العلوم الإنسانية والإجتماعية

طبيعة القواعد والأحكام التي تنظم موضوع الإثبات

1995 الحاسوب والقانون

الدكتور محمد المرسي زهرة

KFAS

موضوع الإثبات الحاسب الالكتروني العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

تنص المادة 39 إثبات كويتي على أنه : "في غير المواد التجارية ، إذا كان التصرف تزيد قيمته على خمسمائة دينار أو كان غير محدد القيمة ، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك".

ويتضح من مجرد قراءة النص، أن المادة 39 تقرر قاعدة مكملة طبقاً للمعيار الشكلي.  ومن ثم، يجوز للافراد الاتفاق على خلاف حكمها.  ولذلك يجوز الاتفاق على جواز الإثبات بكافة طرق الإثبات مهما كانت قيمة التصرف، أو أنه لا يجوز إثبات التصرف إلا بالكتابة وحتى ولو زادت قيمة التصرف عن خمسمائة دينار.

وقد أخذت دائرة التمييز بمحكمة الاستئناف العليا بهذا التفسير بقولها : " لما كانت قواعد الإثبات ليست متعلقة بالنظام العام بما يجوز معه للخصوم الاتفاق عىل مخالفة قواعد الإثبات، وكان الثابت بالأوراق أن الطاعنة لم تتمسك بدفاعها في هذا الخصوص أمام محكمة الاستئناف ، فإنه لا يجوز لها التحدي به لأول مرة أمام هذه المحكمة"([1]) .

 

أما في مصر، فتنص المادة 60/1 إثبات على أنه : " في غير المواد التجارية ، إذا كان التصرف القانون تزيد قيمته على مائة جنيهاً أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك".

وبالرغم من صراحة نص المادة 60/1 في اعتباره القواعد التي قررتها قواعد مكملة لا تطبق إلا إذا لم يوجد اتفاق على خلاف حكمها ، فإن الفقه المصري قد اختلف في تفسير النص السابق.

فالبعض يرى أن عبارة " ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك" يجب ألا تؤخذ على إطلاقها .  بل يجب أن تفسر في ضوء ما جرى عليه العمل بالمحاكم في ظل القانون القديم . 

فقد تواترت أحكام القضاء – في ظل القانون المدني الملغى – على التفرقة بين الاتفاق سلفاً على التحلل من قاعدة وجوب إثبات التصرف القانوني بالكتابة ، وبين النزول أثناء سير الدعوى عن التمسك بها .

 

ففي الفرض الأول ، حكمت بعض المحاكم ببطلان مثل هذا الاتفاق لأن القاعدة تتعلق بالنظام العام ، أما في الفرض الثاني ، فلا تعتبر القاعدة متعلقة بالنظام العام ، ومن ثم يعتبر النزول عنها ، أثناء سير الدعوى ، صحيحاً سواء كان النزول عنها صريحاً أو ضمنياً . "

وهذه الرغبة من جانب المشرع في تقنين أحكام المحاكم… من شأنها أن تكشف عما قصده المشرع بنص المادة 60/1 على جواز الاتفاق على خلاف هذه القاعدة ، وأن يُخصص الاتفاق المشار إليه في هذا النص بالتخصيص الذي جرت عليه أحكام المحاكم قبل ذلك…".

والحقيقة أنه يصعب ، اتفاقاً مع جانب آخر من الفقه، الأخذ بالراي السابق في ظل صراحة ووضوح نص المادة 60/1 السابق .  فالنص السابق قد أجاز صراحة الاتفاق على خلاف ما قرره من أحكام – فالقواعد التي يتضمنها هذا النص هي – دون شك – قواعد مكملة طبقاً للمعاير الشكلي للتفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة . 

ومن ثم يصعب القول – في ظل صراحة النص – بانها آمرة من ناحية ، ومكملة من ناحية اخرى .  فالمعيار الموضوعي للتفرقة بين القواعد الآمرة والقواعد المكملة لا نلجأ إليه إلا إذا استحال إجراء هذه التفرقة طبقاً للمعيار الشكلي . 

 

وقد أغنانا المشرع – هنا – عن اللجوء إلى المعيار الموضوعي ، وأفصح – صراحة – عن عدم تعلق هذا النص بالنظام العام طبقاً للمعيار الشكلي .

وقد كان يمكن إعمال التفرقة التي يقول بها الرأي السابق لو أن نص المادة 60/1 جاء خالياً من جواز الاتفاق على خلاف ما يقرره .

هذا بالإضافة إلى أن المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي تفيد أن المشرع قصد إجازة الاتفاق على جواز الإثبات بالبينة في تصرف قانوني تزيد قيمته على عشرين جنيهاً . 

"وقد كان – كما تقول المذكرة – المشروع بين أن يرفع قيمة نصاب البينة ، وبين أن يُجيز الاتفاق على خالفة وجوب الإثبات بالكتابة". 

 

وقد فضل التقنين المدني الجديد الاتجاه الأخير ، فلم يرفع نصاب الشهادة، وأجاز الاتفاق على خلاف قواعد الإثبات .

أما في فرنسا ، فقد اختلف الفقه والقضاء حول طبيعة قواعد الإثبات.  فقد كان هناك في فرنسا ، في أول الأمر ، اتجاه قوي أدان اتفاقات الإثبات بوجه عام على اساس أن قواعد الإثبات هي بطبيعتها من الظام العالم.

هذا بالإضافة إلى أن "إدارة " الإثبات هو من صميم عمل القاضي، والعدالة من صميم عمل الدولة .  ولذلك لا يجوز أن يترك مثل هذا الأمر ينظمه الخصوم باتفاقاتهم .

لكن الفقه الحديث،  وكذلك القضاء ، يكاد يُجمع على أن قواعد الإثبات لا تتعلق – كقاعدة – بالنظام العام.  ومن ثم يجوز – من حيث المبدأ – الاتفاق على خلاف حكمها.  كالاتفاق على نقل عبء الإثبات مثلاً ، أو تعيين خبير… وهكذا يترتب على اعتبار قواعد الإثبات غير متعلقة – كقاعدة – بالنظام العام :

 

(أ) جواز الاتفاق على خلاف حكمها صراحة وضمناً . 

(ب) لا يجوز إثارة الدفع المتعلق بوجوب الإثبات بالكتابة لأول مرة أمام محكمة النقض

(ج) إن عدم التمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة ، وعدم الاعتراض على الإثبات بالبينة بالبينة قبل البدء في سماع الشهود يُعتبر تنازلاً من الخصم عن التمسك بقاعدة وجوب الإثبات بالكتابة ، ومن ثم يسقط حقه في الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة

(د) لقاضي الموضوع سلطة تقديرية في تقدير سلوك الخصم واستخلاص التنازل الضمني، وليس له أن يقضي من تلقاء نفسه بعدم قبول الإثبات بالبينة فيما يجب إثباته بالكتابة

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى