ظهور أمراض مختلفة في دولة الكويت
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
وقد سارت الحياة في رتابة طبيعية إلى أن كان عام 1830 حين انتشر وباء الطاعون بين الناس، وأساس الطاعون على ما نعلم هو الفأر، ورسوله الذي ينقله إلى الناس هو البرغوث.
ولكن أنى لأناس يعيشون على الفطرة والبساطة أن يعلموا هذا السر الذي استغرق قروناً من جهد العلماء حتى يعرفوه، لهذا وقف الناس موقف المتفرج من هذا الوباء، إلا من بعض الأحجبة والدعوات التي لم تحسن التعامل مع الوباء، لهذا استطاع أن يفتك بثلاثة أرباع الناس هنا، ممن لا عون لهم ولا ملاذ في ارض لم يصل إليها علم الطب، ولا تعرف سدنته من الأطباء.
وجاء إلى المنطقة مستشرق رحالة اسمه "ستوكلر" ودوّن في مذكراته أن أهل الكويت كانوا أربعة آلاف فقط، غير أن بعضهم عندما قارن بين التقدير الأول لسكان الكويت وهو عشرة آلاف والتقدير الثاني لهم وهو أربعة آلاف، يعتريه الشك في صحة أحد التقديرين، لأنه لم يضع في اعتباره وباء الطاعون الذي مر بالكويت وحصد من أهلها ثلاثة أرباعهم.
على أية حال فأهل الكويت حتى زمن قريب، كانوا يتخذون من عام الطاعون هذا علامة يؤرخون بها الأحداث، وهم يرمزون إلى عام 1830م.
ثم تجاوز الناس محنة الطاعون، وتكاثروا وتنامى عددهم حتى وصل التعداد السكاني عام 1860 إلى حوالي عشرة آلاف نسمة مرة أخرى، بل لقد وصل إلى عدد 35 الفاً في مطلع القرن العشرين فيما بين 1900 – 1910 بسبب تدفق هجرة القبائل العربية التي دفعها عدم الاستقرار السياسي إلى الرحيل، فقصدت الكويت وحطت رحالها على أرضها حيث أحست بالأمان.
غير أن نهاية الحرب العالمية الأولى وعقبها بقليل بالتحديد عام 1918 شاعت في العالم أجمع موجة عارمة من وباء الانفلونزا الشديدة، التي يبدو أن سببها فصيلة من فيروسات الأنفلونزا لم تتعود عليها أجسام الناس وليس لهم بها خبرة ولم تتحصن أجسامهم ضدها بأجسام مضادة لها.و
عليه فقد حصدت الأنفلونزا الضاربة في ذلك العالم والذي يليه 20 مليون ضحية في أوروبا وحدها، ولا شك أن الأنفلونزا قد مرت بالكويت ولم تستثن أهلها إذا كانوا يسمونها باسم أنف العنزة، ولكن أحداً لم يهتم بتعداد ضحاياها هنا، ولم تترك بعدها خبراً نستهدي به عما صنعت على أرض الكويت ولا ما فعلته بأهلها.
عبر السنوات التي تلت لم يحدثنا التاريخ عن وباء معين محدد، ولكن كانت هناك دون شك أمراض أخرى تعاملوا معها بقدرية البدوي البسيط الذي كان محور تعامله مع الأمراض والعلل هو مفهوم القضاء والقدر، يؤمن بهما إيماناً مطلقاً مردداً قوله تعالى "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".
وكأنه لم يسمع بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام "تداووا يا عباد الله فما خلق الله من داء إلا خلق اله دواء".
على أية حال فالدواء عندهم إذا ما تداووا كانت محاولة الكي والأحجبة والعطارة التي قوامها الأعشاب الشعبية، وعندما جاءت سنوات الثلاثينات من هذا القرن تحمل معها الضائقة الاقتصادية التي حلت بالعالم أجمع ولم ترحم أحداً لا هنا ولا هناك، حملت معها أيضاً وباء الجدري عام 1932، وكان برفقة جموع اللاجئين القادمين من أرض الجزيرة العربية.
لقد حل الوباء في زمن لم تكن تتوفر فيه أية عناية طبية، ولا وعي طبي يدفع الناس إلى الوقاية بالتطعيم، لهذا وقفوا منه موقفاً سلبياً إن لم يكن موقفاً معارضاً، ولهذا أعرضوا عن التطعيم، ومنه وجد الجدري فرصته لقتل سبعة آلاف من سكان الكويت دفعة واحدة، ومن نجاة الله من الوباء ترك بصماته واضحة على وجهه الذي تبقع أو عينيه التي عميت.
ومن يومها والناس يؤرخون بعام الجدري عام 1932. هناك وباء آخر لم يكن له زمان ولا مكان، إذ كان يتسلل في زحمة الجهل به، وإهمال الوقاية منه وسوء التغذية، ذلك هو داء السل (أو الدرن) فقد كان مألوفاً أن تجد العديد من الناس يلاحقهم السعال المدمم، وهم يعللونه بنزلة برد، أو لمسة من هواء بارد، فما الذي نتوقعه من الناس في زمان لم يكن فيه أجهزة للتشخيص، ولا أدوية للعلاج، ولا وسائل للتوعية؟ بل كانوا يستريبون بها، ويفضلون عليها الاتكال على الله وعلى التقاليد؟
كانت البداية للعلاج والوقاية والوعي الصحي في الكويت غير موجودة قبل ذلك … وقد وجدت منذ قدمت البعثة الطبية الأميركية إليها بدعوة من شيخها الشيخ المغفور له "أحمد الجابر" عام 1910.
وقد أقامت البعثة أول عيادة طبية لها، لكنها كما هو متوقع لم تجد قبولاً من الناس في ذلك الوقت، وأثروا العلاجات الشعبية من عطارة وأحجبة ووسائل بدائية على هؤلاء الدخلاء في تقديرهم.
ولكن هذا كله لم يفل في عزائم البعثة أو القائمين عليها، ولا السلطة الحاكمة في الكويت التي سمحت بإقامة أول مستشفى للبعثة الأميركية بعد ذلك عام 1913، فكان المستشفى الأميركي المعهود، وكمحاولة لكسب ثقة الناس فقد عمدت الدكتورة "اليانور كافرلي"، وهي أول امرأة طبيبة في البعثة في اتخاذ اسم عربي لها هو "خاتون حليمة" تقرباً من نساء الكويت اللواتي ألفنها وأحببنها فيما بعد!
سار الحال على هذا النحو حتى قامت أول دائرة للصحة في الكويت عام 1936، وكان باكورة نشاطها هو إنشاء أول مستوصف حكومي في عهد المغفور له الحاكم الشيخ "أحمد الجابر"ز
ثم توالت الإنجازات وتلاحقت … فكان افتتاح أول عيادة للنساء عام 1940 وكان بدء المشروع في بناء المستشفى الأميركي عام 1941 والذي حالت ظروف الحرب العالمية الثانية دون إنجازه، إلى أن افتتحه المغفور له الشيخ "أحمد الجابر" عام 1949 ليتسع لمائة سرير.
وكان من الطبيعي أن يتزامن الوعي الصحي والإقبال على الطب الحديث مع انحسار موجات الاوبئة والأمراض التي وجدت على أرض الكويت لها مرتعاً في الماضي حتى أنها قادت عجلة التاريخ، وسارت بها كما شاءت لا كما شاء الناس، ثم كان أن وقفت عربة الأوبئة، وسار التاريخ كما شاء البشر على الدرب الذي رسموه فيما بعد.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]