البيئة

دور الظروف المناخية في تحديد درجة التلوث الهوائي بالكويت

1996 العوامل البشرية

مهدي حسن العجمي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التلوث الهوائي الكويت البيئة علوم الأرض والجيولوجيا

تلعب الظروف المناخية دوراً مهماً في تحديد درجة التلوث الهوائي، لما لبعض العناصر المناخية من دور واضح في تشتيت الملوثات الهوائية وإبعادها عن مصادر التلوث، بينما للبعض الآخر دور في تركيزالملوثات وتكثيفها بما يزيد من خطورة المشكلة.

وفيما يلي تحليل وتقييم لدور العناصر المناخية في الكويت للتعرف على أثرها في التلوث الهوائي في الكويت.

 

1- الحرارة: أشار الباحث في الفصل الأول إلى ان السمة المميزة لدرجة الحرارة في الكويت ارتفاعها معظم شهور السنة، (حيث يتراوح متوسط درجة الحرارة بين 23م و37,5م في التفرة ما بين ابريل إلى اكتوبر ومتوسط درجات الحرارة العظمى بين 59م و50م).

وهي درجة حرارة عالية تسهم دون شك في تقليل درجة التوث الهوائي، حيث تشتد معها درجة التصعيد للهواء نتيجة شدة الإشعاع الحراري الأرضي، مما يساعد على رفع سحابة الدخان إلى طبقات الجو العليا، وبالتالي يحول دون هبوط ما تحويه هذه السحب الدخانية من ملوثات إلى طبقات الجو السطحية.

 

خاصة في أثناء النهار على الأقل، مما يجعل درجة التلوث محدودة جداً في المناطق السكنية ويجعلها آمنة إلى حد كبير من مخاطر التلوث الهوائي رغم مرور سحب الدخان من فوقها، وهي السحب التي كانت تثير مخاوف الناس من احتمال وجود حالة تلوث هوائي خطر.

ومما ساعد أيضاً على سرعة تصاعد سحب الدخان “The Plumes” إلى طبقات الجو العليا، ان النيران المشتعلة في آبار النفط قد نتج عنها من خلال درجة الاحتراق الهائلة جزر حرارية قوية “Strong Heat Islands” صورة (6).

 

احدثت درجة عالية جداً من التصعيد الهوائي، وتشير القياسات الخاصة بارتفاع السحب الدخانية انها تتراوح بين 1000 و5000 متر مما يجعلها بعيدة عن متناول الرياح السطحية، ومن ثم تميزت شهور الحرارة العالية خاصة الفترة من مايو حتى أغسطس بقلة درجة خطورة التلوث الهوائي.

كما تشير إلى ذلك قياسات محطتي رصد الملوثات في المنصورية والرقة، رغم وجود بعض السحب الدخانية التي كانت تغطي سماء مدينة الكويت من وقت لآخر.

أما شهور الشتاء (ديسمبر –فبراير) فهي الشهور التي تنخفض فيها درجة الحرارة إلى أدنى حد لها، حيث يتراوح متوسط الحرارة ما بين 12,7م و14,8م، ومتوسط درجة الحرارة الصغرى ما بين 7,6م و9,2م، وهي درجات حرارة منخفضة تسهم في زيادة حدة مشكلة التلوث الهوائي.

 

حيث ارتبط بها عملية التصعيد نتيجة قلة الإشعاع الحراري الأرضي، وبالتالي هبوط الملوثات الهوائية إلى السطح والتأثير في السكران بشكل واضح.

ولذلك كان شهري فبراير ومارس من الشهور التي شهدت تلوثاً هوائياً شديداً، حيث شعر السكان الذين صمدوا في الكويت خلال هذه الفترة، بخطورة التلوث الهوائي.

وقد ساعد على الإحساس بهذه الدرجة الخطرة من التلوث، إضافة إلى انخفاض درجة الحرارة، ان الرياح الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية، يكثر هبوبها في هذه الفترة نسبياً، إضافة إلى سقوط الأمطار السوداء والحمضية على مباني الكويت وغيرها من المدن.

 

ومن ثم كانت هذه الفترة هي الفتة الحرجة جداً بالنسبة للتلوث الهوائي ولقد كان إخماد الحرائق السريع الذي تم يوم 6 نوفمبر 1991، قبل حلول فترة الحرارة المنخفضة. مهماً جداً إذ كان يخشى معها، حدوث حالة تلوث خطيرة إذا ما استمرت الآبار مشتعلة.

كما تزيد درجة الحرارة العالية من نشاط البكتيريا المحللة للنفط سواء في مياه الخليج أو التربة مما يجعل التخلص من التلوث النفطي وهكذا.

وقد كان لارتفاع درجة الحرارة في الكويت معظم شهور السنة الأثر الكبير في الحد من عمليات التلوث الهوائي.

