البيولوجيا وعلوم الحياة

عملية البيولوجيا الإنجابية وتفسير الأحداث التي ترافق المراة داحل جسدها

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

كانت خطوة قصيرة في التخيّل من ترابط الدنا إلى تصميم الأطفال. بيد أنها طريق طويلة منذ الاكتشاف في أواسط القرن التاسع عشر أن الحياة – على شكل كائنات حيّة بما في ذلك البشر – تبدأ عند نقطة ما بعد أن تخصّب بيضة مادية وينطلق التمايز والتطوّر.

وبعد قرن من التقدّم الكبير في البيولوجيا الإنجابية البشرية، أصبحت النساء في ستينات القرن العشرين يعرفن الكثير عن أنفسهن ودوراتهن الإنجابية وعمليات الولادة. وبدأ ائتلاف مكوّن من حركة تحديد النسل، والحركة النسوية، والتقدّم العلمي في تحويل غموض مفهوم الحياة والحمل.

مع أن العلماء لم يبدؤوا بسرعة في بحوث منع الحمل، فإنهم درسوا البيولوجيا الإنجابية. وكما كتب الكاتب العلمي البارز إدوين سلوسون (Edwin E. Slosson) في سنة 1922 إلى اختصاصي البيولوجيا في جامعة شيكاغو فرانك ليلي (Frank Lillie) طالباً تقريراً عن بحوث ليلي، "هناك اهتمام شعبي واسع الآن في موضوع علم الغدد الصمّ (Endocrinology). بل يبدو أن الجمهور… يعتبره بدعة تلي العقد الفرويدية التي لم تعد رائجة الآن".

يرتبط تحديد الجنس والهرمونات وعلم الأجنة ارتباطاً واضحاً. وقد تلا "العصر البطولي لعلم الغدد الصمّ الإنجابي" من سنة 1926 إلى سنة 1940، وتدفّق التمويل والعلماء للحاق بهذه الاندفاعة.

وجلب النموّ تحوّل البيولوجيا الإنجابية إلى اختصاص ذي برامج ومطبوعات ومهنيين، كما بيّنت عالمة الاجتماع أديل كلارك (Adele Clarke). ورأى المؤرّخ نيكولاس راسموسن (Nicolas Rasmussen) أن صناعة التكنولوجيا الحيوية التي ظهرت حول الهرمونات في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين لم تكن مختلفة كثيراً عن تطوّر التكنولوجيا الحيوية اليوم، باستثناء أن الباحثين يستطيعون اليوم التلاعب بالمواد الكييميائية التي يدرسونها أكثر مما كانوا يستطيعون في الماضي.

دخلت البيولوجيا الإنجابية الزراعة على نحو واسع في ثلاثينات القرن العشرين. وفي أواخر ذلك العقد، أصبح التخصيب الاصطناعي (Artificial Insemination) أمراً عملياً بفضل تطوير مواد تطيل عمر النطاف (Sperm Extenders). (كان "العمر التخزيني" للنطفة عاملاً مقيّداً حتى ذلك الوقت.)

 

وبحلول خمسينات القرن العشرين، أصبحت تجارب نقل الأجنّة في البقر، إلى جانب الدراسات المصاحبة لمستويات الهرمونات والعوامل الكيميائية والميكانيكية الأخرى، أمراً روتينياً، بحيث كما أشار مايلز ماكاري (Miles McCarry) في سنة 1999، فإن، "ما يقرب من 60 في المئة من جميع العجول التي تولد في مزارع الألبان الأميركية هي نسل والدَين لم يجتمعا البتة".

وبعد أن كان التخصيب الاصطناعي مستبعد النجاح، أصبح إلى جانب الغرس الممارسة القياسية، و"التخصيب الاصطناعي هو السبب الأكبر الذي يفسّر لماذا تنتج مزارع الألبان اليوم بمعدّل لم يكن ممكناً التفكير فيه قبل خمسين سنة".

بالاستفادة مبدئياً من الدراسات التي أجريت على الثدييات، مثل الأرانب والخنازير، عمل الباحثون ما يزيد على نصف قرن على الفهم التدريجي للعملية التي بموجبها تطلق بيضة من المبيض كل شهر. وبحلول أربعينات وخمسينات القرن العشرين،أدركوا الدورة الإنجابية البشرية جيداً من خلال الأبحاث التي أجريت في الجامعات إلى حدٍّ كبير.

وفي وقت سابق من ذلك القرن، كان العلماء قد درسوا علم الغدد الصماء وهرمونات الجنس، ولكن ليس الإنجاب على العموم، ولا تحديد النسل بالتأكيد. وكما أكّد اختصاصي البيولوجيا النرويجي أوتو مور (Otto Mohr) في رسالة إلى جوليان هكسلي (Julian Huxley) ، "إنني لا أرى أن حركة تحديد النسل حركة علمية، إنها حركة اجتماعية في المقام الأول".

تحقّق ما يكفي من التقدّم في ستينات القرن العشرين بحيث أصبح في وسع اختصاصي البيولوجيا البارز غريغوري بنكوس (Gregory Pincus) إيجاز النتائج التي تحقّقت في الإنجاب وتحديد النسل، إلى جانب النجاحات في موانع الحمل التي تؤخذ عبر الفم (Oral Contraceptive) في كتابه الدراسي التحكّم في الخصوبة (The Control of Fertility).

 

كان هذا الكتاب مليئاً بالعلم والبيانات والتفاصيل، وقد نشرته مطبعة أكاديميك برس، لكنه كان يستهدف جمهوراً واسعاً من العلماء، ومقدّمي الرعاية الطبية، والجمهور المتعلّم المهتم بهذه القضايا المهمة. وكما بدأ بنكوس، "يُعنى هذا الكتاب أولاً بالفحوص التي أجراها المؤلف وزملاؤه على جوانب الإنجاب. إنه قبل كل شيء محاولة لإيجاز مجموعة من البيانات التي لم تعرض حتى الآن أو عرضت بصورة جزئية.

ثانياً، سنحاول الإشارة إلى السبل التي تحمل الأمل للفحوص المقبلة. أخيراً، سنحاول إجراء تقييم للنتائج المترتبة على ما نفهمه وما نجهله".

شرح، كما عرف العلماء منذ بعض الوقت من الدراسات التي أجريت على الحيوانات، أن المبيضين يؤديان دوراً حاسماً في إنتاج الخلايا المنتشة وفي إفراز الهرمونات الجنسية. وبما أن قيام المبيضين بوظيفتهما على نحو سليم حيوي للصحة الإنجابية، فإن على النساء والأطبّاء تقدير علامات وأعراض الأعضاء غير السليمة.

إن توازن عائلة هرمونات الإستروجين، والإستراديول، والإسترون، إلى جانب البروجسترون والهرمونات الأخرى، ينبّه دورة التفاعلات التي تتيح للبيضة أن تنغرس في الرحم وتبدأ النموّ، بعد أن تخصّب بخلية النطفة وتتطوّر إلى مرحلة المُعيدة. وكان العلماء قد عزلوا المواد الإستروجينية وبدؤوا يجرّبون إنتاجها التخليقي بحلول ثلاثينات القرن العشرين.

إن كل من شاهد فيلم وودي ألن (Woody Allen) في سنة 1972 "كل ما أردت أن تعرفه دائماً عن الجنس لكنك كنت تخشى السؤال عنه" يذكر وودي وهو يرتدي بدلة النطفة، كاملة مع النظارة، ويسافر عصبياً داخل بنية الأنثى.

وجد النقاّد الفيلم تافهاً، لكنه بالمعايير الحديثة سخيف ومسلّ. المراد أن فكرة الأشخاص العاديين من الطبقة المتوسطة الذين يتعلّمون عن الجنس والإنجاب ويتحدّثون عنهما بصراحة، لا سيما في الأماكن العامة مثل دور السينما، كانت فكرة جديدة.

 

هناك، تنطلق النطفة، واحدة من بين كثير، في رحلة غامضة، مهمتها محاولة تخصيب البيضة. في هذه الأثناء تبدأ البيضة في المبيضين وتنقل عبر قناة فالوب لكي تخصّب، ثم تواصل التحرّك بضعة أيام إلى أن تستقرّ وتنغرس في النهاية في جدار الرحم.

لقد عرفنا الكثير عن الأجنّة وتطوّرها من دراسات الحيوانات. وفي أواسط القرن العشرين، جمع العلماء أجزاء عملية الدورة الإنجابية البشرية الكاملة وأنماطها معاً وبدأ الجمهور يعبّر عن اهتمام شديد بها. لقد كان الإنجاب البشري موضوعاً ملائماً للعلم.

مرة أخرى، تم التسليم بأن الصحة والحيوية تتطلّبان توازناً "سوياً" للهرمونات الجنسية ونشاط البيضة، مع أن تحديد ما يعدّ سوياً وسليماً في وجه المعرفة المنقوصة يؤدي إلى ادّعاءات متنازع فيها وتعارضات، ما زال بعضها من دون حل حتى الآن.

وكما بيّن بنكوس، فإن اكتشاف المزيج المعقّد للتطوّر الجنيني والتحفيز الهرموني، بالإضافة إلى التغيّرات البيوكيميائية في الرحم على العموم، تتطلّب الكثير من الأبحاث على الحيوانات، إذ لا يمكن شق النساء جراحياً في أثناء دوراتهن الإنجابية.

عرض بنكوس ومعاصروه هذه الأبحاث الحيوانية باعتبارها لا تثير خلافات. وافترضوا بطبيعة الحال أننا نستخدم الحيوانات لنتعرّف إلى الحقائق المهمة التي تساعد البشر في عيش حياة أفضل. وقد عارض الناشطون المدافعون عن حقوق الحيوان، بقيادة بيتر سينجر (Peter Singer) ذلك الرأي واستمروا بذلك حتى اليوم.

 

إن الحاجة إلى استكمال المعلومات من الحيوانات وقليل من الدراسات البشرية لأجزاء من العملية تركت مجالاً كبيراً للتقدير والحكم غير الدقيق. وأدّت دراسات دورات الحيض عند النساء إلى الاستنتاج باكراً في القرن العشرين بأن هناك بضعة أيام من كل شهر تكون فيها المرأة خصبة.

أي أن البيضة تكون في الظرف الملائم خلال هذه الأيام القليلة، والهرمونات موصّلة، ومن ثم يكون الوقت مواتياً للتخصيب. وتلك أخبار مهمة حقاً، للزوجين اللذين يحاولان إنجاب الأطفال وللنساء المجهدات اللواتي يسعين وراء بعض المعلومات التي ترشد تحديد النسل. وكانت النساء توّاقات للمعلومات والخيارات – سواء أكانت هذه الخيارات قانونية أم لا.

بدأ الباحثون بالإضافة إلى ذلك بجمع المعلومات معاً عن المراحل التطورية السوية للبيضة والجنين وما يعرفون عن أجساد النساء. ومع أن الأطبّاء راكموا فهماً للعملية الإنجابية في العقود الأولى من القرن العشرين، فإن مقارنة المعرفة البيوكيميائية والهرمونية التفصيلية ازدادت بسرعة بحلول ستينات القرن العشرين.

كما أن التغيّرات السياسية والاجتماعية زادت من الطلب على المعرفة. أرادت النساء أن يعرفن. وسعت النساء اللواتي يردن إنجاح حملهن إلى الحصول على أفضل نصيحة طبية ومعرفة علمية لضمان ولادة طفل معافى.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى