علاقة مرض الطاعون بالجرذان
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
مرض الطاعون الجرذان التاريخ المخطوطات والكتب النادرة
قصة زامر الحي من أدب الأطفال الألماني كتبها شاعرهم "روبرت براوننغ" عام 1284م.
عن زامر فقير يعزف على الناي ألحاناً سحرية تجتذب انتباه الجرذان فتتبعه وتلحق به إلى حيث سار، وكان أن مر يوماً بقرية صغيرة اسمها "هيميلين" Hemilen فعرض على أهلها أن يخلصهم من مشكلة الجرذان التي عاثت في القرية فساداً، وأعملت فيها تخريباً، فاتفق أهل القرية مع الزامر على قدر من المال يدفعونه له إذا ما تم الأمر وانتهى على أكمل وجه.
وهكذا فقد عزف الزامر على الناي ألحاناً خاصة، فإذا بالجرذان تخرج من جحورها وتتبعه إلى حيث سار نحو الفيزر Waser القريب. فغرقت فيه جميعها وماتت كلها.
وعندما طلب الزامر أهل القرية بأجره المتفق عليه تنكر له القوم، وأنكروا عليه أجراً باهضاً مقابل عمل سهل بسيط، فما كان من الزامر الغاضب إلا أن عزف ألحاناً أخرى سحرية فإذا أطفال القرية جميعاً يلحقون به، فما كان منه إلا أن سار بهم إلى حيث كهف يسمونه "كوينبيرغ" فدخلوه وراء الزمار إلى غير عودة. وما زال أهل قرية "هيميلين" ينتظرو عودة أطفالهم منذ ذلك الوقت ولكن هيهات…!!
القصة قد تبدو خرافة صاغها خيال شاعر، ولكنها دون شك تعبر عن معاناة الناس في ذلك الزمان من واقع يعيشونه بسب انتشار الجرذان وفوعتها فهي إذن ليست خيال شاعر على ما قد يتوهم البعض، وإنما هي واقع صيغ بصورة خيال…
كانت الجرذان في القديم تشكل بالنسبة للناس قضية تفاوتت مواقفهم منها بين القبول بالواقع والقناعة، وبين الرفض ومحاولة الخلاص، ثم صاغوا قناعاتهم بصورة مختلفة تتراوح بين الكراهية لها والخوف منها، وبين التقديس والرهبة!
لهذا فقد نجد اتباع "زرادشت" في فارس يكرهون الفئران كراهية عمياء، لأنها تعيش في الظلام، ويعتقدون أن في قتلها خدمة لله ورضاء الرب إله النورّ
أما اليهود القدامى فعندهم أن أنواع الفئران سبعة كلها نجسة ولا يجوز أكلها بعد أن حرّمها الربّ!
وكان الهندوس في أرض الهند يؤمنون بإله اسمه "ردرا" هو إله الحياة والموت عندهم، لهذا فهو مسؤول عن الأوبئة الفتاكة، ويعتقدون أنه قد اتخذ من الجرذان جنوداً أوفياء، فإذا ما شاهد الهندوس أفواج الجرذان الميتة دب فيهم الذعر، وعَدَّوا ذلك نذيراً بالموت وحملوا متاعهم ورحلوا إلى الريف هرباً، وسكنوا أكواخاً يقيمونها هناك في الخلاء… الهندوس يهربون خوفاً من غضب الرب وليس خوفاً مما قد يحمل الجرذان إليه من نذر… وهذه النذر ما هي إلا.. الطاعون.
ولكن أحداً في القديم لم يكن يربط بين الجرذان والطاعون وكان الهندوس بمنجاة دوماً من الوباء بسبب الهرب على خلاف الطوائف الدينية الأخرى المؤمنة بالقضاء والقدر، والذين يحل بهم الوباء على هيئة الطاعون فيستسلمون لهّ ولا تخطر على بالهم أبداً أوفاج الجرذان! فما علاقة هذا المرض القاتل؟
أما الإغريق فكان عندهم إيمان بالإله "أبولو" فهو إله الفنون، من شعر وموسيقا، وهو إله الشفاء. أيضاً فهو الذي يحميهم من الأوبئة، ومنها الطاعون فقد كان يقتل لهم الجرذان.
ولم يخرج مسيحيو القرون الوسطى درب القناعة، بأن هناك قديسة اسمها "جيروود" هي ملاذهم التي يستشفعون بها عندما تحل به محنة، أو تنزل بهم نازلة، وهي التي تكفيهم شر الطاعون وشر الجرذان معه.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]