حق الإنسان في تحديد وتسهيل التناسل من خلال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
أعلنت الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة وبخاصة صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية (يونيبا UNEPA) "حقوقا" تناسب كلا من تقنيات التناسل القديمة (وهي أصلا موانع الحمل) التي تهدف إلى تباعد إنجاب الأطفال زمنيا وتحديد حجم الأسرة، والتقنيات الاحدث التي تهدف إلى زيادة خصوبة النساء غير القادرات أو غير الراغبات في الحمل عن طريق الجماع الطبيعي.
وقد حد من فاعلية هذا الإعلان للحقوق التفاوت الكبير بين الأمم في المستوى التعليمي والموارد والقيم والمعتقدات السائدة.
وعلى ذلك لم تستعمل نساء جاميكا طرق منع الحمل التي توزعها الهيئات الدولية رغم أن مساكنهن لم تكن تبعد أكثر من ستة أميال من مراكز تنظيم الأسرة (برودي، 1981/أ).
ومن الثابت أيضا وفق بيانات اليونسكو واليونيبا (UNESCO UNFPA) أن أكبر الأسر عددا وأقصرها فترات بين الولادات والمصحوبة طبيعيا بأعلى معدلات لوفيات الأطفال الرضع توجد في البلاد التي بها أقل نسب من النساء المتعلمات.
وفي نفس الوقت تشترك نساء الدول الأقل تقدما مع نساء الديمقراطيات الصناعية في الاعتقاد في حرية الإنجاب، أي التحرر من الحمل الإجباري وحقوق التناسل والمعلومات والوسائل لتدبير وتنظيم خصوبتهن (برودي ، 1976).
وسوف نتناول مناقشة تقنيات منع الحمل باختصار من حيث إتاحة وزيادة الفرص للنساء للحصول على أعمال أخرى غير الأمومة.
وتحسين نوعية الحياة بصفة عامة، وإتاحة الفرص امام أطفالهن للاستفادة من قدراتهم الكامنة، وذلك عن طريق تسهيل الأمر على النساء لتنظيم نسلهن بأنفسهن.
هذا ويختلف استخدام وسائل ومواد منع الحمل باشكالها المتعددة من جهة لأخرى في العالم اختلافا كبيرا.
أما عن التكنولوجيا الأحدث المتعلقة بتسهيل التناسل فإنها لا تناسب عمليا إلا أقلية من سكان الديمقراطيات الصناعية وبعض الصفوة السياسية والاقتصادية في الدول الأقل نموا والدول ذات النظم الشمولية.
ولقد ناقشت دول المجموعة الأوروبية في البرلمان الأوروبي الرغبة في التوحيد الإقليمي للتنظيمات الخاصة بالممارسة التكنولوجية للإنجاب بالإضافة إلى الأبحاث المتعلقة بالوظائف التناسلية وكذا فسيولوجيا الأجنة.
وتوصلت هذه الدول إلى اتفاق حول عدد من القضايا، ولكن الاختلافات الثقافية والتاريخية بين الدول الأوروبية منعت التوصل إلى اتفاق شامل.
وسيتم مناقشة قضايا الحقوق المتعلقة بالإجهاض مع الإشارة التفصيلية إلى زرع الخلايا والأنسجة والأعضاء الجنينية في الفصل الرابع.
ولقد أدت قضايا حقوق الإنسان التي أثارتها الاساليب المساعدة أو البديلة للتناسل النكاحي والولادة الرحمية في دول العالم المتقدم إلى جدل وحوار واسع النطاق وسترعت انتباه الحكومات وأجهزة التشريع الإقليمية.
ويعتبر هذا، كما سنرى بعد، أحد مظاهر الانتباه التاريخي الذي أولته الجماعات البشرية لموضوع الجنس والتناسل.
وهي تعكس أيضا استمرار الصراع القائم بين الحق في الحد الأدنى من مستوى عناصر الرعاية الصحية التي تحافظ على كرامة الإنسان (والمقصود بالرعاية هنا الرعاية الصحية التناسلية)، والتمسك ببعض الإنسان الاخلاقية، وكذا استمرار سيطرة الذكور على الإناث والاطفال في معظم أنحاء العالم.
وبالإضافة إلى ذلك فإن كلا من طرق التناسل غير النكاحي واستخدام الأم البديلة قد اثارت الكثير من التساؤلات حول النسب والهوية القانونية والحقوق الخاصة بالأطفال المتناسلين بهذه الطرق.
وكذا منح امتيازات التناسل للأشخاص الذين يعتبرون في الحقيقة عزابا أو منحرفين جنسيا أو الذين لم يكونوا لينجبوا في الماضي عن طريق التناسل النكاحي، فإن أمكن حصولهم على الأطفال حاليا عن طريق التلقيح الصناعي أو غيره من الطرق التكنولوجية قد فجر الجدل حول مدى كفاءتهم لأن يكونوا آباء وأمهات.
وفضلا عن ذلك فإن المناقشات التي جرت حول هذه القضايا، والتي أثارتها تلك التقنيات وبخاصة الأمومة المستعارة، قد اكدت جذور المفهوم الشخصي للحقوق الذي يبدو أنه بعيد عن التحليلات الرسمية التي يقوم بها المتخصصون في الاخلاق وظل مناسبا لتلك التحليلات.
وتحظى هذه الجذور او الأصول باهتمام الأشخاص المرتبطين ببعضهم البعض بروابط قوية ممن لديهم دوافع لتقوية حياتهم وزيادة سعادتهم، وفي محاولتهم لاستمرار حياة الذين يرتبطون بهم يتضاءل الالتزام بالاخلاقيات المتفق عليها، أو المقبولة قانونيا، أمام قناعاتهم الشخصية بما يرونه صحيحا من الناحية الأخلاقية في ظروف معينة.
وينطبق هذا ايضا على الرغبات الميئوس من تحقيقها أحيانا لدى الازواج غير المنجبين الذين يأملون في الإنجاب بما يؤدي إلى تساؤلات لا تقتصر على ما يتعلق بالمصلحة المثلى للأزواج المعنيين (وأغلبهم من النساء) بل أيضا على مسئولية الدولة عن الموافقة على توفير هذه التكنولوجيا المرغوبة وإن لم يكن ضرورية.
فيجب أن يكون الاهتمام الأكبر موجها للاعتبارات الخاصة بالعلاقات الإنسانية وليس للاعتبارات القانونية التشريعية كأساس لتقرير حقوق الإنسان.
والأهم من ذلك هو كيفية استخدام هذه التكنولوجيا لإثراء علاقات الناس بعهضم ببعض وليس لإضعافها، (جلوفر Glover، 1989، ص 84).
ولم يتركز الاهتمام بعد في المؤسسات الصحية العالمية على تحديد معنى الحاجة وتمييزها عن الرغبة. وربما تضمن التدقيق في هذه المسالة التعرض للفائد التي تعود على الاطباء من تطبيق هذه التكنولوجيا المعقدة باهظة التكاليف كاستجابة لرعبة المريض او مخاوفه، في مقابل المخاطر النسبية التي يتعرض لها المريض أو المجتمع الذي يتكفل برعايتهم.
ولقد اوضحت الخبرات الحديثة أن استخدام التقنيات التناسلية الاحدث تؤدي إلى ظهور صراعات كبيرة بين المشاركين في هذه العملية.
فالمسئولية والسلطة في هذه الأحوال، بدءا من رغبة الأمهات المستعارات في الاحتفاظ بأطفالهن إلى المعارك التي تدور حول التكفل بحفظ المضغ أو الأجنة المجمدة، توكل في العادة للنظم التشريعية والقضائية للدول المعنية.
ولا بد أن التفهم الأفضل للحاجات والمشاعر البشرية الذي جاء نتيجة للفرص التناسلية الجديدة، وقد أدى إلى تأكيد هذه الحاجات وتلك المشاعر وإلى تقليل التركيز على المسائل والمشاكل التشريعية، والقضائية.
وربما أدى ذلك إلى ظهور تقدير جديد للتشاور والتفاوض وتسوية المنازعات بين الامهات والآباء المتخاصمين (أيا كان تعريفهم بوساطة رجال الرعاية الصحية، بدلا من الاعتماد النهائي على الأحكام القضائية.
ويجب ان يكون لهذه التأكيدات الجديدة انعكاساتها اولا وقبل كل شي، في وثائق الأمم المتحدة التي تجمع دوليا والتي يقصد بها أن تكون بمثابة الأدلة المرجعية للدول الاعضاء في الامم المتحدة.
وأخيرا، أدت تقارير وسائل الاتصال حول الخبرات الشخصية في التعامل مع التقنيات التناسلية الجديدة إلى زيادة معرفة الجماهير وتقوية الأسس التي ينبني عليها الإجماع حول الامتيازات والفرص التي يجب اعتبارها "حقوقا".
كذلك تستخدم هذه التقارير وغيرها من الوثائق والبرامج لتعليم الجماهير المظاهر العلمية للتقنيات الجديدة، وعناصر الشك فيها، والآثار المحتملة وغير المقصودة لها.
وفي اواخر هذا القرن العشرين سوف يحدث ما لم يسبق له مثيل من أن يصبح وجود الجمهور الواعي والمتجاوب ضروريا من اجل بقاء الجنس البشري ورخاء الإنسان.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]