التاريخ

طرق انتشار العلم وتوثيق العلاقات بين العلماء

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

طرق انتشار العلم العلاقات بين العلماء التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

وحتى منتصف القرن السابع عشر، أخذ العلم ينتشر والعلماء يتزايدون وتتوثَّق العلاقات بينهم وتتوطَّد عن طريق :

1- الأثرياء : الذين نذروا أنفسهم وأموالهم في خدمة العلم ، ومن هؤلاء :

أ- نيقولا بيرسك : الثري الفرنسي الذي أخذ على عاتقه الاتصال برجال العلم أيَاً كانت جنسياتهم، وكانت غيرته على العلم والعلماء لا حد لها.

اشترى عدداً من التلسكوبات ليساعد جاليليو في دراساته، كما أغرى الفيلسوف جاسَّندي لدراسة أعمال كل من جاليليو وكبلر، وكان مهتماً كذلك بدراسات شيلي وهارفي وغيرهما، وبذلك أوجد رابطة بين المشتغلين بالعلم. وقد ترك بيرسك عدداً من الرسائل تؤكد هذه الرابطة بين العلماء في أوائل القرن السابع عشر .

 

ب- مارين ميرسن: الثري الفرنسي الذي كان صديقاً لكثيرٍ من العلماء ويحتفظ بمراسلاتهم، ويعمل على توطيد الصلة بينهم. كان صديقاً لديكارت، وعن طريقه اتصل ديكارت بكثير من علماء عصره، وكان ميرسن نفسه كاتباً بارعاً، ترجم كتب جاليليو إلى الفرنسية، وكان يعقد الندوات مع رجالات العلم على اختلافهم، ولعله من أوائل الذين شجعوا على إنشاء الجمعيات العلمية في كلٍ من إنجلترا وفرنسا .

ت- فيديرجوسيسي : الثري الإيطالي الذي كوَّن مع جماعة من شباب العلماء أول جمعية علمية هي "أكاديمية لينكس" في عام 1609، وكان على علاقة مستمرة بكلٍ من جاليليو وبيرسك وغيرهما .

 

2- الأكاديميات العلمية : التي لعبت دوراً كبيراً في عصر النهضة. وكانت إيطاليا من أوائل دول أوروبا التي تكونت فيها الأكاديميات العلمية ، ومنها انتشرت إلى كل من ألمانيا وفرنسا وإنجلترا وروسيا حتى عمَّت معظم دول أوروبا. ومن هذه الأكاديميات :

أ- الأكاديمية الإيطالية للعلوم : وهي أول أكاديمية علمية أنشأها "جيوفاني باتستا" في عام 1560 . وكان شرط عضويتها أن يكون العضو قد قام بكشفٍ علميٍ ممتاز في العلوم الطبيعية. وقد اُّتهم باتستا بممارسة السحر الأسود فحوكم أمام المحكمة البابوية ومن ثم أُغلقت أكاديميته.

وفي عام 1662 اُفتتحت أكاديمية "دى لينس" الشهيرة وكان من أعضائها جاليليو ، وقبلها بسنواتٍ خمسٍ أنشئت أكادمية "سيمنوا" في عام 1657 وكان من أعضائها توريشلِّي، وكانت تنشر بحوثاً مهمة في الطبيعيات والرياضيات .

 

ب- الأكاديمية البريطانية للعلوم : أُنشئت في عام 1616 في عهد الملك جيمس الأول وإليه انتسبت، ولكنها انتهت بوفاته. وفي عام 1645 تداول عدداً من العلماء الإنجليز من أكسفورد ولندن في إنشاء أكاديمية للعلوم التجريبية، وكان ذلك إرهاصاً بإنشاء الجمعية الملكية البريطانية التي أنشئت فعلاً في عام 1662 .

ت- الأكاديمة الفرنسية للعلوم : أنشئت في عام 1666 برعاية الملك لويس الرابع عشر وتحت رياسته، وكانت تضم أنبه العلماء الفرنسيين وغير الفرنسيين، وعلى رأسهم نيوتن، ومن أعضائها في ذلك العهد لابلاس، وبوفون، ولاجرانج، ولافوازييه، وجوسو، وغيرهم. وقد عصفت الثورة الفرنسية بالأكاديمية وبرجالها .

 

ث- الأكاديمية الألمانية للعلوم : أُنشئت في عام 1562 برياسة طبيب من ليبزج. وفي عام 1687 شمل الإمبراطور ليوبولد الأكادمية برعايته وعُدِّل اسمها ليشرف بالانتساب إليه . وفي عام 1672 أُنشئت في مدينة "الدورف" جمعية كان أعضاؤها محدودين بعشرين من كبار العلماء، وفيها نُشرت بواكير كشوف المجهر والمنظار والمضخات وتجربة توريشلِّي.

ج- الأكاديمية الروسية للعلوم : أُنشئت عام 1725 في عهد الإمبراطورة كاترين الأولى، وكانت تضم فطاحل العلماء من مثل "لومنسوف" و "رومونوسكي". وفي عهد كاترين الثانية أسهمت الأكاديمية في نشر الثقافة العلمية العامة، كما قام علماؤها بتوجيهٍ من كاترين بعمل مجيدٍ وهو أن جاسوا الإمبراطورية الروسية المترامية الأطراف منقِبِّين عن موارد الثروة بها، ودارسين لحاجات البلاد وظروفها . وكان نتيجة ذلك تقديم التقارير وتأليف المجلّدات عن جغرافية البلاد وتاريخها وطبوغرافيتها وعادات أهلها وأخلاقهم ولهجاتهم وأجناسهم وسلالاتهم، ونُشرت الأعداد الأولى من المجلّدات في عام 1728.

