أحداث تاريخية

علاقة “الموت الأسود” بوباء الطاعون

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

الموت الأسود وباء الطاعون أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة

ظاهرة الوباء الذي يفتك بالجرذان قبيل فوعته بين البشر هي ملاحظة قديمة جداً، تعود إلى عام 50 قبل الميلاد.

حين لاحظ "سترابو" في أسبانيا هذه الظاهرة الغريبة، ولكن لم يعرها أحد أي اهتمام منه إلا طبيبنا الإسلامي الكبير ابن سينا، الذي أدلى بدلوه هو الآخر بل وكان أقربهم إلى الصواب حين وصف الجرذان وهي تخرج من جحورها مترنحة لتموت في الطرقات،، وهذا يكون نذير شر مستطير يسبق المرض الفتاك والموت الزؤام لأنه مقدمة الوباء.

على أية حالة فالأمر لم تتضح معالمه إلا مع إطلالة القرنين التاسع عشر والعشرين حين اكتشفت الحلقات المفقودة الفأر – البرغوث – الإنسان.

قبل هذا كان يعم البلاء ويسود الدمار مما استحق معه الوباء أن يحمل اسم الموت الأسود.

كيف ولماذا يكون الموت الأسود؟ بعضهم يقول لعلها ترجمة خاطئة لمعنى شديد فجرى على اللسان خطأ شائعاً، وآخرون يعزونها إلى بقع سوداء تملأ الجلد إثر النزيف… لا يهم فهو موت أكيد على أية حال مهما كان لونه. 

ولكن أهل العصور الوسطى لم يجدوا في جعبتهم سوى تلوين الأمراض، فكان الموت الأسود للطاعون، وكان الموت الأبيض للسل، والموت الرمادي لمرض الزهري وهكذا لأمراض دفعوا ثمنها ضحايا وهم لا يعرفوا لها سراً، وكما قال الشاعر:

من لم يمت السيف مات بغيره      تنوعت الأسباب والموت واحد

غير أن الذاكرة البشرية إن نسيت فلا يمكن لها على الإطلاق أن تنسى الموت الأسود الذي عم العالم قاطبة في القرن الرابع عشر، وحكم أوروبا ثلاثمائة عام متواصلة، أباد فيها ربع سكانه بما يقدرونه بخمسة وعشرين مليوناً من البشر دفعوا حياتهم قرباناً لهذا الشيطان عدا ملايين أخرى ربما هربت من براثنه ولكنها دفعت الثمن معاناة وعذاباً، يقدرهم المؤرخون بثلثي سكان أوروبا كلها عدا سكان باقي العالم من حوض البحر المتوسط إلى بحار الصين البعيدة.!

 

كانت البداية عام 1343م حين كان جمع من تجار "جنوا" قادمين من أرض الصين، يحملون معهم بضائعهم من الحرير والتوابل على ما اعتاد عليه تجار إيطاليا في ذلك الزمان، فإذا بفرقة من جند التتار تلاحقهم طمعاً فيما حملوا، فلم يجدوا لهم بداً من الالتجاء إلى ميناء "كافكا" القريب من شبه جزيرة القرم على ساحل البحر الأسود، وكان أن حاصر جند التتار مدينة "كافكا" ثلاث سنوات متواصلة، ولكن دون جدوى، وما هو إلا يوم توقف فيه التتار فجأة عن رشق المدينة بالحجارة بواسطة المجانق لكنهم بدأوا بدلاً منها يرشقونها بالجثث الميتة بسبب الطاعون.

ربما كانت هذه أولى صور الحرب الميكروبية في التاريخ، ثم رحلوا بعدها وفكوا الحصار بعد أن أباد الطاعون منهم الكثير، غير أن أهل مدينة "كافكا" أصابهم الذعر الشديد والهلع، فما كان من التجار الطليان إلا أن اعتلوا سفنهم الثلاث الباقية، ورحلوا إلى بلدهم "جنوا".

لقد كانوا آلافاً مؤلفة، ولكن الذي وصل أهله سالماً هم عشرة فقط من هذه الآلاف!! ولكن أهل "جنوا" رفضوا استقبالهم، فحمل بعضهم متاعه إلى مرسيليا وآخرون إلى أيسلنده والبقية إلى جهة لم يعلمها أحد.

 

ربما ماتوا في الطريق … لا أحد يدري سوى الله؛ لهذا لا عجب أن عمت الكارثة كل أوروبا عام 1348م، وما هي إلا ثماني سنوات فقط حتى كان الموت قد حصد منهم 25 مليوناً حتى أن محرراً في النشرة الإيرلندية كان اسمه "جون كلاين" كتب يقول في نشرته:

(لقد أقفرت المدن والقرى، فلا تجد أحداً من أهلها، لأن بعضهم مات من الدمامل "طاعون دملي" وبعضهم الآخر كان يبصق دماً "طاعون رئوي").

لقد توقف الكاتب عن الكتابة عند جملة خالدة هي "إنني أنتظر الموت" ثم وقف القلم عن الكتابة لأنه مات حقاً. 

ربما كانت الإحصائيات لا تتسم بالدقة، فهي مستقاة من وثائق الكنائس التي كانت تضطر إلى تغيير قساوتها باستمرار بين حين وآخر بسبب موتهم، وهكذا عاش العالم ثلاثمائة سنة متواصلة في رعب وخوف وهلع وموت.

حتى أن النظام الإقطاعي الذي كان سائداً في حينه لم يعد يجد مقومات البقاء بعد أن مات العمال والفلاحون في الإقطاعيات في أوروبا، وأصبحت أجور من بقي منهم باهظة، لهذا زالت دولة الإقطاع وسار النظام الاجتماعي نحو الرأسمالية يحدوه التقدم الصناعي الذي هلت تباشيره، وما كان باقي العالم من الوطن العربي إلى أقصى الهند والصين في منجاة تلك الأيام، من هذه الكارثة المتجددة بين حين وحين.

 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى