البيئة

جهود دولة الكويت في إطفاء الحرائق للحد من التلوث الهوائي بعد تحريرها

1996 العوامل البشرية

مهدي حسن العجمي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

ء الحرائق التلوث الهوائي دولة الكويت البيئة علوم الأرض والجيولوجيا

أعطت الدولة بكل أجهزتها، أولوية مطلقة لإطفاء آبار النفط المشتعلة، والتي كانت المصدر الرئيس لتلوث الهواء في دولة الكويت، وحتى في الفترة التي سبقت التحرير.

قامت مؤسسة البترول الكويتية باتصالات مكثفة ومفاوضات جادة مع الشركات المتخصصة بعمليات مكافحة النيران. صورة (27)، (28).

وكانت التقديرات عن الفترات الزمنية اللازمة للتغلب على مشكلة الحرائق تتراوح ما بين 2-5 سنوات، وكانت الصعوبات المتوقعة كبيرة إلى حد يفوق كل التصورات، وكانت الدولة بكل مرافقها قد دمرت تماماً بسبب الغزو والاحتلال، وشمل ذلك كل المرافق الحيوية والاقتصادية وكل مقومات الحياة على الأرض

 

وقامت قوات الغزو دون رحمة بنهب وتدمير كل ما تصل إليه أيديهم من مقومات الحياة في الدولة وشمل الدمار وسائل الانتقال والاتصالات، وكانت مرافق إنتاج المياه والكهرباء معرضة. شكل (44) وشكل (45) للدمار الشامل.

كما غطت الألغام والذخائر التي لم تفجر حقول النفط والموانئ البحرية ومرت فترة طويلة حتى استطاعت الدولة أن تعيد بناء هيكلها الإداري والتنظيمي لاتخاذ القرارات الضرورية للعودة إلى الوضع الطبيعي.

كانت الآبار المدمرة تنتشر على مساحات تبلغ الكيلو مترات المربعة. وتمتد من حدود العراق إلى حدود المملكة العربية السعودية.

 

ومع نهاية الاحتلال كانت معظم البنية الأساسية لتشغيل حقول النفط في الكويت قد دمرت وتلاشت واشتمل ذلك على منصات الحفر وقطع الغيار والأدوات اللازمة للتشغيل وأنابيب الحفر ومتطلبات مخيمات العمل التي تم تفكيكها ونقلها إلى العراق.

ومع بداية التحرير كان عدد العاملين المدربين على أعمال النفط قد انخفض إلى عدد محدود من المشتغلين والمدربين وفق الوثائق الخاصة بحفر الآبار ولوائح الإنتاج لكل من الآبار المشتعلة التي تم تدميرها أثناء فترة الاحتلال.

وكان على القائمين بمكافحة الحرائق وعلى المسؤولين عن تنظيف مناطق الآبار العمل بدون الاسترشاد بالخرائط الجغرافية والتصميمات الهندسية والرسوم الجيولوجية التي تلزمهم للتخطيط لعملية الإطفاء.

 

وكان الدمار للقطاع النفطي شاملاً، ومن المستحيل في الفترة الأولى تقدير حجم التلفيات وامتدادها، ولفترة تتجاوز الشهرين بعد التحرير، لم يكن من الممكن الاستفادة من الصور الجوية بسبب كثافة الدخان.

ولم تكن الملاحظات من سطح الأرض ممكنة نظراً لما أصاب شبكة الطرق من دمار، وانتشار برك النفط التي كانت تغمر الطرق، وتعيق الحركة عليها، وقد اتضح أن الدمار الذي أصاب القطاع النفطي كان أكثر خطورة وامتداداً أكثر مما توقع جميع الخبراء.

وكانت خطط الطوارئ التي تم إعدادها قبل التحرير، تعتمد على ان عدد الآبار المدمرة لن يتجاوز 100 بئر، كما أن الحرب انتهت في فترة قصيرة وقبل الموعد المتوقع من قبل الخبراء.

 

وقد عجل هذا الموعد الذي يجب أن تبدأ فيه عملية إعادة البناء، ولم تتوافر تجارب سابقة للتعامل مع مشكلة بهذا الحجم وفي مثل هذه الظروف.

وكانت أقرب الوسابق إلى الصورة عما وقع في ليبيا عام 1965، حيث اشتعلت 5 آبار في نفس الوقت. الحق صورة (29)، (30)، أما في الكويت فكان حجم المشكلة يتجاوز هذا الوضع بما يزيد عن 100 ضعف.