 

3- المجلات العلمية : التي لعبت دوراً مهماً في نشر العلم وأنباء الكشوف العلمية من غير طمعٍ في ربحٍ أو تجارة. وقد صدرت أول مجلة علمية في العصر الحديث باسم "مجلة المعرفة"  في عام 1665 عن أكاديمية العلوم الفرنسية. وسرعان ما ظهرت نظائرها في مختلف دول أوربا من مثل إنجلترا وإيطاليا وألمانيا وسويسرا وهولندا .

وفي إنجلترا ظهرت "المختارات الفلسفية" للجمعية الملكية البريطانية والتي ما تزال  تصدر بلا انقطاع تقريباً حتى اليوم. وقد ظهرت بعد صدور "المعرفة" الفرنسية بأشهر ثلاثة فقط. وكانت الجمعية تضم أعضاء من غير العلماء الإنجليز من مثل مالبيجي الإيطالي ولفنهوك الهولندي، وقد نشرت لهما مونوجرافاتٍ في علوم الحياة .

 

4- الجمعيات العلمية المتخصصة ، مثل :

أ- الجمعية اللِّينية في إنجلترا نسبة إلى عالم النبات لينيوس، وقد بدأت في إصدار نشراتها العلمية في عام 1791 .

ب- الجمعية الجيولوجية التي أُسِّست في عام 1807 وبدأت في إصدار نشراتها في عام 1811. وما زالت كل من الجمعيتين تصدر نشراتها منذ ذلك التاريخ .

 

5- المجلات العلمية المتخصصة : وقد برزت ألمانيا في إصدار مثل هذه المجلات وفاقت كل من إنجلترا وفرنسا، فثمة مجلة فسيولوجية منذ عام 1795، وأخرى نباتية منذ عام 1818 وثالثة حيوانية منذ عام 1848 .

6- المتاحف العلمية والتعليمية : وقد لعبت دوراً كبيراً في تقدم العلم وتطوره ، وقد عُدَّت من أعظم الوسائل التي تعمل على تقدم العلوم البيولوجية والطبيعة سواء في العلم أو التعلم، ويعتبر مُتحف الجمعية الملكية أول مُتحف علمي تعليمي في إنجلترا حيث أُنشئ في عام 1681 وقد نقلت محتوياته إلى المتحف البريطاني في عام 1781 .

 

كل هذه العوامل مجتمعة، كانت بمثابة القوة الدافعة لازدهار العلم في النصف الثاني من القرن السابع عشر وخاصة في الطبيعيات والرياضيات، مما أدى إلى إفراز فلاسفة وعلماء كبار من مثل: بويل وهوك وهالي في إنجلترا، وتوريشلِّي وباسكال في إيطاليا وفرنسا، وكان نيوتن أميراً لهم وعليهم جميعاً

حقاً لقد كان الصراع بين القديم والجديد عنيفاً في القرن السابع عشر، صراع العقل للهوى، ومع أن قوى الهوى كانت عاتية إلاّ أن قوى العقل قهرتها وفازت بتاج الظفر، مما أدّى إلى فتح صفحة جديدة وناصعة في التاريخ العلمي الحديث .

وفي العقد الأخير من القرن الثامن عشر ، قامت في أوروبا ثورة مجتاحة تثل العروش وتقلب الأوضاع السياسية والاجتماعية ، وقد واكبتها ووازنتها ثورة أخرى فكرية في عقول الباحثين والمكتشفين من مثل: بريستلي وبويل وديفي وفاراداي في إنجلترا، ولافوازييه في فرنسا .

وفي مستهل القرن التاسع عشر، كان جانباً كبيراً من أسرار الطبيعة قد استغلق على أفهام العلما . وكانت قواها كأنها أفراس الآلهة في أساطير الأولين شاردة جامحة ليس ثمة من يُلجمها ويكبح جماحها

 

كان ثلث العناصر الكيميائية معروفاً والثلثان مجهولين، وكانت معظم القوانين التي تُفسِّر التفاعلات الكيميائية محجوبة يلفها الشك والغموض. بل إن الكهرباء ذاتها كانت لا تزال طفلاً مقمَّطاً في مهده.

بيد أن الكشوف الفلكية الجديدة التي أيَّدت المذهب الكوبرنيكي كانت قد أشعلت في الصدور جذوة الفضول والبحث عن المجهول، ثم جاء كشف الكهرباء فطار بخيال الناس بما فيه من غرائب وعجائب.

هنا ظهر علماء عظام على المسرح العلمي المبهر من مثل: ديفي أبو الكيمياء الكهربائية، وفاراداي أبو الفيزيقا التجريبية، ووهلر أبو الكيمياء العضوية، وماكسويل صاحب النظرية الكهرومغناطيسية . . أعلامٌ وأعلام رصَّعوا تاج العلم وزانوه .

وأهلَّ القرن العشرين، فتسارعت فيه عجلة التقدم العلمي كما ازدادت عمقاً وشمولاً . . ونقدم فيما يلي أمثلة للتقدم الذي حدث في هذا القرن متمَثِّلاً في الكشوفات والنشاطات التي حازت جوائز نوبل في بعض الفروع العلمية: الفيزيقا والكيمياء والطب والفسيولوجيا .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى