توجيه دعوة خاصة من ملك صقلية للإدريسي
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول
صبري الدمرداش
KFAS
ملك صقلية الإدريسي التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
وفد إلى سبتة قريب لمحمد، مقيم بصقلية، اسمه: أبو عبدالله محمد بن أبي القاسم بن حمود. وجاء محمد لزيارته وجلسا معاً يحدثه هذا عن أسفاره وذاك عن صقلية، وكأنه كان يقدم له بحديثه عن صقلية طوق النجاة.
وخاصة حديثه عن ملكها روجر الثاني الذي كان، خلافاً للجهلاء من النورمان، حريصاً على تثقيف نفسه بنفسه، ويعرف ثمرات وجود العرب في صقلية، ويدرك أن جزيرته ملتقى حضارتين: إحداهما سوف تغرب شمسها، والأخرى تقترب من لحظة الفجر، وأن عليه أن يكون موئلاً للحرية في الجزيرة وملاذاً.
قال أبو عبدالله: ليس من سمع كمن رأى. تعال إلى صقلية لترى بنفسك، وكثيرٌ من الأدارسة مقرَّبون من الملك مثلما أني مقرَّبٌ إليه.
تساءل محمد في دهشة: كيف ؟ ألا يخاف منكم أن تسعوا إلى إقامة دولة للأدارسة في صقلية؟ ضحك أبو عبدالله قائلا: إنه أكبر من أن يظن ذلك وأقوى.
وصمت الرجلان في ليلةٍ قمرية ينعكس فيها ضوء القمر على ذؤابات أمواج البحر، وقطع أبو عبدالله الصمت بقوله: سأعود إلى صقلية، وفكِّر أنت في القدوم إلينا. ولسوف نتراسل إلى أن نلتقي.
ان أبو عبدالله يؤثر ألَّا يصحب الإدريسي معه في عودته إلى صقلية، وأن يكون قدومه إليها بدعوة له من ملكها روجر الثاني نفسه، بعد أن يكون قد حدَّثه عن علمه ومعارفه، فينزل الجزيرة كشريفٍ من الأشراف وعالمٍ من العلماء.
قال الملك في دهشة، بعد أن حدَّثه أبو عبدالله عن الإدريسي: كيف يكون صاحبكم بكل هذا العلم في الجغرافيا والنبات ولا تأتي به معك إلينا؟ ردَّ أبو عبدالله : ما كان لمثله، أيها الملك، أن يأتي وحده إلى بلادك؟ وإن رأيت حاجتك إليه فادعه بنفسك حتى لا يخشى أن تظن به سوءاً لو زار صقلية بغير إذنك.
ولم ينم الملك ليلته حتى أملى رسالةً وجَّهها إلى الإدريسي في سبتة، حملتها إحدى سفنه وعليها بعثة من رجاله، ترافق الإدريسي وأهل بيته في قدومه للجزيرة. وكانت تلك دعوةٌ ملكيةٌ جسَّدت الحنين إلى واقعٍ ملموس.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]