قصة الآنسة “وانج جوزهن” في اختراع الأقطاب الكهربائية
1995 نساء مخترعات
الأستاذ فرج موسى
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
وانج جوزهن الأقطاب الكهربائية شخصيّات التكنولوجيا والعلوم التطبيقية
من الخطأ أن نجاسر بأن الثورة الثقافية الصينية (1966-1976) لم تنتج سوى ثمارا مرة عديمة الفائدة.
وهذا ما تؤكده قصة الآنسة "وانج جوزهن Wang Juzhen" واختراعها عن تصنيع أقطاب كهربائية التنجستين. والأقطاب الكهربائية هي أسلاك أو قضبان أو صفائح معدنية لتوصيل الكهرباء.
وتبدأ قصة الأنسة ((وانج)) عندما تم توظيفها كمهندسة فنية في أحد مصانع المصابيح الكهربائية في مدينة "شنغهاي".
ولم تكن على علم بالأخطار التي تهدد عمال هذا المصنع إلا عندما قام رجال الحرس الأحمر الصينى المشهورين بالغلاظة والقسوة، بنقلها – عكس رغبتها – إلى ورشة المصنع.
وهناك علمت أن الاختبارات الطبية للعديد من الحالات قد أظهرت انخفاضا في عدد كرات الدم البيضاء لدى العالمين، وقد استطاعت الآنسة ((وانج)) فقط من خلال عملها بيديها، والاتصال المباشر مع المواد، أن تكتشف مفتاح اللغز.
فمن أجل صناعة الأقطاب الكهربائية، قام المصنع بإضافة عناصر تشتمل على "الثوريوم"، التي يتم إضافتها إلى المادة الخام التي تسمى "التنجستين".
والمعروف عن الثوريوم أنه يصدر عنه كميات غزيرة من الأيونات المشع،, عندما يتم تسخينه مع اللحام، أو عندما يتم توصيل الأقطاب الكهربائية للحصول على الضوء. وهذا يحدث مع مصابيح الفلورسنت التي تستخدم في الإضاءة بالنيون.
الآنسة ((وانج)) – لم تتزوج، وكرست سنوات عديدة من حياتها من أجل أبحاثها، حيث كان هدفها اكتشاف عنصر أساسي يمكن أن يحل محل مادة الثوريوم شديدة الاشعاع.
وقد قامت بإجراء العشرات من التجارب التي انتهت بالفشل، حتى جاء ذلك اليوم الذي نجحت فيه من التخلص نهائيا من هذه المادة المشعة الضارة، التي تسمى "ثوريوم" Thorium، وفي نفس الوقت زادت من مادة معدنية أخرى تسمى "سيريوم Cerium".
وحتى ذلك الوقت فإن نسبة مادة (السيريوم) في الأقطاب الكهربائية المصنوعة من التنجستين لم تكن لتتعدى 1% من الوزن الكلي للعناصر المصنعة، لأنه إذا زادت النسبة عن ذلك، فإن المنتج النهائي سوف يتحطم تحت تأثير الحرارة العالية.
وبالرغم من ذلك فإن الآنسة ((وانج)) قد نجحت في تجنب هذا التأثير التدميري، حتى عندما رفعت نسبة إضافة مادة (السيريوم) إلى 5.4%.
وعلى أية حال، فإنه لا يمكن أن نكتفي بأن يقف حد الاكتشافات عند المختبرات، بل يجب أن يتعداها إلى أن يصبح حقيقة واقعة وملموسة في حياتنا اليومية.
وهذا يعني أنه من الضرورى تصنيع الأقطاب الكهربائية طبقا للمعادلة الجديدة التي توصلت اليها الآنسة "وانج".
وبمعنى آخر، أي القيام بصهر وطرْق وتشكيل هذه الأقطاب الكهربائية. وقد واجهت الآنسة ((وانج))، في الحقيقة، العديد من المواقف المخيبة للأمل في سبيل تحويل نظريتها إلى واقع.
وقد استطاعت الآنسة ((وانج)) أن ترى أخيرا، تتويجا لكفاحها. وكان ذلك في عام 1980، عندما بلغت من العمر نحو 50 عاما.
فبمقارنة "الأقطاب الكهربائية المصنوعة من الثوريوم والتنجستين السابقة "مع" الأقطاب الكهربائية المصنوعة من السيريوم والتنجستين من اختراع الآنسة ((وانج)) يمكن اكتشاف الكثير من مميزات اختراع هذه المرأة.
فمن ناحية نجد أن اختراعها – من الناحية الفعلية – ليس له نشاط إشعاعي، ومن ناحية أخرى نجد أن منتجات اختراعها على درجة أكبر من الفاعلية مقارنة بسابقتها.
فالأقطاب الكهربائية المصنوعة من السيريوم والتنجستين تطيل من عمر المصابيح التقليدية المعروفة والمصابيح الفلورسنت، وكذلك تلك المصابيح المستخدمة في الآت تصوير المستندات.
ومن الجدير بالذكر القول: بأن اختراع الآنسة ((وانج)) كان واحدا من الاختراعات الصينية العديدة، التي ظلت حبيسة الأدراج لعدة سنوات، حتى جاء يوم الأول من أبريل عام 1985، عندما تم تطبيق قانون "براءات الاختراع" في الصين، وأصبح أخيرا من الممكن ضم المخترعات الصينية ضمن النظام العالمي لحماية براءات الإختراع.
وكان هذا، في الحقيقة، هو التاريخ الفعلي الذي ظهر على الطلب المقدم من المصنع الذي تعمل فيه الآنسة ((وانج)) للحصول على براءة الاختراع. ولقد كان ذلك اليوم، يوما تاريخيا مشهودا، عندما بدأت الأنسة ((وانج)) في الحصول على ((براءة الاختراع))، الذي اكتسب اعترافا عالميا سريعا.
فمنذ ذلك الوقت تم منح هذا الاختراع العديد من البراءات الأجنبية الأخرى، بما في ذلك الحصول على براءة اختراع من الولايات المتحدة في عام 1987.
وعلاوة على ذلك، فإن قياسات ((الأقطاب الكهربائية المصنوعة من السيريوم والتنجستين من اختراع الآنسة ((وانج))، أصبحت جزءا لا يتجزأ من المواصفات التي صاغتها المنظمة الدولية للقياسات (ISO 6848) لعام 1984.
وكان هدف تلك المنظمة هو وضع الأساس السليم – بعد اجراء الاختبارات والفحوصات من قبل خبراء من دول متعددة – للمعايير التي يجب احترامها من قبل الصناعة والمصنعين في جميع أنحاء العالم.
وقد تم تخصيص فصل كامل، في كتاب "مجد الصين" الذي نشر في بكين عام 1988، عن هذه المرأة المخترعة.
وكان الإثنا عشر فصلا الأخرى من الكتاب تحكي قصصا عن اختراعات قام بها أعظم المخترعين في الصين الحديثة، وكانوا جميعا من الرجال. وفي عام 1987، كانت الآنسة "وانج" هي أول امرأة يتم منحها "الجائزة الرئيسية للاختراعات في الصين".
وفي عام 1988 تم اختيارها أفضل امرأة مخترعة في بلدها عن ذلك العام، ومنحها جائزة الميدالية الذهبية للمنظمة العالمية للملكية الفكرية "ويبو WIPO".
ولقد كان احتفالا لا ينسى ، ذلك الذي حدث في "قاعة الشعب الكبرى" في مدينة بكين، حيث حضره الآلاف من الناس، بما في ذلك المشاركون في مؤتمر دولي ضخم حل الابتكارات والاختراعات، ممثلين عن 32 دولة مختلفة.
وقد قام المدير العام "للمنظمة العالمية للملكية الفكرية" شخصيا – والذي جاء من جنيف خصيصا لتقديم الميدالية الذهبية إلى الآنسة ((وانج)) وجلس بجواره، في ذلك الاحتفال، نائب رئيس جمهورية الصين الشعبية.
صحيح إن الآنسة ((وانج))، قد ضحت بالكثير من حياتها وصحتها في سبيل متابعة وإنجاز أبحاثها على الوجه الأكمل. لكنها الآن واحدة من النساء القلائل اللاتي يشغلن مكانا مرموقا للمخترعين الصينيين.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]