تقسيم الأمراض العصبية
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
من التجني إطلاق كلمة الجنون دون حدود ودونما قيود على أصحاب (الجنون).
فالقواميس الطبية المعتمدة لا يدخل ضمن رصيد كلماتها مصطلح الجنون ابداً، لأنها كلمة هلامية عامية لا يعتد بها الأطباء المختصون.
فالجنون لا يحمل من المعنى سوى شذوذ الإنسان سلوكاً أو منطقاً عن النهج والعادات التي تسود المجتمع من حوله وخروجه عليها.
وهذا أمر نسبي فطالما تباين المنطق بين مختلف الأماكن ومختلف العادات والقيم بين الناس في كل مكان وكل زمان.
لقد كان الفيلسوف "سقراط" مثلاً مجنوناً في نظر زوجته، تصب على رأسه الماء لأنه يضيع وقته في أمور تافهة وفي نظر مجتمعه أيضاً، لأنه يضلل عقول الشباب.
ومن مواصفات المجنون أنه لا يعترف بعلته ولا يدري بها وإنما المجانين عنده هم من حوله كلهم، وأولهم الأطباء الذين يقومون على علاجه!
في عالم اليوم توارت هذه الكلمة، ولا تجد لها مكاناً بين التعابير العلمية، التي يتداولها طبيب اليوم المختص، الذي استعاض عنها بكلمات أكثر دقة وأكثر تحديداً، لمعاناة الإنسان من الخلل والاضطراب، مثل الفصام والاكتئاب وما إليهما، إنها ناجمة عن خلل في النظام العصبي.
وقد قسموا الأمراض العصبية إلى قسمين: الأول منها: يسمونه الذهان، وهي العلة التي تنتاب العقل إذا ما رفض القبول بواقعه، فهو رسم لنفسه واقعاً آخر يرضيه ويسعده ويهرب إليه، فهو إذن مرض العقل وصاحبه يحمله في طيات الخلايا من عقله منذ خلقه هكذا، فهو لا يدري بشروده واغترابه عن واقعه الحقيقي للطلب له علاجاً، بل ربما عارض العلاج وقاوم من يتولاه وهرب منه.
أما الثاني منهما: فيسمونه بالعُصَاب، وهي العلة التي تنتاب النفس التي تتأذى من واقع لا يسعدها ولا يريحها، فتتصرف على صورة من صور الرفض أو الهروب من هذا الواقع، وهذه هي ما نطلق عليه الأراض النفسية التي يشعر بها صاحبها في أغلب الأحوال.
وربما طلب لها علاجاً. هو طبيعي في منطقه وسلوكه عادة إلا حينما يواجه تحدياً من المجتمع الذي حوله، فلا يحسن التأقلم والتعامل معه، لهذا فالأغلب في مثل هذه الأمراض تكون مكتسبة ووليدة ظروف الضغط والقهر، ويكون اكثر ضحاياها من بين ضعاف البنية العصبية، أو ممن لم تنضج شخصياتهم بعد، فلا زالت لينة هشة لم يتصلب عودها.
إن توزيع الأمراض العصبية والعقلية على هذا النحو الشامل، قد يضع كلمة الجنون تحت مظلة الذهان على الأغلب، ولكن هذا لا يمنع بعض الناس من أن يحشر الجنون ضمن أمراض العصاب، فالأمر كما قلنا هو تقدير نسبي هلامي يلعب فيه الهوى والنضوج الفكري، كما تلعب العادات والقيم، فكل الزعماء والقادة عقلاء جداً في نظر شعوبهم وأنصارهم، في حين إنهم مجانين في نظر أعدائهم وخصومهم.
وعليه لا تظن أن الجنون على الإطلاق المجازي كان له وجود أو أثر في غير المجتمع الإنساني وإن كنا أحياناً نسمع عن جنون الكلاب المسعورة، أو جنون البقر، فهذه ليست في شيء من جنون الإنسان، لأنها تذهب إلى مرض عضوي أو إصابة فيروسية أو ميكروبية، بينما جنون البشر غالباً ما يكون مرضاً وظيفياً، بمعنى أن المخ سليم في تركيبه ولكن الخلل ينتاب سلامة وظيفته وتناسق عمله الذي يعبر عنه بالمنطق والسلوك.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]