تقرير يوضح حالة المرأة في مجال العلم بأفريقيا
1998 تقرير1996 عن العلم في العالم
KFAS
حالة المرأة في مجال العلم بأفريقيا العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة
في ملاحظة ثاقبة للغاية، قال محمد عبد السلام، الرئيس المؤسس لأكاديمية العالم الثالث للعلوم "في التحليل الأخير، فإن عملية ابتكار العلوم الحديثة والتقانة وإتقانها والإفادة منها، هي في الأساس ما أصبح يميز الجنوب عن الشمال" (Salam, 1990).
وهذه الملاحظة تضفي على العلم والتقانة دورًا خاصًا في التنمية وتميزهما بوصفهما المحددين الأساسيين للتقدم الاجتماعي – الاقتصادي.
وقد يضاف إلى ذلك القول بأن إتقان واستخدام العلم والتقانة في الشمال ذهب إلى مدى يتجاوز إنشاء الصناعات المتقدمة والهياكل الأساسية المادية الأخرى من أجل تحقيق اندماج بين العلم والثقافة وصولاً إلى تحول اجتماعي تتوافر له مقومات البقاء والاستمرارية، ومن ثم يمس جميع جوانب حياة الإنسان.
ولقد أصبح العلم والتقانة أسلوبًا من أساليب الحياة يتيح للمجتمعات الارتقاء من كيانات تعيش عند الحد الأدنى للكفاف (Odhiambo, 1994). إلى حيث الكيانات الفائقة الإنتاجية تدفعها قدمًا عملية غير مسبوقة وسريعة من توليد المعرفة العلمية.
وعليه، فإن أكبر التحديات التي تواجه دعاة التنمية القائمة على العلم في أفريقيا اليوم، يتمثل في استنباط آليات تتيح الجمع بين العلم والثقافات الأفريقية بطريقة يصبح معها العلم قوة دافعة لتحسين مجمل نوعية حياة البشر كافة.
والنظرة الفاحصة لأحوال البلدان الصناعية تكشف عن أن استحداث بيئة معززة لنمو العلم أمر ضروري لتقدم العلم والتقانة، والمتطلبات الأساسية لهذه العملية تشمل اعتماد سياسات معززة للبحث العلمي والاستثمارات الكبيرة في تنمية الموارد البشرية والبنى الأساسية في مجال العلم على الأصعدة كافة.
وفيما يتعلق بالإنفاق، يلاحظ أن البلدان الأفريقية تنفق نحو عُشر (واحد إلى عشرة) من النسبة المئوية من الناتج المحلي الإجمالي التي تخصصها البلدان الصناعية للعلم والتقانة، وهو عامل جعل أفريقيا في غاية من الضعف في كل جانب من جوانب التطور العلمي.
فعلى سبيل المثال، لا تستطيع أفريقيا إنتاج الكتلة الحرجة من الاختصاصيين، اللازمة لتوفير القيادة العلمية الفعالة والابتكارية التي تمثل رأس الحربة في مسيرة البحث العلمي الناجح وغيره من الجوانب الحيوية للتنمية القائمة على العلم. ويتجلى هذا في التباين الهائل في رأس المال البشري العلمي بين أفريقيا وبعض بلدان العالم الأخرى على النحو المبين في الجدول1.
إن افتقار أفريقيا إلى رأس مال بشري كاف للمشاركة في الثورة العلمية العالمية والإسهام في استحداث معارف جديدة من خلال الاستغلال الرشيد للموارد الطبيعية الهائلة للقارة، هو أحد أوجه القصور الرئيسي والخطير التي تعوق التنمية الأفريقية.
ولا بد من إعطاء الأولوية إلى تنمية الموارد البشرية القادرة على توجيه المساعي العلمية نحو تحقيق تحول اجتماعي – ثقافي – كامل قائم على العلم في أفريقيا، تحول يحرر القارة من الجوع وسوء التغذية والمرض، وييسر التدابير الرامية إلى وقف التدهور المستمر للبيئة.
ففي أفريقيا، حيث ما يتراوح بين 70% و80% من السكان يقطنون المناطق الريفية، سوف يتجلى نجاح تطبيق العلم والتقانة على التنمية في ضوء درجة النهوض بنوعية حياة أغلبية السكان (Makhubu, 1993).
بيد أن هذا النهوض لا يمكن توقع حدوثه من دون مشاركة السكان أنفسهم الذين لا بد أن يتفهموا الفوائد الناجمة عن العلم، وبهذا يتم تمهيد الطريق أمام إدماجه ضمن الثقافات السائدة.
