دور الطب السلوكي في علاج الألم
2013 أنت والسكري
نهيد علي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
يقيِّم الطب السلوكي (Behavioural Medicine)آثار الألم على حياتك، وبالاستفادة من هذه المعلومات فإن الحلول التي تستعيد الوظائف المفقودة يمكن تنفيذها مع تقديم الدعم اللازم للتعافي.
ولما كان الألم المزمن قد يستمر طيلة مراحل العمر، فإن التخصصات السلوكية قد تساعدك على امتلاك القدرة على التلاؤم وعلى فصل المعاناة المؤلمة في حياتك.
ولا تقبل المعالجات السلوكية أن تنفصل وظائف الجسم عن الذهن انفصالاً تاماً، ومن الضروري تحري السلامة بعدم دفع السكريين إلى التفكير بأن الألم أمر متخيَّل، وبالتالي فهو أمر نفسي بحت، مع أن الألم قد يكون له جذور نفسية، ولاسيما الشدة والكروب، فالعوامل النفسية قد تزيد من شدة الألم وقد يثيره في نقاط أخرى متعددة، وهكذا فإن الوسائل الأكثر فعالية في كبح نوبات الألم هي أساليب الاسترخاء.
والألم والاسترخاء يقفان على طرفي نقيض، فقد يتصادف وجودهما معاً، ولكنهما يتضادان مع بعضهما على الدوام، مثل التضاد بين الماء والنار، وينبغي أن نعد إستراتيجيات جيدة للتوازن تكفل تخفيف الشدات والكروب التي تنشأ عن القضايا اليومية، ومن بين تلك الآليات هناك الاسترخاء، وإلى جانب تلك الآليات فقد سبق لنا أن تعرضنا للحديث عن تمارين التنفس، وهي من الأساليب البسيطة للاسترخاء، ويمكن تنفيذها دون الحاجة إلى أي مساعدة خارجية.
وقد كانت فعالية التمارين البسيطة للتنفس في التصدي للشدات والكروب مجالاً للبحوث الجادة على مدى سنوات متعددة، فللتنفس ارتباط مباشر بنظم الإنذار داخل الجسم، ويمكنك أن تفكر بما قد تعاني من الهلع عند التعرض لأخف درجات الاختناق، فذلك يذكرك بتنفسك
وللتعرف على ذلك الإحساس ما عليك إلا أن تحبس نفسك لمدة 20 ثانية تقريباً، لتلاحظ الأحاسيس التي تراودك، ومثل تلك الأحاسيس هي التي تسبب القلق والهياج وارتفاع ضغط الدم وتسارع ضربات القلب، وكل ذلك يحدث استجابة للخوف، ليؤدي إلى هجمة الهلع.
أما التنفس على نحو غير ملائم فيؤدي إلى تأثيرات سلبية عديدة على حياتك، وبالمقابل فإن تنظيم طريق التنفس لديك يؤدي إلى حسر تلك التأثيرات، بل وإلى إحداث تغيير إيجابي.
ويمكنك أن تأخذ نفساً عميقاً وأن تطرحه، ببطء وبسلاسة، لتجد أن التنفس الاسترخائي العميق يحدث نتيجة تضافر تأثير جسدي وذهني معاً مما يؤدي إلى تنشيط الجهاز التنفسي الودي وبالتالي إلى شعورنا بالاسترخاء.
والهواء الذي نستنشقه يدخل إلى منطقتين رئيسيتين في الرئتين، ولكننا إذا تعرضنا للشدة أو للكرب فإننا نميل للتنفس السريع والقصير الأمد، مما يجعل الهواء يصل إلى المناطق الضحلة القليلة العمق في الرئتين، وتؤدي المناطق القليلة العميق إلى تنبيه إجزاء من الجملة الودية، مما يجعل الجسم مستعداً للاستجابة بالمجابهة أو بالمقاتلة، وهكذا تتطلب الجملة العصبية إنتاج الإدرينالين، ويتحول الدم من الأعضاء إلى العضلات.
والترياق المفيد للكروب النفسية يتمثل بالتنفس الأكثر عمقاً والأبطأ وتيرة، والذي يطلق عليه أحياناً التنفس البطني، ويتم بسحب قوي للحجاب الحاجز الذي يفصل البطن عن الصدر، وفي ذلك محاولة لمنع استجابة الجسم للمنبهات بالصراع لمجرد الصراع، ولدعم استجابة من نوع آخر يطلق عليها اسم "إما أن توفر سبل العيش وإما أن توفر سبل التكاثر"
ومن خلال هذه الاستجابة تحدث حالة من التضاد المتوازن للقلق والشدة أو الكرب، فتأخذ ضربات القلب بالتباطؤ ويميل ضغط الدم للهبوط، ومن إحدى طرق ممارسة التنفس العميق أن تستلقي على ظهرك، وتضع يديك على صدرك وعلى بطنك وأنت تتنفس، وتحاول في تلك الفترة أن تأخذ كمية أكبر من الهواء، وأن تركن إلى حالة من الاسترخاء سواء في العضلات أم في الذهن.
وهناك عدة طرق يمكنك أن تستفيد منها إلى جانب التنفس العميق للوصول إلى الاسترخاء، فالتأمُّل والتفكُّر يمكن أن يُحَسِّنا من طرق الوعي لديك، وأن يضعا الإحساس بالدفء وبالاسترخاء محل الإحساس بالألم.
وهناك أسلوب آخر يدعى الاسترخاء الذاتي المنشأ، وفيه يطلب الطبيب المعالج من مريضه أن يغلق عينيه، وأن يركز على جزء محدد من جسده، وليكن الذراع، وأن يعبِّر عن إحساسه بذلك الجزء من حيث ثقله، ودرجة حرارته وصفاته الأخرى، وأثناء الوقت الذي يستكشف فيه المريض بعد ذلك مشاعره يطلب الطبيب من مريضه أن يكرر بعض العبارات التي تؤهبه للاسترخاء، مثل "أنا أشعر بالاسترخاء بالفعل"
وخلال تلك الفترة يراقب الطبيب ويسجل درجة حرارة مريضه، ويطلب منه أن يخبره عن الصور التي يراها في ذهنه، وهكذا يؤدي تعزيز الإدراك الجسدي وتوليد الدفء في مناطق مستهدفة من الجسم إلى الاسترخاء وإلى تخلص السكريين من الإحساس بالألم في أي وقت وفي أي مكان، ولعلك تجد في ذلك ما يدهشك، ألا ترى معي ذلك؟
وتعتبر أساليب الاسترخاء من الأساليب البالغة الأهمية في المعالجة التي تقدمها العيادات ومؤسسات الرعاية، فالاختصاصيون يعلمون مرضاهم كيف يصلون إلى الاسترخاء أثناء انشغالهم في يوم حافل بالأعمال، والاستفادة من أسلوب "الاستجابة بالهدوء"، فمثل هذه الإجراءات العلاجية تدربك على الاسترخاء طيلة اليوم، حتى في الأوقات التي يتعذر عليك فيها القيام بتنفس عميق، أو بإجراء تمرين ذاتي أثناء عملك، فهناك ضروب من المعالجات الأخرى نذكر منها المعالجة بالكتابة والارتجاع الحيوي، والمعالجة النفسية المعرفية بجرعات صغيرة، بل وحتى التنويم المغناطيسي.
وللحصول على معالجة سلوكية ناجحة فإن من الضروري التعرف على كيف يتعرف المريض على الألم وعلى مواقفه السلوكية منه، وإلى أي مدى يؤثر الألم في تحطيم حياته أو يتضارب معها، فذلك ضروري أيضاً لنجاح أي شكل من أشكال المعالجة
فالموقف الإيجابي تجاه أي حل يمكن أن يقدم الفوائد، سواء كان مصدر القوة المطبقة بقصد التعافي خارجياً أم داخلياً، أما النظرة السلبية تجاه المعالجة السلوكية أو أية معالجة أخرى فستؤدي إلى تضاؤل أية منافع كان من الممكن أن تسفر عنها، بل إلى تحويلها إلى أضرار.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]