الكيمياء

جهود مثمرة قام بها العالم “مندلييف” لجمع العناصر الكيميائية

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الأول

صبري الدمرداش

KFAS

العالم مندلييف العناصر الكيمائية الكيمياء

العمل..المضنى

كان مندلييف قد قضى عشرين عاماً يقرأ كل ما عُرف عن العناصر، ويجري تجاربه عليها، ويجمع الحقائق عنها.

وكان قد رتَّب هذه الحقائق وبوَّبها ثم أعاد ترتيبها وتبويبها لعله يوفَّق إلى كشف سرٍ غامض.

وكان هذا العمل مضنياً لأن طائفةً كبيرةً من علماء العالم كانت قد عُنيت بدراسة العناصر المعروفة، ومن ثم فجمع الحقائق التي تم اكتشافها كان يقتضي جهداً وصبراً وإلَّا فهو مقضيٌ عليه بالخيبة وعدم النوال.

ثم إن العناصر المعروفة كانت قد زادت بفضل ما كشفه العلماء منها، حتى أصبح عددها في عام 1869 نحو 63 عنصراً موصوفةً في مجلاتٍ علمية متفرقة في إنجلترا وفرنسا وألمانيا والسويد وغيرها.

 

تساولاتٌ حائرة..والهاتف الخفي!

جمع مندلييف -بعد مشقَّةٍ وطول عناء- كل الحقائق المعروفة عن هذه العناصر الثلاثة والستين. لم يفته منها واحد، بل أضاف إليها عنصر الفلور الذي لم يفز أحد من قبل باستفراده.

وها هو أمامه قائمة بعناصر مركبة من ذراتٍ جميعها مختلفة الصفات: فأوزانها الذرية متباينة من 1 (وزن الهيدروجين) إلى 238 (وزن اليورانيوم). وبعضها غازي كالأكسجين والهيدروجين والكلور والنيتروجين، وبعضها سائل في الأحوال العادية كالزئبق والبروم. والباقي جامد كالذهب والفضة والكربون والفوسفور. وبعض المعادن صلب قاسٍ كالبلاتين، وبعضها طيِّع ليِّن كالصوديوم والبوتاسيوم.

وبها صفات متناقضة: فالليثيوم مثلا معدن خفيف يطفو فوق سطح الماء مع أن وزنه النوعي يفوق الوزن النوعي للماء اثنين وعشرين ضعفا ونصف. والزئبق معدن لكنه سائل!.

ثم إنها تختلف لوناً. فالنحاس أحمر، والذهب أصفر، والفوسفور أبيض، واليود رمادي قاتم. وبعض الفلزات كالنيكل والكروم يُصقل ويلمع، وبعضها يُصقل ولا يلمع، وبعضها عند تعريضه للهواء لا يصدأ كالذهب بينما الحديد يصدأ، واليود يتصعَّد ويتسامى.

وبعض العناصر يتحد بذرة أكسجين واحدة، وبعضها بذرتين، وبعضها بثلاث، أو حتى أربع.

… ما هذا التباين المحيِّر للعقل في العناصر الطبيعية والكيميائية؟ هل ثمة نظامٍ بين هذه الذرات جميعاً على اختلافها وتباينها؟.

تساؤلاتٌ وتساؤلاتٌ حائرة ألحَّت على عقل مندلييف، فتراه قلقاً مهموماً عينه في النهار شاردة ذاهلة ومضجعه في الليل تقضه أشباح الذرات وطيوف العناصر!.

وكان عالمنا ممن ينزعون إلى الفلسفة، فهتف به هاتفٌ خفي راح على أثره يبحث عن المفتاح.

 

العناصر الكيميائية.. ترقص على السلَّم الموسيقي!!

أخذ مندلييف يرتب العناصر بحسب أوزانها الذرية مبتدءاً بالهيدروجين أخفها ومتدرَّجاً حتى اليورانيوم أثقلها. ولكنه لم يجد في ترتيبها على هذا النحو جدوى.

وكان آخر قد سبقه إلى مثل هذا الترتيب. إذ قرأ قبل ذلك بسنواتٍ ثلاث رجل يدعى جون نيولندز رسالة في ترتيب العناصر أمام الجمعية الملكية الكيميائية بلندن. وكان نيولندز هذا قد لاحظ أن كل عنصر ثامن يشبه العنصر الأول في جدوله.

فرأى في ذلك ما يسترعي النظر. فشبَّه جدول العناصر بأصابع البيانو الثمانية والثمانين، وهي مقسمة إلى إحدى عشرة مجموعة كل مجموعة منها ثمانية أصابع. فقال إن العلاقة بين كل طائفة من العناصر تشبه العلاقة بين الأصابع في مجموعة واحدة من أصابع البيانو.

هَزِأَ أعضاء الجمعية بهذا القول، فهذا أحدهم، الأستاذ فوستر، يسأل في سخرية: لماذا لم يُرتِّب العناصر بحسب حروفها الأبجدية؟! ولماذا لا يُشبِّه أزيز الصوديوم وهو يحترق على سطح الماء بموسيقى الأجرام السمائية؟!. ولما أجمع الكل على سُخف القول، ضُرب على رأي نيولندز ستارٌ من النسيان.

 

الفكرة الصائبة

اهتدى مندلييف أخيراً إلى فكرة موفَّقة، أخذ بموجبها 63 بطاقة وكتب على كل بطاقة منها اسم عنصرٍ من العناصر المعروفة وخواصه. وعلَّق هذه البطاقات على جدران معمله، وراجع ما يعرفه عنها من حقائق.

اختار طوائف العناصر التي تتشابه في خواصها ووضعها على حدة فوجد ثمة علاقة جلية بين أفرادها. ثم رتَّب العناصر في سبع طوائف مبتدئاً بالليثيوم (وزنه الذري 7) يتبعه البريليوم (وزنه الذري 9) فالبورون (وزنه الذري 16) فالفلور (وزنه الذري 19).

وكان العنصر الذي يلي هذه العناصر في وزنه الذري الصوديوم (وزنه الذري 23). ولما كان الصوديوم يشبه الليثيوم في خواصه الطبيعية والكيميائية إلى حدٍ كبير، وضعه تحت الليثيوم في جدوله.

وبعدما وضع خمسة عناصر تالية للصوديوم في أماكنها وصل إلى الكلور، وهو يشبه الفلور في خواصه، فوجد أنه يقع من تلقاء نفسه في الخانة التي تحت خانة الفلور. يا له من حُسن توفيق!.

ومضى في ترتيبه للعناصر على هذا المنوال. وكل عنصر يقع في محله كان يتفق في خواصه مع العناصر التي فوقه والتي تحته.

إذن فمندلييف أمام كشفٍ هامٍ (إن خواص العناصر صفاتٍ دورية لأوزانها الذرية)- أي أن الخواص كانت تتردَّد في كل عنصرٍ ثامن.

فالثامن يشبه الأول، والخامس عشر يشبه الأول والثامن. والتاسع يشبه الثاني والسادس عشر يشبه الثاني والتاسع، وهكذا .. ويُبيِّن شكل رقم (60) جدول مندلييف للعناصر.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى