العلوم الإنسانية والإجتماعية

ضرورة الحصول على الموافقة الواعية ودورها في حماية حقوق الأفراد

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

الموافقة الواعية وحرية الوصول إلى المعلومات الطبية

تأكد مفهوم الموافقة الواعية في الموضوعات التي تناولها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، وكمطلب لأغنى في البحوث العلاجية الإنسانية في مثاق نومبرج (1947) وإعلان هلسنكي ط1964. 

أصبح من الامور المأخوذ بها في الديمقراطيات الغربية في أواسط السبعينيات "فادن Faden وبوشامب Beauchamp، 1986"، ويعتبر الآن مطالب أساسيا بالنسبة للمرضى الذين يتلقون علاجا مقبولا وإن كان متوقفا على المصادفة، وكذلك بالنسبة لمن يتلقون علاجات تجريبية أو الذين يخضعون لبحوث عيادية أو علاجية معترف بها. 

ولهذا المفهوم معان وظيفية مختلفة بالنسبة للطبيب المعالج الذي لا بد له أن يحصل على الموافقة الواعية من المريض قبل أن يتورط في الإجراءات، وقد يحصل عليها من المحامي الذي ينظر إليها على أساس الأهلية أو حالة المريض الذي يمنح هذه الموافقة.

 

وكقاعدة قانونية يختلف الأمر باختلاف التشريع، وكقاعدة أخلاقية ينبني الامر على الافتراض المسبق أن المريض شخص له استقلاليته الذاتية التي تجعل له أحقية في ان يصنع قرارات العلاج وما يشابهها اعتمادا على معلومات عن الحقائق المناسبة للموضوع.

وربما على النصيحة التي يقدمها له الطبيب أو أي شخص آخر يتولى رعايته، "ليدز وآخرون Lidz et al، 1984، ص 4".  ويجب أن يتاح للمريض ان يرفض كما يتاح له أن يوافق، والمتوقع منه أن يتصرف "ككيان حر".

وتعتبر الموافقة الواعية في نظر كثير من الأطباء المعالجين الذين اعتادوا أن يعملوا تحت ضغط اتخاذ القرارات السريعة المبنية على المعلومات غير الكافية، مثلا أعلى لا يمكن تحقيقه كلية في ظل الرغبات النفسية للأشخاص المرضى لقبول الرعاية والتوجيه، وكذلك لسرعة الاستجابة حتى لمحاولات الإقناع غير المقصودة، ورغبة الطبيب الخاصة في أن يعمل. 

 

ولقد اختلف طلبها وممارستها في ظل الأوضاع السلطوية عنها في أوضاع المساواة، كما اختلفت من المجتمع المتعلم الحضري الذي تسوده الطبقة الوسطى التي تألف حركة حقوق المستهلكين عنها في مجتمع الفلاحين أو العمال أنصاف المتعلمين. 

والممارس الطبي منفصل عن هذا النوع الاخير من المجتمعات بسبب وضعه الاقتصادي الاجتماعي وقدراته وكذلك تميزه بالمعلومات والمعارف المتخصصة. 

ومن الصعب هنا تقويم موافقة المتطوعين من السجناء للمشاركة في البحوث كعينات "فالإجبار هنا… ينبع من استبدادية السجون بكل ما تعنيه هذه الكلمة كصفة متعمقة فيها وبالإضافة إلى ذلك فإن السجناء فقراء يملؤهم الضجر، ومنشغلون بموعد الإفراج عنهم مما يجعلهم عادة مستعدين لان يفعلوا اي شيء قد يقرب ذلك الموعد (كوهين Coheen، 1979).

 

وتفشل الجهود أحيانا في الحصول على الموافقة الواعية بسبب نقص المعلومات العلمية.  فالعلاج غالبا ما تكون له آثار غير مرغوب فيها، قد لا تكون معروفة في الوقت الذي يوصف فيه هذا العلاج. 

وبعض العقاقير التي تبدو بلا آثار جانبية قد تؤدي إلى مثل هذه الآثار إذا ما دخل عامل ثالث فعال.  وتتعقد الصعوبات اكثر حينما يشترك كل من المريض والطبيب في الشعور بعدم الارتياح للعلاج الفعال الذي لم تعرف له آثار جانبية، حتى لو أن المعلومات المتوافرة عنه تكذر أن تلك الآثار الجانبية قد تظهر في وقت ما. 

ومن أمثلة ذلك عقار الداي إيثيل ستيلبو سترول Diethylstilboestrol (DES) ، الذي كان يستخدم على نطاق واسع وعلى مدى سنين طويلة لمنع الإجهاض أثناء الحمل، واستخدم على نطاق ضيق كعلاج لحالات الاكتئاب التي تتعرض لها المرأة في سن اليأس. 

 

وظل هذا العقار مستخدما على مدى جيل كامل حتى تبين أنه يستبب في سرطان الرحم وعنق الرحم لدى بنات السيدة التي استخدمته (فيشر Fisher ,آبفل Apfel، 1985) واكتشف حديثا وجود مثل هذا السرطان في الحفيدات من الجيل الثاني. 

وفي عام 1989 بدأت محاكم الولايات المتحدة تقبل القضايا المرفوعة ضد منتجي هذا العقار لاتهامهم بالخسائر المترتبة على استخدامه، وذلك على الرغم من عدم وجود اي سبب في ذلك الوقت يشير ولو من بعيد إلى سمية العقار، كما أن الشركات المنتجة لم تكن مسئولة عن وصفه للمرضى .

والموافقة الواعية، وفقا لما ذكره ليدز ورفاقه (1984)، هي مجموعة من القواعد القانونية تستمر في تحقيق التحول الصارخ البطيء. 

 

وعلى الرغم من أن هذا المفهوم قد ظهر في القرن الثامن عشر فإن أول اعتراف به بدأ في عام 1957.  فطبيعة واجب الطبيب أن يكشف عن الحقائق، والاستثناءات من هذا الواجب "مثل حالات الضرورة، عدم الأهلية، والموافقة بالتوكيل، والميزة العلاجية" بدأت تحدد بدقة خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين.

وقد عكس هذا جزئيا اختمار فكرة حقوق الإنسان العالمية وارتباطها بحركة مستهلكي الخدمات الصحية، التي أخذت تنمو خلال الستينات، وأدت إلى انتشار الاهتمام باستخدام فاقدي العقول لإجراء تجارب العقاقير غير معروفة الأثر، أو ذات الآثار الخطرة عليهم، إلى جانب حالة واحدة على الأقل أجرى فيها الحقن بخلايا السرطان (لانجر Langer، 1966/1967). 

 

وظهرت المعارضة أيضا عند استخدام السجناء المتطوعين لإجراء تجارب العقاقير عليهم، وبخاصة من يحتاجون إلى التطعيم ضد التيفود وغيره من الجراثيم ومن بين الحالات التي نوقشت على نطاق واسع في الولايات المتحدة حالتان فيهما تمييز ضد الأقليات.

الأولى أن جزءا من الدراسات العديدة التي أجريت في خلال الثلاثينات بمعرفة مصلحة خدمات الصحة العامة بالولايات المتحدة قد حرمت الفقراء وغير المتعلمين من الرجال السود الريفيين في الجنوب من العلاج المتوافر كجزء من دراسة إمراضية مرض الزهري وتطوره الاكلينيكي (لجنة توسكجي Tuskegee Panel، 1973 – 19779). 

ولم تظهر النتيجة الاستعادية (retrospective) لتلك الدراسة على أنها دراسة غير مشروعة أخلاقيا إلا في سنة 1973. 

 

والدراسة الأخرى بدأت سنة 1956، واستخدمت أطفالا، مقرر أنهم متخلفون، لدراسة الالتهاب الكبدي الفيروسي Viral Hepatitis وذلك بموافقة أخذت من آبائهم 0جوروفينز Gorovitz et. Al وآخرون، 1976 ص 123 إلى 142). 

كانت هذه من بيان الحالات التي ساعدت على سرعة لفت الانظار إلى مفهوم الموافقة الواعية لحماية حقوق الأفراد الذين كانوا عرضة للتجارب العلاجية وغيرها من الإجراءات.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى