زحل: بعثة كاسيني
2013 أطلس الكون
مور ، السير باتريك مور
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
زحل: بعثة كاسيني
كاسيني التي تم إطلاقها من كاب كانيفيرال، في 15 أكتوبر 1997، كانت مهمة من نوع جديد. فبايونير 11 ومركبات فويجير كانت مسبارات عابرة، تقوم بزيارة سريعة إلى زحل ثم تغادره إلى الأبد. أما كاسيني فكانت أكثر طموحًا؛ فقد كانت مركبة مدارية قادرة على إجراء برنامج بحثي يستغرق سنوات. كما أنها اصطحبت مسبارًا صغيرًا، يدعى هوجنز، والذي سيقوم بهبوط مسيطر على تيتان ويشرع بالبث مباشرة من سطحه. لقد إختيرت الأسماء بعناية. جيوفاني كاسيني (Giovanni Cassini) كان من أفضل راصدي كوكب زحل في القرن الـ17 – وقد سمي القسم الرئيسي في نظام حلقات الكوكب تيمنًا به – بينما اكتشف كريستيان هوجنز
(Christian Huygens) تيتان في عام 1655، فضلاً عن إثباته أن زحل تحيط به ’حلقة مسطحة ورقيقة‘.
لعل كاسيني كان المسبار الأشد تعقيدًا الذي تم بناؤه حتى الآن، إذ كان يبلغ ارتفاعه 6.8 متر (22.3 قدم) وعرضه يقارب 4 متر (13 قدم)؛ وتطلبت المعدات المتنوعة ما يزيد على 14 كيلومتر (9 ميل تقريبًا) من الأسلاك. كان المسبار مملوءا بالمعدات، بما فيها جهاز تصوير CCD، ومحلل الغبار الكوني، ومطياف للأشعة تحت الحمراء، وجهاز تعقب راداري.
لم يتجه كاسيني نحو زحل مباشرة، إذ مر أولاً بكوكب الزهرة مرتين (أبريل 1998 ويونيو 1999) ثم أيضًا بالأرض (أغسطس 1999). كما أتيح له الوقت ليلتقط صورة كويكب، هو 1685 ماسورسكي (23 يناير 2000). بالإضافة إلى مرور مهم بكوكب المشترى
(ديسمبر 2000). لكن هذه المرة كان الهدف الرئيسي هو زحل، وبحلول يونيو 2004 كان كاسيني يقترب من الكوكب الحلقي. في 11 يونيو كان هناك مرور قريب من القمر فويبي (Phoebe)، والذي لم يتم تصويره جيدًا من قبل أي من بعثتي فويجير. ثم في 1 يوليو، حلقت المركبة عبر الفجوة بين الحلقة F، والحلقة G، فدخلت مدارًا مغلقًا حول كوكب زحل. ولم تُشكل جسيمات الحلقة أي خطر جدي، وأضحت مركبة كاسيني مستعدة لبرنامجها الرئيسي.
كانت هناك عدد من التحقيقات المهمة التي ينبغي إجراؤها. فمن المعروف أن سرعات الرياح عالية جدًا – إذ أثبتت بعثات فويجير ذلك – لكن لا يزال هناك المزيد لنتعلمه عن حركة الغلاف الجوي بشكل عام. في نوفمبر 2006 تمت متابعة إعصار هائل عند القطب الجنوبي وصل عرضه إلى 8000 كيلومتر (5000 ميل)، و72 كيلومتر (45 ميل) فوق مستوى السحاب، وله رياح تعصف بسرعة تصل إلى 560 كيلومتر في الساعة (348 ميل في الساعة). وعلى عكس الزوابع الأرضية كان لديه ’عينان‘، وبدا كأنه يحوم فوق القطب الجنوبي. من الخارج، ربما يبدو سطح زحل ساكنًا، لكن المظاهر خداعة.
زودتنا الأقمار التابعة ببضعة مفاجآت كبرى. فالمعالم الرقيقة على ديون (Dione) ثبت أنها منحدرات جليدية شاهقة؛ إيابتوس
(Iapetus) امتلك سلاسل طويلة وشاهقة جدًا تمتد على طول خط استواءه؛ إينسيلادوس (Enceladus) كان نشطًا، ويحتوي على فوهات جليدية تنفث الماء من قطبه الجنوبي – وهو آخر ما يتوقع في عالم ضئيل كهذا.
ينبغي أن يقال أن الجزء الأكثر إثارة في المهمة بأسرها كان الهبوط على سطح تيتان. فحتى لو سار كل شيء على ما يرام، لم يعلم أحد إذا ما كان هوجنز سيحط على صخر صلب، أو أرض سبخة، أو محيط كيميائي. لقد كان موسم عيد الميلاد عام 2004 وقتًا عصيبًا بالنسبة لقيادة التحكم بالمهمة. في 25 ديسمبر، انفصل هوجنز عن كاسيني؛ ثم في 14 يناير حط أرضًا، وسرعان ما تم إرسال البيانات. واستمر الإتصال لما يزيد على الساعة.
استغرقت عملية الهبوط الفعلية عبر الغلاف الجوي السميك لتيتان ما يزيد على ساعتين؛ ومن المتوقع أن المركبة الفضائية تقاذفتها الرياح، لكن آلية المظلات عملت بشكل مثالي، فحط هوجنز بلطف. ظل الفريق الذي على الأرض في انتظار يثير التوتر، إذ تطلب 84 دقيقة لكي تصل إشارة راديوية من تيتان إلى هنا! كان سطح القمر ثابتًا، لكن هوجنز استقرت براحة أرضًا. وكان من المعلوم دومًا أنه لا يمكن المحافظة على الاتصال لمدة طويلة. كل شيء يجب إعادة بثه عبر مركبة كاسيني المدارية؛ وقبل مرور الكثير من الوقت ستنخفض المركبة المدارية تحت مستوى أفق هوجنز، وليس ثمة فرصة لتصمد طاقة المركبة السيارة حتى عودة كاسيني مجددًا. فقد لا تكون هناك فرصة أخرى. لحسن الحظ لم تحدث مشاكل كبرى، وعملت هوجنز بشكل جيد جدًا حتى نهاية مسيرتها القصيرة لكن المشرفة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]