علاقة الثقافة وحقوق الإنسان بعمليات نقل وزرع الأعضاء الآدمية
1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان
الدكتور يوسف يعقوب السلطان
KFAS
فيما يتجاوز القضايا العلمية والاكلينيكية نجد أن الاعتبارات المتصلة بحقوق الإنسان متأصلة في القيم والقوانين العديدة السائدة في كثير من الدول التي تجري فيها هذه العمليات، والتي يختار منها من يمنحون الأعضاء والأنسجة.
وتتناول هذه القيم والقوانين كل خطوة من خطوات العملية بدءا من اختيار المانح؟ إلى اختيار الشخص المستقبل، وترتبط بها قضايا العدالة (المساواة في العلاج) والمستفيدين (الذين تتم العمليات لصالحهم) والاستقلالية (المحافظة على حرية الاختيار بالنسبة لكل المشاركين).
وهناك عنصر غير محدد المعالم من بين مصفوفة العناصر الثقافية هو غالبا ما ينادي به العلماء والاطباء الغربيون، ويجد تأييدا من جمهور العامة، ألا وهو ضرورة الوصول إلى الحد الأقصى من توافر الاعضاء اللازمة للزرع أو النقل وهو أمر لا تشارك فهي كل الثقافات.
وكما ييرى لوك Lock وهوندي Honde (1990) ربما كان من الواجب التساؤل عن السبب في أن الديمقراطيات الصناعية في الغرب، بخلاف غيرها من الدول، وبخاصة اليابان، قد توصلت بوضوح وبسرعة إلى الوضع الذي أصبح فيه نقل وزرع الأعضاء مقبولا كعمل روتيني عادي، (ص99) .
إن المسألة هي اعتياد مثل هذا الامر الحيوي، أكثر من التحليل الدقيق الحساس المفصل بعمق لحالة كل فرد متأثر على حدة وأثر ذلك على وضع أسرته أو أسرتها وهذه هي القضية.
ويدخل في هذا السياق التعريف الثقافي للموت، ومدلولات تشويه الجسد، وتقطيع الأوصال بعد الموت واعطاء جزء من جسم شخص إلى آخر، ودرجة قبول هذا الإجراء من جانب الأسرة والذرية.
فالمتبرعون بالأعضاء والأنسجة إما أن يكونوا بالغين حديثي الموت أو أجنة مجهضة أو بالغين أحياء او مواليد حديثي الولادة بدون أدمغة وعلى كل فلا توجد دولة أو مجتمع يسمح فيه باعتبار الشخص الميت مجرد مصدر للأعضاء أو الأنسجة التي تستأصل تستخدم في جسم آخر.
فكل مجتمع من المجتمعات يعبر عن احترامه لأجساد الموتى ويحميها بطرق من بينها المعاملة الشعائرية لهذه الأجساد وتقديرها القانوني الرفيع.
وقد تتغلب الاعتبارات الثقافية على مفاهيم المجتمع الصناعي وسيطرة التكنولوجيا. ففي الولايات المتحدة تتردد جماعات الأقليات في منح الاعضاء رغم أنها من الجماعات الرئيسية التي تحتاج إلى نقل وزرع الأعضاء (انظر الجزء اخاص بالاختيار الذي سيأتي بعد).
وفي اليابان مع توافر التكنولوجيا فإن نقل الأعضاء بصورة عادية روتينينة لم يحدث بعد. أما عن الجدل العصيب الذي يدور هناك حول تحديد وتعريف الموت، ونقل وزرع الأعضاء فإنه قد اقتصر كلية على من لا يحتاجون إلى متبرعين ممن ماتوا دماغيا.
ويدخل في الموضوع مفهوم الكوكورو او الروح التي هي في نظرهم بمثابة نواة الفرد الخاصة، التي لا يمكن نزعها وإعطاؤها لشخص آخر (لوك وهوندي، 1990) هذا ولم يمكن التوصل إلى إجماع جماهيري او مهني حول قبول موت الدماغ كمعيار او مبرر لنقل الأعضاء لزرعها في أجسام اخرى، كما لا يوجد إجماع حول عملية النقل والزرع ذاتها.
ولقد أدى الجهل واللامبالاة أو مجرد عدم القدرة على مواجهة المشكلة في الكثير من الاقطار إلى حماية متفاوتة غير منتظمة من احتمالات استغلال المانحين أو المتبرعين.
وحتى في الأماكن التي توجد فيها مثل هذه الحماية فإن الاحتياج الإنساني والطمع يتآمران للاحتيال على المعايير القانونية.
أما في الاقطار التي توجد بها محرمات ثقافية ودينية تمنع الإخلال بجثث الموتى بأي صورة من الصور فأحيانا توجد رغما عن القانون، سوق سوداء للاتجار في الأعضاء وبخاصة الكلى التي يمكن أخذها من الأحياء ولكننا نجد في الدول الأقل نموا، وبعيدا عن الاعتبارات الثقافية والقانونية، أن الفقر ونقص التعليم السائد في أوساط الأقليات، يؤديان إلى إيجاد فرص كبيرة للاستغلال.
أما في الدول التي لا توجد بها قوانين تمنع بيع الأعضاء، فهناك حملات تطويع ودعوة تستخدم الأساليب الفنية للترويج والبيع، غالبا ما تؤدي إلى إلغاء وأبطال أثر الموافقة الواعية لدى المواطنين الفقراء الذين ينظرون إلى الكسب المادة مرة واحدة على أنه فرصة الحياة التي لا يجب تفويتها، وبالتالي تطغى هذه النظرة على الحكم العقلاني الواعي.
فالحوافز المادية في مثل هذه الحالات تعادل الإرغام وتشجع على القبول الإجباري. وتتولد هذه الرغبة من خلال الإعلانات التي تبث في الراديو والتليفزيون وتنشر في الصحافة عن بيع الأعضاء، بين سكان الأحياء الفقيرة في الهند.
ولقد كشفت الاستقصاءات التي أجريت مع المتبرعين عن رضاهم وارتياحهم بالحصول على قدر كبير من المال لم يكونوا يحلمون بالحصول عليه طول حياتهم من خلال هذه العملية، وكذلك عن حالات الحزن والأسى على فقدان الصحة وزيادة التعرض للأمراض، ويمكن أن تنتقل ممارسة مثل هذه العملية إلى آخرين من أفراد الأسرة الذين قد لا تكون موافقتهم مؤكدة.
وهذا يفسر ما حدث في أورجواي حيث باع أحد العمال كليته لتاجر غني وكلية ابنته إلى مليونير مريض وكلية زوج ابنته إلى مدرس متقاعد (انظر جريدة Baltimore Sun عدد 2 ديسمبر 1991). فبالنسبة لأمثال هؤلاء الناس يعتبر نقل الأعضاء، كما هو واضح دلالة على الطريقة التي يمكن بها استغلال أجسامهم من أجل المكسب المادي وتسهيل حياتهم الاقتصادية (في الوقت الذي يعرضون فهي أجسامهم واستمرارية حياتهم الصحية بطريقة تصورية للأخطار).
وبينما يبرر الجراحون عملهم على انه من قبيل المساعدة الاقتصادية للفقراء الذين يتبرعون، مع إنقاذ حياة الأثرياء الذي سيتقبلون هذه الأعضاء، فمن المؤكد أيضا أنه لهم دوافعهم المادية، وسوف نتناول هذه النقطة بالتفصيل فيما يتعلق بإخضاع الحصول على الأعضاء للقوانين التجارية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]