العلمية والسياسية"، وكلاهما على حدٍّ سواء قالوا عنهما "مخيب للآمال لتوليد علمٍ سامٍ وسياسات اجتماعية مقبولة"
لقد تجاوزت الادعاءات سببيتها بشأن تأثير الذرة المهندسة وراثياً في التنوّع البيولوجي التي طرحها نشطاء الذرة، وهذا الفريق من الخبراء قد نقل [في التقرير] مجموعة من تلك القيم المشتركة على الاقل نسبياً. ولكن لماذا؟
فدراسات أخرى، مثل، التحليل الذي أنجزه ويندي إسبيلاند(Wendy Espeland 1988) حول صراع المياه الذي شمل هنود يافاباي (Yavapai Indians) في جنوب غربي الولايات المتحدة الأميركية، أظهر صعوبة التوفيق ما بين الوسائط التكنوقراطية ووجهات نظر السكان الأصليين.
ففي هذه الحالة كان هناك شيئان مهمان للوصول إلى النتيجة المستغربة لحدّ ما. الأولى، هو أن الحدود الروتينية النموذجية المرسومة ما بين العلم والقيم قد اضطربت، إذا ساعد ذلك، مميزات المنظمة التي مثل الانفتاح على المشاركة الشعبية، وغياب القواعد الرسمية التي تحظر على العلماء مزاولة الأنشطة السياسية، ووفق هذا السياق التنظيمي، فإن الاضطراب الناتج من الاحتجاجات الاجتماعية أقنع الخبراء في تبنّي أطر بديلة للمشكلة التي بين أيديهم، ودمج المطالبات المبدئية في تقييمهم.
والثانية، أنه قد يكون من المحتمل أنه قد كان للعلميين مقدرة على تبنّي أطر النشطاء لأن مواجهة المخاطر كانت منخفضة إلى حدٍّ ما. فخلافاً للحالة التي درسها سبيلاند حول وضع لجنة التعاون البيئي، كانت توصيات الخبراء غير ملزمة، وهو ما يفسّر تعثّر التوصّل إلى توافق بالآراء، على الرغم من وجود مشاركين كانوا متعاطفين للغاية مع الحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية.
واقعاً، أُخبرتُ، على الأقل من مخبرٍ واحدٍ، أن الأعضاء المناصرين للتكنولوجيا الحيوية في الفريق الاستشاري لم يبذلوا أي جهدٍ يذكر لإقحام أنفسهم في هذه العملية، التي لربما ما كانت لتحدث، لو أنهم كانوا يتوقعون أن التقرير له تلك العواقب الوخيمة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]