وينبغي القول إن الأمر لم يعد بذل جهود في أفريقيا لسد هذا القصور في مجال التقدم العلمي، ومع ذلك فالعقدان الأخيران شهدا كثرة من المشكلات الاقتصادية والاضطراب السياسي مما أدى إلى صرف الاهتمام عن القضايا الرئيسية مثل بناء القدرات في القارة في مجالات كمجال العلم.
وفي هذا السياق تكمن الدعوة إلى تعزيز دور المرأة في المجال العلمي، لا على أساس كونه مسألة من مسائل الإنصاف فحسب ولكن على أساس أنه وسيلة مهمة لتدعيم القدرات العلمية للقارة من أجل التصدي للمشكلات المتعددة الأبعاد المتوطئة في كثير من أقطارها (المرجع السابق).
والنساء اللاتي يشكلن نحو 50 في المئة من سكان أفريقيا، ويضطلعن عادة بأعباء التربية ونقل القيم والأعراف السائدة، يشكلن مصدراً غنيًا لمّا يستثمر بعد فيما لا تستطيع القارة الأفريقية أن تتجاهله ولا سيما في هذه الحقبة من التحول الاجتماعي.
على أن هناك نقصًا شديدًا في تمثيل المرأة في الوقت الحالي في مجال العلم عند جميع مستويات النظام التعليمي ولا سيما المستوى الجامعي.
وأسباب ذلك كثيرة ومعقدة وتشمل المواقف الاجتماعية-الثقافية إزاء تعليم المرأة ومواقف المعلمين من التحاق الفتيات بالتخصصات العلمية فضلاً عن مواقف الفتيات والنساء أنفسهن من دراسة العلوم، الذي يُنظر إليه بعامة على أنه مجال مقصور على الذكور. وجميع هذه العوامل تحد، بدرجة كبيرة، من اشتغال النساء بالمهن العلمية ومن ثم الارتقاء إلى مواقع القيادة العلمية وصنع القرار.
وهذه النقاط تصورها جيدًا أعداد النساء الملتحقات بالكليات العلمية وبالتخصصات العلمية المنحى والمتخرجات منها، وعدد النساء من أعضاء هيئات التدريس بالكليات العلمية في جامعات أفريقية مختارة (انظر الجدول 2 والشكلين 1،2).
وفيما نتأمل الآثار الإيجابية للعلم والتقانة في حياة البشر، فإن من الضروري أن ننظر أيضًا في إمكانية أن نجعلهما مؤثرين في التصدي لأكثر المشكلات إلحاحًا في أفريقيا.
هذه المشكلات الملحة التي تمس بقاء البشر بل وكانت تهدد أحيانًا مجتمعات بأسرها، تشمل نقص إنتاج الأغذية والافتقار إلى الخدمات الصحية والتعليمية وتدهور البيئة، ويمكن تحسين جميع هذه الظروف بالتطبيق السليم للعلم والتقانة.
وفي هذا المضمار تحديدًا، فإن إسهام النساء الأفريقيات المشتغلات بالعلم يعد أمرًا له قيمته ومغزاه. وبقدر أهمية برامج القواعد الشعبية إلا أنه يفوقها في الأهمية العمل على تعزيز تمثيل المرأة في أدوار القيادة بالمجالين التربوي والعلمي من أجل طرح. أدوار نموذجية يتم احتذاؤها وتعزيز الدعوة إلى النهوض بالمرأة.
ولقد أظهرت العالمات الأفريقيات، شأنهن شأن معظم المشتغلات بالعلوم في أنحاء العالم، ميلاً واضحًا نحو دراسة العلوم البيولوجية والكيميائية والتغذوية وعلوم الحياة الأخرى.
ويشهد بذلك توزيع التخصصات في عضوية منظمة العالم الثالث للنساء في مجال العلوم والعضوية الأفريقية بالمنظمة المذكورة (الشكلان 3و 4).
وهذان الشكلان يشيران بوضوح إلى قوة وجود الإناث في مجالات البيولوجيا والكيمياء والعلوم الطبية وما إليها. وجميعها مجالات تتصل اتصالاً وثيقاً بالمشكلات الأفريقية الضاغطة.