وكان انهيار المرافق والخدمات ودمار البنية الأساسية، بالإضافة إلى وجود الألغام والذخائر التي لم تتفجر من المعوقات الأساسية.

 

بدأت شركة البترول الكويتية من مقرها في لندن بالاتصال بالشركات العاملة في مجال مكافحة الحرائق، وأهمها شركة بكتال وشركة "سنتافي" وعدد آخر من الشركات وبدأ العمل بتشغيل أربع فرق. 

ثم أخذت الشركات بزيادة الفرق التابعة لها إلى فرقتين لكل شركة فأصبح عدد الفرق العاملة 8 فرق.

 

وتزايد العدد فيما بعد حتى وصل في النهاية إلى 28 فريقاً من المتخصصين في مكافحة النيران، وشاركت في العمل فرق من ثماني دول صديقة، مما رفع عدد العاملين في العملية إلى 10 آلاف شخص.

وتم الحصول على المياه اللازمة للإطفاء، من الخليج العربي صورة (31). وكانت المسافة الفاصلة بين الخليج وحق "برقان" حوالي 10كم.

 

وتم استخدام أنابيب تصدير النفط والغاز الموصلة إلى مرافق الشحن لضخ المياه من الخليج إلى منطقة الحقول، وتم إعداد عدد من البرك داخل الحقول.

أما في حالة الحقول الشمالية والغربية فقد استلزم الأمر حفر آبار لتوفير المياه اللازمة، حيث يقبع مخزون من المياه الجوفية على عمق 300-500 متراً.

واعتمدت عملية الإطفاء على ضخ كميات كبيرة من المياه على النيران بصورة مستمرة وحتى ينطفئ اللهب، واستخدمت بعض الفرق ضخ النيتروجين السائل من خلال أنبوب طوله 7-8 امتار يتصل بأنبوب طول 10 أمتار يركب على ناقلة لتزويد النيتروجين السائل.

 

كما استخدمت طريقة ثالثة، قام خلالها العمال بوضع أنبوب داخل رأس البئر، ثم راح الفريق بضخ خليط من الطمي لمدة 5-10 دقائق. ويعمل الطمي على إطفاء النيران، ثم يقوم الفريق بمنع تدفق النفط من خلال أنبوب طوله حوالي 4 أمتار يوضع داخل البئر نفسها حتى يتوقف انسياب النفط.

وتأتي الخطوة التالية بعد إطفاء النيران، وهي تأهيل البئر وإعادتها للانتاج. وهو ما يتطلب غالباً القيام بعمليات حفر جديدة. وبداية من شهر ابريل 1991 تم إقامة 6 مخيمات للعمل وقاعدة كبيرة لتنفيذ عمليات الحفر.

وتم حتى منتصف سبتمبر من ذلك العام تركيب 9 منصات للحفر مع المعدات اللازمة، وتطلب ذلك نقل ما وزنه 100 ألف طن من المعدات.

 

ومن المتوقع أن يصل الإنتاج بعد انتهاء عمليات الحفر إلى ما يعادل 225 ألف برميل يومياً، وأن يصل مع نهاية 1991 إلى 500 ألف برميل، وهو ما تحقق بالفعل.

وهكذا وبتضافر جهود الفرق والعاملين فيها وحماسهم لإزالة آثار الكارثة تم التحك في أول الآبار المشتعلة في 20 مارس 1991 وذلك بعد مرور أقل من 3 أسابيع على التحرير.

ويبين الجدول (12) التقدم في مكافحة الحرائق وعدد الآبار التي تم التحكم فيها في كل أسبوع من مارس وحتى نوفمبر 1991 شكل (46).

 

وكانت السيطرة تتم يومياً على ثلاث آبار في المتوسط. وإن تمت السيطرة على 13 بئراً في يوم واحد، وبلغ أعلى إنجاز أسبوعي (52) بئراً (تقرير مجلس حماية البيئة) حيث تم إنشاء 361 بحيرة صناعية صغيرة لاستخدام مياهها في عملية الإطفاء.

زادت كميات المياه المستخدمة يومياً على 25 مليون جالون، أما مجموعة كميات المياه المستخدمة في العمليات فوصل إلى 1,5 مليار جالون، وهذه الكمية الهائلة تكفي لملء بحيرة كبيرة عمقها متران، وعرضها كيلو متر واحد.

وطولها ثلاثة كيلو مترات ونصف وهي كمية تكفي لتغطية مساحة الكويت كلها بارتفاع 21 ملم صورة (32) و(33). ولتوفير هذه المياه تم مد شبكة أنابيب للمياه طولها 400 كم.

 

وجرى إنشاء شبكة من الطرق للوصول إلى الآبار النفطية يبلغ طولها 280 كم، وبلغت كمية الجاتش المستخدم في شق الطرق وإقامة المنصات حوالي 1,8 مليون كم3، وهذه المواد تكفي لإقامة هرم عرض قابعدته 100م وارتفاعه 450 متراً.

وقد استخدمت في عمليات الإطفاء معدات وماكينات وعربات يبلغ عددها 5800 قطعة، وهذا شمال الكويت لدعم كافة العاملين في مجال إطفاء حرائق الآبار.

وتم تطهير أكثر من 175 كيلو متراً مربعاً من الأرض من مخلفات الغزو الت لم تنفجر وتم تفجير أكثر من 20 ألف قطعة من المخلفات المتفجرة واشترك أكثر من 10 آلاف شخص في عملية مكافحة الحرائق، وهذه التعبئة الهائلة لم يسبق لها مثيل في التاريخ بالنسبة لأي مشروع.

 

ورغم جميع التنبؤات والتقديرات في وسائل الإعلام والتقديرات في وسائل الإعلام الدولية، فإن الجهود التي  بذلت في عمليات إطفاء الآبار المشتعلة، اكتملت قبل الموعد الذي حددته الخطة بخمسة أشهؤر انتهت قبل سنة ونصف السنة من توفعات معظم الخبراء الأجانب. صورة (34).

وكان للسرعة التي تم بها إطفاء حرائق الآبار، أثر كبير في تخلص البلاد من الأخطار التي كانت متوقعة نتيجة للتلوث الهوائي. وكانت التنبؤات التي قامت بها وكالة الأرصاد بالولايات المتحدة في الفترة من يوليو إلى ديسمبر 1991.

تشير إلى احتمال تركيز الملوثات إلى 100 ميكروجرام، وإلى أن شهر ديسمبر سوف يكون أسوأ الفترات، إلا أنه مع حلول شهر نوفمبر 1991، كانت عملية إطفاء الآبار قد أنجزت، وتم إنقاذ البيئة مما كان ينتظرها. (تقرير مجلس حماية البيئة 1991).

 

وبالفعل ما كادت النيران تنطفئ في الآبار المحترقة، حتىلا توجهت جهود الدولة لإصلاح ما أصاب عناصر البنية التحتية الأساسية للدولة من تخريب.

وتم تنفيذ برنامج حفر مركز، ليتم الوصول بالإنتاج أواخر عام 1992 إلى مستواه السابق قبل العدوان.

وتمت الاستفادة من برك النفط المتسرب والتي كانت تمثل واحدة من أهم وأكبر المشكلات، والتي حالت دون السيطرة السريعة في البداية- على الآبار المشتعلة. (إذ حالت دون وصول فريق الإطفاء إلى الآبار).

 

وقد قدر الخبراء كميات النفط الخام في هذه البرك بـ 25 مليون برميل. وأبدت حوالي 150 شركة عالمية رغبتها في شفط هذه الكميات وجعلها صالحة، مرة أخرى، للتصدير أو للاستخدام، وهو ما يتم بالفعل.

اما عملية إصلاح معامل التكرير فقد انقسمت إلى عدد من المراحل، هدف كل منها غعادة بناء وتشغيل معظم وحدات التصنيع في مصفاتي الأحمدي وميناء عبدالله.

وتم تشغيل جزء من وحدات مصفاة ميناء عبدالله في ابريل من عام 1992، وتتابعت بعدها المراحل للوصول إلى أفضل استغلال ممكن للمصافي الثلاث: (الأحمدي- ميناء عبدالله- الشعيبة).

 

وتم تركيز الجهود على إصلاح جميع منشآت التصدير، في الجزيرة الصناعية بالأحمدي، والمرسي الرخوي، والرصيفان الجنوبي والشمالي من ميناء الأحمدي.

وكان قد تم قبل ذلك كله إعادة الطاقة الكهربائية وتشغيل محطات المياه والخدمات الصحية والتعليمية بكل مرافقها، وتتواصل الجهود في كل ميدان لمحو آثار العدوان على دولة الكويت والعودة لمتابعة مسيرة البناء والنهضة الحديثة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى