سطوح وانماط
2000 الرياضيات والشكل الأمثل
ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
لتكن لدينا الآن سطوح في كل منها ثقب واحد فقط. إن جميع هذه السطوح يمكن أن تكون، من حيث المبدأ، من النمط الطبولوجي نفسه وتوفر حلولاً لمسألة پلاتو. ففي واقع الأمر قد يحدث فعلاً أن يحد المنحني نفسه سطوحاً أصغرية من أنماط طبولوجية مختلفة. وعلى سبيل المثال، ففي حال السطحين C, B في الصفحة 92 يكون g=0 و m=1، في حين أنه في حال السطح A يكون g=1 و m=1.
نلاحظ أن أي سطح من نمط كرة ذات ثقب واحد، (أي إن g=0 و m=1) هو من النمط نفسه للقرص (انظر الشكل أعلى الصفحة التالية). والقرص هو أبسط سطح ممكن تتآلف حدوده من منحن بسيط مغلق. لذا فإن جميع السطوح الأصغرية من نمط القرص والمحدودة بمنحن مفروض، هي، بمعنى من المعاني، أبسط حلول مسألة پلاتو.
قد يكون لسطح أصغري من نمط القرص مساحة أصغر من مساحة أي سطح قريب منه، أو، أصغر من مساحة أي قرص آخر؛
بيد أنه قد يوجد سطح ذو جنس أعلى ومساحة أصغر. وبعبارة أخرى، فقد لا يكون سطح أصغري من نمط القرص هو السطح ذا المساحة الأصغرية المحدود بمنحن مفروض، لكنه قد يوفر قيمة أصغرية محلية local minimum للمساحة. وتجد في أسفل الصفحة 92 مثالاً على هذه الظاهرة (وكي نجعل الأمر أكثر إقناعاً، علينا أن نضغط على الزوجين من جزأي المنحني المتجاورين والشهبيهين بالدائرة بحيث يقربان جداً الواحد من الآخر.)
وهكذا، ففي حال منحنٍ مفروض C، ليس من الواضح أبداً الجنس g والذي سينتج السطح ذا المساحة الأصغرية المطلقة والمحدود بالمنحني C حتى إنه ليس من الواضح إن كان من الممكن بلوغ قيمة أصغرية لأي سطح مهما كان جنسه. وعلى سبيل المثال، لنأخذ المنحني الممثل في الشكل العلوي من أسفل هذه الصفحة. إن القيمة الأصغرية المطلقة للمساحة يحققها سطح يشبه وحش لوك نس(1) Loch Ness monster كما هو مبين في الشكل العلوي أدناه. وهذا الشكل غير محتوي في مجموعتنا السابقة، ذلك أنه من النمط الطبولوجي لكرة ذات ثقب واحد فقط أضيف إليها عدد غير منتهٍ من المقابض. ومن ثم، فإن هذا السطح من وجهة النظر الطبولوجية ليس سوى قرص ذي عدد غير منتهٍ من المقابض كما هو مبين في الشكل العلوي من الصفحة التالية.
- وحش يعتقد أنه ظهر في بحيرة لوك نس باسكتلندا. (المترجمان)
ينشأ هذا المثال غير الواقعي لأننا أخذنا محطياً يحوي نقطة فريدة (شاذة) singular point، وهي أبعد نقطة من ذيل الوحش، ترى، هل يمكن لمثل هذه السطوح غير السارة والتي هي من جنس غير منته أن تكون حلولاً لمسألة پلاتو إذا لم تؤخذ سوى منحنيات ملساء "منتظمة" regular كمحيطات ممكنة؟ تم فعلاً إثبات ذلك منذ عهد قريب.
هل توجد مفاجآت أخرى تنتظرنا في السطوح الأصغرية؟ وعلى سبيل المثال، هل يمكننا التوقع بأن نعثر على جميع الأغشية الصابونية الممكنة المحدودة بمحيط مفروض ضمن مجموعة السطوح ذات المقابض، أم أنه يجب علينا توسيع هذه المجموعة؟
لنمعن النظر الآن في المنحني أعلى يسار الصفحة. إن هذا المنحني يشكل حدود سطحين A و B من نمطين طبولوجيين مختلفين، وإذا كان السلك يشبه المنحني أسفل يسار الصفحة، فإن سطحاً شبيهاً جداً بالسطح A هو الذي سيكون السطح ذا المساحة الأصغرية والمحدود بهذا المنحني. لكن السطح A غير موجود ضمن مجموعتنا من السطوح ذات المقابض التي لها m ثقب ومن الجنس g،
- سطحان أصغريان يمتدان على منحنٍ مغلق.
أن A وحيد الجانب one-sided. ونعني بقولنا إن السطح الثنائي الجانب أن للسطح جانبين فعلاً، كالسطح B، فليس بإمكان حيوان يسير على هذا السطح الانتقال من جانب إلى آخر البتة دون تجاوز حدوده، بيد أنه إذا سار على سطح وحيد الجانب فإن بإمكانه بلوغ أي نقطة على هذا السطح من دون أن يتجاوز حدود السطح.
السطح A من نفس النمط الطبولوجي لشريط موبيوس Mobius strip الشهير الذي اكتشفه عام 1858 عالم الرياضيات والفلكي الألماني .F.A> موبيوس< الذي كان أستاذاً في جامعة لايبزيك. ويمكنك صنع مثل هذا الشريط من شريط ورقي طويل بأن نفتله مرة واحدة ثم نلصق طرفيه معاً. إن لهذا السطح جانباً (وجهاً) واحداً فقط، وهذا أمر يمكنك أن تتحققه بنفسك، أو لدى تأملك صورة النقش المبين في أعلى يسار الصفحة.
ومنذ اكتشاف شريط موبيوس اكتشف علماء الرياضيات مجموعة واسعة من أنماط طبولوجية مختلفة لوجوه منتهية وحيدة الجانب دون ثقوب، أو بثقب واحد، أو ثقبين. وهكذا.
بيد أنه يجب أن يكون للعديد منها تقاطعات ذاتية، مثل قنينة كلاين Klein bottle، نسبة إلى عالم الرياضيات الألماني .F>كلاين Klein (1925-1849). <ويقال عن هذه السطوح إنها غير قابلة للتوجيه
لدى القيام بدورة كاملة على شريط موبيوس يتغير اتجاه الحركة من حركة باتجاه دوران عقارب الساعة إلى أخرى تجري بعكس اتجاه دوران عقارب الساعة.
nonorientable حيث إننا لا نستطيع على مثل هذه السطوح التمييز بين دوران باتجاه عقارب الساعة ودوران بعكس اتجاه عقارب الساعة (انظر الشكلين العلويين). هذا وتمثل مجموعة السطوح ذات المقابض مجموعة السطوح المنتهية القابلة للتوجيه.
وأخيراً، لننظر في سطوح أصغرية وحيدة الجانب ذات أنماط طبولوجية أعقد من شريط موبيوس. تبين الأشكال في اليسار أنه من غير الواضح مطلقاً ما يجب أن يكون عليه النمط الطبولوجي لحل محتمل لمسألة پلاتو، وحيث إنه سبق ورأينا أن السطوح من نمط القرص تدخل في عداد أبسط السطوح الممتدة على منحن مغلق، فإننا نطرح السؤال التالي:
هل يمكننا إثبات وجود سطح واحد على الأقل من نمط القرض وذي مساحة أصغرية بين جميع السطوح من نمط القرص التي تمتد على منحن بسيط مغلق؟
(نقول عن منحن إنه بسيط إذا كان لا يقطع نفسه، كالدائرة مثلاً. وهكذا فإن المنحني الذي يشبه الرقم 8 ليس بسيطاً).
وخلال القرن التاسع عشر حلت مسألة پلاتو المنصوص عليها بهذا الشكل في حال منحنيات خاصة كثيرة، معظمها مضلعات، واكتشفت عدة سطوح أصغرية خاصة.
وعلى الرغم من أن إنجازات علماء من أمثال ريمان Riemann وڤيرشتراس Weierstrass وشوارز Schwarz كانت من مستوى رفيع، فإن الأدوات التي كانت متوافرة لديهم لم تكن كافية لمعالجة مسألة پلاتو في الحالة العامة. وقد كتب عالم الهندسة الفرنسي .G>داربو< Darboux (1917-1842) يقول: "لم يتمكن التحليل الرياضياتي حتى الآن من ابتكار أي أسلوب يسمح لنا بالبدء بتفحص هذا السؤال الجميل".
وفي عام 1928 تمكن عالم رياضيات أمريكي فتيٍّ،
هو .J>دوكلاس Douglas <من حل مسألة پلاتو المتعلقة بالقرص. وفي تلك السنة، ألقى محاضرة حول حله في جامعة كوتنكن بألمانيا، التي كانت آنذاك أحد المراكز العلمية والرياضياتية الرئيسية في العالم. بيد أن حجج دوكلاس لم تكن مقنعة كلها. وأبدى الحاضرون بعض الشكوك حول كمال حله، وقد واصل دوكلاس عمله طوال سنتين بعد ذلك بغية إضافة التفاصيل الضرورية. وقد أدى ذلك إلى تأخير نشر بحثه حتى عام 1931. وبحلول ذلك الوقت، جرى نشر برهان مختلف كلياً ابتكره عالم الرياضيات الهنغاري .T>رادو< Rado.
وخلال العقد التالي، قيض لدوكلاس حل عدة مسائل أخرى حول السطوح الأصغرية، وقد سمحت له أساليبه الفعالة بمعالجة مسائل الوجود لسطوح أصغرية من أجناس عالية محدودة بمنحن مغلق، أو حتى بعدد منته من المنحنيات المغلقة. وتقديراً لإنجازاته فقد منح عام 1936 واحداً من أول وسامين من أوسمة فيلدز(1) Fields التي تمنح في الرياضيات.
هذا ولم تتوقف دراسة السطوح الأصغرية عند أعمال دوكلاس ورادو. إذ إنه جرى الحصول على عدة نتائج جميلة أخرى منذ ذلك الحين كما سنرى فيما بعد؛ وكان أحد أهم هذه الإنجازات هو حل مسألة پلاتو العامة. وقد أثبت أنه يوجد لكل منحن بسيط مغلق سطح ذو مساحة أصغرية من جنس منته محدود بهذا المحيط؛ فضلاً على ذلك. فإن هذا السطح ذا المساحة الأصغرية لا يقطع نفسه. ويستدل من هذا أن السطوح ذات المساحة الأصغرية المحدودة بمنحنيات ذات عقد لا يمكن أن تكون أقراصاً.
(1)يعتبر وسام فيلدز أعلى تقدير يمنح في مجال الرياضيات ويقدمه سنوياً المجلس الدولي للرياضيات ويعادل جائزة نوبل التي تمنح في الحقول المعرفية الأخرى. (المترجمان)
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]