وينبغي للأقطار الأفريقية أن تستثمر هذه القوة وأن تبني عليها، فتعمل جاهدة على تشجيع النساء على الانخراط في سلك مهن علمية كوسيلة لالتماس السبل التي تتيح استخدام العلم لحل المشكلات التي أدت إلى إعاقة أفريقيا.
وقد قيل كذلك بأن النساء، بحكم صلتهن الوثيقة بالعائلة والأطفال، يتبعن نهجًا فريدًا إزاء العلوم وتطبيقاتها، وهو نهج يشدد على البعد الإنساني ومن ثم يكون اتجاههن إلى دراسة علوم الحياة. وينطوي هذا الاتجاه على ميزة هائلة بالنسبة لأفريقيا بالذات لذا ينبغي العمل على تنميته.
من ناحية أخرى يمكن النظر إلى إسهام المرأة الأفريقية في النمية العلمية للقارة من ناحية الأدوار التقليدية للمرأة ذاتها. فالأدوار التقليدية للمرأة جعلتها تشارك في إنتاج الأغذية، وفي غيره من المجالات ذات الصلة الوثيقة بالتخصصات العلمية السالف ذكرها.
وترجمة هذه الأدوار التقليدية إلى إطار علمي حديث، بدءًا من أنشطة القواعد الشعبية إلى أعلى المستويات العلمية، هي استراتيجية تستحق التدعيم فيما تلتمس أفريقيا وسائل التكامل بين تراثها التقليدي الحافل وبين العلوم الحديثة والتقانة.
ومن المأمول أن يؤدي هذا الاقتران إلى "ردم الهوة" القائمة حاليًا بين المعارف التقليدية والعلوم الحديثة وبين المستوى المجتمعي والأنشطة التي تقوم عليها المؤسسات العلمية، فيما تمهد الطريق إلى جعل العلم طريقًا للحياة في أفريقيا.
ويمكن كذلك أن يبدد الانطباع السائد بأن العلم والتقانة جديدان على أفريقيا، في حين يوجد من الدلائل في واقع الأمر ما يشهد على أن هذين المجالين كانا دائماً نصب الأعين في أفريقيا وحتى فترات معينة من التاريخ، إلى أن جاء الاسترقاق والاستعمار فأوقفا مسيرة التقدم وألقيا بالقارة إلى "العصور المظلمة" (Odhiambo, 1994).
وينظر إلى زيادة مشاركة النساء الأفريقيات في مجال العلوم على أنها وسيلة مهمة لتوسيع رصيد الاختصاصيين في مجالي العلم والتقانة، ومن ثم خلق كتلة حرجة من التخصصات العلمية التي تتسم بمغزى وأهمية خاصة بالنسبة لأفريقيا.
وينظر إليها كذلك على أنها وسيلة لا غنى عنها للدمج بين العلم والثقافة في الحاضر وفي المستقبل من خلال إشراك مجموعة متعددة الأدوار، حيث يفيد استخدام هذه الأدوار في النهوض بالمعارف العلمية على جميع المستويات.
وعندما تطرح جميع المقولات الداعية إلى توسيع مشاركة المرأة الأفريقية وغيرها في مجال العلوم، تظل عدة أسئلة مثارة في الذهن، وكم من أسئلة طرحها الكثيرون من المهتمين بالنهوض بالمرأة: هل تمتلك المرأة إسهامًا خاصًا وفريدًا تسديه إلى عمليات وتطبيقات العلم والتقانة في مجال التنمية؟ وهل تصورات النساء عن العلم والتقانة واستخدامهن لهما تختلف عن تصورات واستخدامات الرجال؟
وهل حقيقة أن معظم المشتغلات بالعلم يعملن في الميادين البيولوجية والطبية تشير إلى اهتمام طبيعي بالحياة مما يمكن أن يؤثر فيما تتخذه المرأة من قرارات وما تتبعه من سياسات فيما يتعلق باستخدام العلم والتقانة في العالم؟ هذه أسئلة مهمة تعكف جمعيات مثل منظمة العالم الثالث للنساء في مجال العلوم على التماس إجابات لها.
على أن هناك شيئًا واضحًا وهو أن النساء، وهن المربيات التقليديات وناقلات الثقافة عبر التاريخ، ينبغي أن يتصدرن مسيرة التربية العلمية، نظامية كانت أو غير نظامية، وكذلك مسيرة البحث والتطوير في مجالات رسم السياسات وتكوين رؤية لمستقبل أفريقيا يتم في إطارها تحويل مجتمعها إلى الأفضل من خلال استخدام العلم.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]