 

2- الانقلاب الحراري: وهو من الظاهرات المناخية الشائعة الحدوث في الكويت ويحدث- عادة- في أثناء الليل وفي لاصاح الباكر، وبصفة خاصة حين تكون السماء صافية والإشعاع الحراري الأرضي لا يعوقه شيء إذ تفقد الطبيعة السطحية من الأرض مخزونها الحراري بسرعة وتنخفض درجة حرارتها.

وبالتالي يبرد الهواد الملامس لها. وتصبح درجة الهواء في الطبقات السفلية أبرد سبياً من درجة حرارة الهواء في الطبقة التي تعلوه.

 

فتختل طبيعة حرارة عمود الهواء، ومن ثم يفقد الهواء قدرته على الصعود وتحدث حالة سكون في حركة الهواء تؤدي إلى حبس ما فيه من ملوثات وجسيمات في الطبقة السطحية الباردة من الهواء، مما يساعد على تركيز الملوثات الهوائية إلى الحد الذي يصل بها درجة الخطورة حسب طول فترة الانقلاب الحراري.

وتأتي خطورة الانقلاب الحراري في حبس الملوثات الهوائية المنبعثة من دخان الآثار المحترقة. والتي كثيراً ما شكلت سحباً ضخمة من وقت لآخر أثناء الليل وفي الصباح الباكر، ولحسن الحظ ان الانقلاب الحراري لا يستمر طويلاً، فما ان تطلع الشمس وتبدأ عملية التسخين، حتى يبدأ عمود الهواء يأخذ وضعه الطبيعي.

 

وتبدأ حركة الهواء الصاعدة في النشاط، ويتلاشى معها الانقلاب الحراري تدريجياً وتتشتت بالتالي الملوثات بالصعود إلى أعلى حيث تحملها حركة الرياح العلوية إلى مناطق بعيدة عن الكويت.

ومن ثم كان تأثير الانقلاب الحراري محدوداً في العمل على زيادة حدة التلوث الهوائي لأنه يحدث في الليل، ويتبدد بسرعة مع طلوع الشمس، ومن ثم لا تعطى له الفترة الكافية لإحداث حالة من التلوث الخطر، بعكس ما كان يحدث في بعض الدول ذات المناخ البارد والتي تغيب الشمس عنها، حيث قد يستمر الانقلاب الحراري عدة أيام متوالية.

 

3- الرياح: تلعب الرياح دوراً مهماً في تكثيف درجة التلوث الهوائي أو في التخفيف من حدته تبعاً لطبيعة اتجاهاتها بالنسبة لمصادر التلوث وتوزيع المناطق السكنية التي يخشى عليها من التلوث.

وإضافة إلى درجة سرعتها التي تعمل إما على سرعة تشتيت الملوثات أو المساعدة على تركيزها، خاصة الرياح الهادئة، حيث العلاقة بين سرعة الرياح ودرجة تركيز الملوثات علاقة عكسية.

بالنسبة لاتجاه الرياح نجد ان الرياح السائدة في معظم فترات السنة، كما يوضحها الجدول رقم (7) والشكل رقم (15) هي الرياح الشمالية الغربية التي تشكل 42% من مجموعة الرياح خلال العام وتكون سيادتها واضحة بصفة خاصة في أشهر الصيف (يونيو- يوليو- أغسطس).

 

حيث تصل نسبتها 63% وإذا أضفنا إليها الرياح الشمالية الشرقية، فإن الرياح الشمالية الغربية والشمالية الشرقية تصلان معاً إلى 54% من مجموعة الرياح خلال العام.

وترتفع هذه النسبة في الصيف إلى 71%، والرياح الشمالية الغربية خلال الفترة من 8 يونيو إلى يوليو- لمدة 40 يوماً متواصلة.

أما الرياح الجنوبية الشرقية التي يطلق عليها الرياح السائدة الثانوية، فهي تشكل فقط 19% من مجموع الرياح خلال العام.

 

وتصل إلى اعلى نسبة لها خلال فصل الربيع لتبلغ 27% وتتدنى بشكل واضح في فصل الصيف لتصل إلى 9% فقط.

أما الرياح الجنوبية الغربية، وهي التي كانت تشكل خطورة كبيرة بالنسبة للتلوث الهوائي على مدينةا الكويت فهي تشكل 12% من مجموعة الرياح خلال العام، وتصل إلى أعلى حد لها خلال فصل الربيع، حيث تصل إلى 3% وتتدنى في فصل الشتاء إلى 9% كما اتضح من الشكلين السابقين.

واما من ناحية درجة سرعة الرياح، فهي متفاوتة بين الرياح القوية المعتدلة (20,82- 49,6كم/ساعة) كما هو الحال بالنسبة للرياح الشمالية الغربية، وبين الرياح الخفيفة (1,6- 19,2كم في الساعة).

 

كما هو الحال بالنسبة للرياح الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية. وبين الرياح الهادئة (أقل من 1,6 إلى 19,2 كم في الساعة) التي تكون واضحة في الخريف والشتاء.

وتعمل الرياح القوية (السريعة) على سرعة نقل الملوثات بعيداً عن مصادرها، وهذا ما كانت تقوم به الرياح الشمالية الغربية في نقل ملوثات آبار الحقول الجنوبية التي يتصاعد منها الحجم الأكبر من الدخان بعيدا عن مدينة الكويت في اتجاه الجنوب الشرقي نحو المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والإمارات.

كما كانت الرياح الشمالية الغربية تنقل الملوثات الهوائية من آبار الحقول الشمالية في اتجاه الجنوب الشرقي نحو الخليج وإيران بعيداً أيضاً عن مدينة الكويت، وهو ما يؤكد لنا ان سيادة الرياح الشمالية الغربية معظم شهور السنة، خاصة في فصل الصيف قد قللت من مخاطر التلوث الهوائي إلى حد كبير.

 

ولو أضفنا إلى ذلك زيادة درجة التصعيد الحراري أدركنا لماذا لم تصل درجة التلوث الهوائي إلى درجات خطيرة رغم عنف الكارثة البيئية؟

ومما يؤكد دور الرياح الشمالية الغربية في إبعاد الملوثات الهوائية عن مدينة الكويت مركز الثقل السكاني، صورة الأقمار الصناعية التي التقطت من قبل وكالة الأرصاد الجوية الأمريكية (NOAA) في 9 يوليو 1991 التي تحدد مسار سحابة الدخان المطلقة سواء من الحقول الشمالية ام الحقول الجنوبية (شكل 16).

اما الرياح الجنوبية الشرقية والجنوبية الغربية، فإن فترات سيادتها تمثل أخطر فترات التلوث الهوائي على مدينة الكويت، فهي رياح خفيفية مما يساعد على بقاء الملوثات في الغلاف الجوي اطول فترة ممكنة.

 

كما ان مدينة الكويت تقع على طول محور خط مسار هذه الرياح القادمة من منطقة الآبار المشتعلة في القطاع الجنوبي.

ومن ثم كان يغلف سماء الكويت خلال هبوب هذه الرياح، خاصة الجنوبية الغربية، سحب دخانية ركامية سوداء، وهي السحب التي كانت تحول نهار مدينة الكويت إلى ليل، كما في الصورة (1)، (2).

 

ومما يزيد من خطورة الرياح الجنوبية الشرقية ارتفاع نسبة بخرا الماء في الجو الذي ينجم عن اتحاده مع الملوثات الهوائية مجموعة من الأحماض، مثل حامض الكبريتيك وحامض الكربونيك وغيرها، وتكون ما يسمى بالضباب الحمضي Acidic، أو حدوث درجة من درجات الضبخن Smog، وكلاهما خطر على صحة الإنسان، وخاصة الذين يعانون من امراض القلب والجهاز التنفسي.

ويجدر بالملاحظة اننمط اتجاه الرياح السطحية قد اختل في مناطق الآبار المشتعلة، التي احدثت كما ذكر سابقاً جزراً حرارية قوية نتج عنها تكوين مناطق ضغط منخفض محلية ساهمت في جذب الرياح السطحية في كثير من الأوقات، وحدوث حالة من التصعيد الهوائي مما دفع دخان الآبار إلى الارتفاع إلى مناسيب مرتفعة. وقد ساهمت هذه الظاهرة في تخفيف حدة درجة التلوث الهوائي إلى حد كبير.

 

4- نسيم البر والبحر: من المعروف ان نسيم البحر ينشط عموماً في فصل الصيف أثناء النهار. وبالنظر لعدم وجود حواجز جبلية كبيرة مانعة على السواحل الكويتية فإن نسيم البحر قد يتوغل احياناً إلى مسافة 75 كيلو متر داخل اليابسة.

وهكذا كان لنسيم البحر دور فعال في إبعاد خطر الملوثات الهوائية على الشريط الساحلي إلى حد كبير على الأقل خلال النهار حيث ينشط هذا النسيم. ويمكن القول انه نظراً لقرب الجزيرة الحرارية المحلية التي احدثتها حرائق النفط، من المناطق الساحلية.

فقد أسهمت هذه الجزر الحرارية في تغيير النمط العام لنسيم البحر والبر، حيث أدت إلى اتساع مدى انتشاره وزيادة سرعته، وساعد هذا الوضع بدرجة اكبر على تخفيض خطر الملوثات الهوائية عن المناطق العمرانية الواقعة على الساحل الجنوبي لمدينة الكويت، رغم قربها من آبار النفط الجنوبية.

 

ومن خلال هذه الدراسة التحليلية الموجزة لدور المناخ في التلوث الهوائي، يمكن أن نلخص بصفة عامة إلى ان مناخ الكويت الحار الجاف، وما نجم عن حرائق آبار النفط من تغييرات واضحة في الظروف المناخية المحلية قد خفض إلى حد كبير من حدة التلوث الهوائي.

حالت دون وصوله إلى المستوى الخطر، إذا ما استثنينا الفترة القصيرة من شهري فبراير ومارس، (حيث تنخفض الحرارة وتسقط الأمطار) التي زادت خلالها درجة التلوث الهوائي، إلى الحد الخطر أحياناص كما أشارت بعض القياسات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى