عمليات ما بعد النشأة في الصخور الرسوبية الثلاثة الرئيسية
1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الرابع
KFAS
الصخور الرسوبية عمليات ما بعد نشأة الصخور الرسوبية علوم الأرض والجيولوجيا
تختلف عمليات ما بعد النشأة من حيث نوعها وشدتها باختلاف الصخر الرسوبي من جهة، وظروف وبيئة العمليات بعد الترسيبية من جهة أخرى.
لذلك سوف نلقى بعض الضوء على عمليات ما بعد النشأة في الصخور الرسوبية الرئيسية: الحجر الرملي– الحجر الجيري والطين.
أ) الحجر الرملي:
تتباين عمليات ما بعد النشأة في الأرينيت الكوارتزي عن الأركوز وكذلك الجريواكي (الجرواق) وذلك لاختلاف التركيب المعدني لكل منها.
يتميز صخر الأرينيت الكوارتزي– الذي يحتوي على نسبة عالية من الكوارتز والصوان (سليكا SiO2) تتجاوز 95% إضافة إلى بعض الفلسبارات والمفتتات الصخرية– بعمليات ما بعد الترسيب حيث تؤدي إلى استدارة وذوبان جزئي لأسطح حبيبات الكوارتز، بينما يتآكل الصوان ويتناقص لقلة ثباته مقارنة بالكوارتز.
ومن جهة أخرى يتكون الجلوكونيت مكاني النشأة وينتقل لمسافات قصيرة ليترسب مرة أخرى محلياً.
ومع بداية دفن الرمال يبدأ ترسب سليكا ثانوية حول حبيبات الرمل، مما يؤدي إلى تماسكها جزئياً وتظل عملية السمنتة الكاملة غير واضحة في مرحلة بداية الدفن.
يعقب ذلك ترسب لحام جيري والذي تؤدي زيادته أحياناً إلى تباعد حبيبات الكوارتز عن بعضها البعض فيما يعرف بحبيبات الرمل الطافية(Floating Sand Grains) مما يؤدي أحياناً إلى تغيير الحجر الرملي جانبياً إلى حجر جيري.
وتتميز المرحلة الأخيرة من مراحل عمليات ما بعد النشأة بالدفن العميق للصخور وبعمليات سمنتة جيرية متزامنة مع ذوبان جزئي أو كلي لحبيبات الرمل الكوارتزي نتيجة لتغير الأس الهيدروجيني لبيئة عمليات ما بعد الترسيب، والذي يصبح قلوياً نوعاً ما وفي عدم وجود مصدر للحام الجيري تتداخل حبيبات الرمل في بعضها البعض.
وينشأ عن ذلك حواف مشرشرة كأسنان المنشار، أو حواف مستوية لتكوّن ما يعرف بنقطة الالتقاء الثلاثية (Triple Point Junction).
ومنشأ مثل هذه الحواف يعتبر نوعاً من أنواع خطوط الذوبان والذي يكون الزوائد الصخرية (Stylolites).
وفي صخور الأركوز ذات الحبيبات الصغيرة الحجم والمحتوية على بعض الكنان (Matrix) يظهر النمو الفوقي (الحولي) حول حبيبات الفلسبار، كفلسبار بوتاسي ثانوي مكاني النشأة، ونادراً ما ينمو معدن الألبيت (فلسبار صودي) حول حبيبات الفلسبار.
وتكون عمليات ما بعد النشأة أكثر وضوحاً في الأحجار الرملية الطفلية عن الحجر الرملي النقي.
ففي بداية مراحل الدفن تترسب السليكا كصوان حول حبيبات الكوارتز الكبيرة مما يؤدي إلى تلاحمها. وتصبح بعض معادن الطين غير ثابتة كما تظهر عقد من معدن السيديريت إذا كانت البيئة الترسيبية مالحة (brackish)، أو بحرية غنية بأيونات الجير والمواد العضوية المختزلة.
أما مراحل الدفن المتقدمة فتتميز بسمنته جيرية تؤدي إلى تآكل حبيبات الكوارتز (تكون الصوان بدلاً من معادن الطين) الكنان بواسطة عمليات الإحلال الكيميائي.
ويتمثل ذلك في تغير المونتميرولونيت ومعادن الطين المزدوجة الرقائق إلى ألبيت وكلوريت وبيوتيت جيد التبلور.
ويشير وجوده إلى بيئة مختزلة غنية بالمخلفات العضوية الكربونية، بينما يدل وجود الماسكوفيت والأليت على أن البيئة مؤكسدة وتتمثل عمليات ما بعد النشأة بصخور الجريواكي (الجرواق) بتفاعلات واضحة المعالم تؤثر بشكل كبير على حبيبات المعادن، وتهشم حوافها مما يؤدي إلى تحويلها إلى كنان يملأ ما بين حبيبات الرمال.
وينتشر تكوين الكلوريت كمعدن مكاني النشأة. ويفسر إعادة تبلور معادن الطين ولحام حبيبات الرمل بتداخلها بعضها في بعض على أنها عمليات مميزة لمرحلة ما بعد النشأة المتقدمة للجريواكي.
وقد اقترح دابلز في عام 1967 تقسيم عمليات ما بعد النشأة في الصخور الرملية إلى ثلاثة مجموعات (مراحل) تتميز كل منها بمجموعة من العمليات ما بعد الترسيبية.
ولو أن هناك العديد من العمليات تتم في أكثر من مرحلة. وعموماً فإن المراحل الثلاث تتعاقب ولو أن التداخل بين المراحل المختلفة وارد وممكن والمراحل الثلاث هي حسب ترتيب تكوينها:
1- مرحلة الاختزال والتأكسيد (Redoxomorphic Stage)
2- مرحلة السمنتة (Locomorphic Stage)
3- مرحلة الفلسبار والميكا مكاني النشأة (Phyllomorphic Stage)
وتبدأ المرحلة الأولى مع بداية ترسيب الرواسب، ويتحكم فيها بالدرجة الأولى جهد الاختزال والتأكسد، فإذا كانت البيئة مؤكسدة تكونت أكاسيد الحديد الحمراء اللون (شكل 4)
أما إذا كانت البيئة مختزلة فإن المواد العضوية والكربون تكثر بها وتنتشر المعادن المختزلة ويصبح لون الصخر أسوداً أو رمادياً غامقاً (داكناً) أو رصاصياً أو أخضر.
وتتميز المرحلة الثانية بعمليات السمنتة والإحلال المعدني والنمو الفوقي حول الحبيبات (شكل 3). وتظل السمنتة هي السمة الغالبة لهذه المرحلة.
أما المرحلة الثالثة والأخيرة والتي تسبق عمليات التحول (Low Grade Metamorphism)، فإنها أكثر المراحل تقدماً.
ويتكون فيها الفلسبار والميكا كمعادن مكانية النشأة تحت ضغط ودرجة حرارة عاليين. مما يجعل الأحجار الرملية الممثلة لهذه المرحلة محدودة الانتشار.
ب) صخور الطين:
وتتمثل عمليات ما بعد النشأة في الطفل أساساً بتغير لون الصخر، ووضوح التورق والتطبق، وتحلل معادن الطين غير الثابتة، وإعادة تبلور معادن أخرى.
وظهور أنواع محدودة التركيب من الميكا ويزيد من وضوح التصفح على مستويات التطبق والتورق تكوين المواد العضوية بالصخور وخصوصاً محتواها من أخشاب.
وبالرغم من أن التصفح بهذه الصخور ينشأ أصلاً كنتيجة لتكرار وتعاقب ترسيب حبيبات الغرين والطين، إلا أن ازدياد وتناقص الحمل (الثقل) الناشئين عن تراكم رواسب جديدة وتعريتها. وكذلك ترتيب وتوجيه مكونات الطفل الكربونية والعضوية يؤدي إلى ازدياد وضوح التصفح به.
ومن المعروف أن مسامية الطين عالية جداً أثناء الترسيب لذلك تعتبر عملية الدمج والإحكام (Compaction) من عمليات ما بعد النشأة الهامة.
والتي تؤدي إلى طرد مياه الترسيب تدريجياً حتى تتلاصق حبيبات الطين بعضها ببعض، وتتناقص مسامية الصخر لتصل تقريباً إلى الصفر.
ويتحكم الأس الهيدروجيني (الحمضية/ القاعدية) وجهد التأكسد/ الاختزال للبيئة في عمليات ما بعد النشأة لمرحلة الدفن الأولية.
حيث «تتلاشى أيونات الماغنسيوم في هذه المرحلة، ويرجع ذلك إلى استهلاكها في تكون معدني المونتمورولونيت والدولوميت، بينما يزداد تركيز أيونات البوتاسيوم والسليكا نتيجة لتحلل الفلسبارات غير الثابتة.
ويعنى انتشار اللون الأسود والرمادي الداكن في الصخور الطينية أن ظروف ما بعد النشأة كانت مختزلة، بينما يدل اللون الأحمر والرمادي الفاتح ووجود الأكاسيد والايدروكسيدات على أن الظروف المؤكسدة كانت سائدة.
ويعتبر معدن الكالسيت كشافاً جيداً لقيم الأس الهيدروجيني لبيئة عمليات ما بعد النشأة. فهو يترسب عند أس هيدروجيني مساوٍ لـ 7.8 تقريباً.
وخلال مرحلة الدفن الأولى لصخور الطين في البحار العميقة. يتحول الزجاج البركاني المترسب كرماد بركاني، بفعل المياه الموجودة في مسامات الصخر ذات الأس الهيدروجيني العالي إلى مونتمورولونيت وأوبال كريستوباليت: إضافة إلى مكونات أخرى جديدة.
وتتميز فترة الدفن المتأخرة (الشديدة) إلى زيادة الترتيب البنائي لمعادن الطين. والتي تؤدي إلى تكوين الميكا والكلوريت وإعادة بلورة المعادن في هيئة تجمعات بلورية.
وعلى سبيل المثال يعاد بَلْورة الصوان «الشرت» ككوارتز، وبازدياد دفن الصخور الطينية يصبح معدن المونتمورولونيت غير ثابت معطياً معدن الإليت ويصغر محور «b» لمعدن الكاولينيت بازدياد درجة الحرارة.
وبوجه عام تزداد نسبة الإليت الجيد التبلور ليشكل أكثر من 80% من معادن الطين بالصخور ويختفي معدن الكاولينيت من الصخور المدفونة على أعماق كبيرة.
ج) صخور الكربونات:
تعتبر هذه الصخور أكثر الصخور تأثراً بعمليات ما بعد النشأة والتي تتمثل في تغيرات شاملة في حجم الحبيبات ومسامية الصخور، ونمو معدني مكاني النشأة.
وتشتمل مثل هذه التغيرات على إعادة تبلور معادن الكربونات وإدخال قدر كبير من الماغنسيا والسليكا إلى تركيب الصخور.
وتحتوي تعديلات ما بعد الترسيب الأولى على عمليات سمنتة أولية بإعادة تبلور معدن الأراجونيت المكون لأصداف اللافقاريات إلى أراجونيت إبري أو كالسيت شفاف لامع (سبار).
وتثبت الطحالب رقائق الكالسيت العالي الماغنسيوم مما يغني البيئة بالماغنسيوم، والذي يعتبر الحلقة الأولى في تكوين الدولوميت.
وتؤدي عملية إعادة التبلور لهياكل الأحافير إلى تدمير وتشويه البنية والتراكيب العضوية للمكونات، وتماسك وتلاصق شديدين للفتات الجيري بعضه ببعض دون حاجة إلى مادة لاحمة مضافة (شكل 5).
وتتم إعادة التبلور بشكل متدرج من صخر جيري يحتوي على فتات أحفوري متلاحم بلحام واضح متبلور.
ويتدرج حتى يصل إلى صخر جيري يحتوي على فتات أحفوري محكم الرص ومتلاصق ومتماسك بعضه ببعض دون ما وجود للحام مستقل مظهراً نسيجاً حبيباً.
ومن أهم عمليات ما بعد النشأة في صخور الكربونات ما يعرف بعملية الدلمتة. والتي يتكون بها صخر الدولوميت. وتتم تفاضلياً في الصخور الجيرية.
وغالباً ما تعقب تكون العقد السيليسية في الصخور الجيرية. وتنتشر الدلمتة في التراكيب المحدبة المستقرة لفترات زمنية طويلة.
وتنشأ عن فعل المياه الغنية بالماغنسيوم (خليط من المياه الجوفية ومياه بحرية 30%) على الصخور الجيرية الضحلة فيذوب معدن الكالسيت ويترسب بدلاً منه معدن الدولوميت (Ca, MgCO3).
وتنتشر السليكا في صخور الكربونات على هيئة عقد أو درنات وعدسات صوانية موازية وشبه موازية للطبقات الجيرية.
ويعتقد أن السليكا قد أضيفت كأوبال حيوي إلى صخور الكربونات في مرحلة الدفن الأولى للرواسب، وما يعقبها من تصخر، وأعيد ترسيبه وبَلورَتُه على هيئة كريستوباليت ثم كوارتز في عقد وعدسات صوانية (شكل 6).
ومن أمثلة عمليات ما بعد النشأة المتأخرة لصخور الكربونات تحول الدولوميت إلى كالسيت مرة ثانية، فيما يعرف بعملية الكلستة (Calcitization). وتبلور فلسبار مكاني النشأة على هيئة ألبيت منخفض درجة الحرارة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]