شخصيّات

قصة الدكتورة “إليزابيث مالونجا” في إثبات ذاتها وتحقيق طموحها

1995 نساء مخترعات

الأستاذ فرج موسى

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الدكتورة إليزابيث مالنوجا شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

إن جميع مرضى الدكتورة ((إليزابيث مالونجا Elizabeth Mallonga)) يكنون لها كل حب واحترام.

كما أن الممرضات العاملات في المركز الطبى الأكاديمي بمدينة ((أمستردام)) دائما ما يؤكدن رغبتهن في مشاهدة الدكتورة ((إليزابيث))، بسبب ما تغدقه عليهن من رقة ودفء عاطفي.

وتؤكد ذلك الدكتورة ((إليزابيث)) بنفسها عندما تقول: ((هذا صحيح فدائما ما يرسلن لي بخطابات مملوءة بالكثير من الحب والشكر!!)).

 

وكان أول اختراعات الدكتورة ((اليزابيث مالونجا)) الرئيسية في مجال ((الجراحة المعدية Gastric – Surgery))، أما اختراعها الرئيسى الثاني فكان يتعلق بـ ((الغسيل الكلوي kidney doalysis)).

وكلا الاختراعين يعكسان حقيقة أن الدكتورة ((إليزابيث)) لم تفقد أبدا الشعور بما يشعر به مرضاها، حيث أن مشاعر الألم التي تنتاب المرضى تعنيها تماما وبكل تفاصيلها.

وهي تحاول بكل الطرق أن تخفف وتلطف من هذه الآلام، واضعة في الاعتبار أن الحالة العقلية لا تقل أهمية عن الحالة الجسمية.

 

((فإذا كانت حالة المريض بسرطان المعدة متقدمة جدا، فإن العقبة الناتجة عن ذلك تسمح فقط للمريض بأخذ السوائل.

وفي أيامنا هذه، يمكن أطالة حياة مثل هؤلاء المرضى لشهور قليلة، ولكن ذلك يكون في محيط من الكآبة والتعاسة)).

((إن ما اخترعته هو طريقة لإجراء عملية جراحية يمكن عن طريقها استعادة الراحة لمثل هؤلاء المرضى خلال الفترة الأخيرة من حياتهم.

 

حيث يمكنهم الآن الانضمام إلى طاولة العشاء مع عائلاتهم، وأكل كل شيء بشكل طبيعي، وبدون عبء استخدام أنابيب التغذية)).

ولكن كيف حدث أن وجد مثل هذه المرأة الفلبينية الصغيرة السمراء نفسها في هولندا عام 1968- حيث أرض العمالقة الشقر الهولنديين- بعد أن كافحت كل أنواع المباهج والإحباطات الطبية من أجل العيش؟

ولدت ((إليزابيث)) في الفلبين في 8 يوليو عام 1933، حيث كانت الأصغر في العائلة التي تتكون من ثمانية أفراد. ولما كان والداها يعملان في التدريس، استطاعا أن يوفرا لأطفالهما تربية ممتازة، وتم اختيارهما "كأفضل والدين في العام" في مجتمعهم من خلال مناسبتين.

 

كما تم اختيار أمها رئيسة مدى الحياة لمنظمة كاثولوكية. فلا عجب أن نجد إيمان الدكتورة ((إليزابيث)) قويا وشديدا، وأن سمة التدين قد صبغت حياتها.

كما انها قد انهت دراستها الطبية بكلية ((سانت توماس))، حيث أشهر جامعة كاثوليكية في الفيليبين.

 وبعد أن تخرجت من كلية الطب، قضت إليزابيث ((سبع سنوات بمستشفيات ((جبل سيناء)) في نيويورك، وقد أكملت دراستها هناك، وتخرجت كجراحة متخصصة في ((جراحات المعدة)).

 

وتؤكد ((إليزابيث)) بأنها كانت محظوظة في نيويورك، لأنها قد تلقت تدريبها على يد أحد أشهر جراحي العالم، ورائد من رواد الأساليب الجراحية، وهو البروفيسير ((ليون جينزبرج Leon Ginzburg)).

وقبل عودتها من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الفيليبين، قامت ((إليزابيث)) بجولة في أوروبا، حيث شاهدت الأراضي المنخفضة، وطواحين الهواء لأول مرة في هولندا، التي كان مقدرا لها أن تصبح بلادها في النهاية. وتؤكد اليزابيث "ذلك بقولها: (( لقد أحببت تلك البلاد من أول نظرة)).

وكانت عودتها إلى الفليبين خيبة أمل، وتقول: ((لقد عشت في نيويورك بجوار أحد عمالقة الطب، وعندما عدت إلى ((مانيلا)) … كل ما كان لي أن أفعله هو قتل الذباب فقط!

 

وقد حاولت ممارسة عملي فكان الإخفاق نصيبى. ويرجع ذلك إلى أنني لم أمارس مهنتي الطبية في الفيليبين قبل ذهابي إلى الولايات المتحدة، وبالتالي فإنني غير معروفة، ولم يكن لي مرضى.

وبعد شهرين أو ثلاثة والحال هكذا، كدت أفقد صوابى. ولم أكن أكثر نجاحا عندما تقدمت للحصول على وظيفة في إحدى المستشفيات. قالو لى: ((يمكنك العودة حينما يكون معك خطاب توصية من السناتور فلان. .. الفلاني أو النائب فلان. .. الفلاني! ولكن ما علاقة السياسة بالطب؟ إنني حقا أكره السياسة!!)).

وتحولت الأمور لصالح تلك الجراحة الفليبينية ((اليزابيث))، حيث قابلت في ((مانيلا))، طبيبا من مستشفى ((سانت لوكس)) في ((أمستردام))، والذي بادرها بالقول: ((إنني هنا لتوظيف 50 ممرضة فليبينية، فلماذا لا تأتين معنا إلى هولندا؟ فيمكنك أن تصبحي جراحة، ورئيسة عيادة، والمشرفة على هؤلاء الممرضات أيضا)).

 

وكانت رؤية هولندا مرة أخرى دعوة للدكتورة ((إليزابيث)) لا يمكن أن ترفضها. وهكذا جاءت إلى هولندا وتعلمت كيف تحب هذا البلد وأهله.

تقول ((إليزابيث)): ((ان الهولنديين متسامحون جدا. ففي بداية إقامتي كنت أشعر بالحرج، لكن سرعان ما زال هذا الشعور وسارت الأمور على ما يرام، حيث أشعر الآن وكأنني واحدة منهم.

كما أنهم يعاملونني كذلك. ونحن الفليبينين نمثل أقلية صغيرة هنا، لكننا ننتمي إلى المجموعة الإندونيسية المحبوبة جدا)).

 

وفي هولندا، لم تجد ((إليزابيث)) وقتا لقتل الذباب، بل على العكس، فإنها كادت تقتل نفسها بالعمل الشاق!! وعقدت العزم على أن تبقى بدون زواج، قائلة بأنها متزوجة من مهنتها.

لكن ((إليزابيث)) كانت تعرف كيف تستمتع بالحياة في أوقات فراغها، بكثرة الأسفار، وتجميع كتب الفن التي اكتظت بها شقتها الصغيرة المطلة على إحدى البحيرات، والعزف على الجيتار الذي تقول عنه إنه (يريح أًصابع الجراح)، بل حتى كانت فنانه هاوية.

وربما تكون قد استلهمت هذه الهواية الأخيرة من ذلك البلد الجميل الذي أصبح الآن بلدها، وكذلك من خلال عرض للوحات حديثة يبلغ عددها 500 لوحة تزين بها جدران مستشفى الجامعة.

 

وتعلق ((إليزابيث)) على ذلك قائلة: ((يتملكني الشعور بأنني أعمل في متحف، وأننى أتحرك عبر طرقات المركز الطبي الأكاديمي بخطوات حازمة لامرأة تعرف أين تذهب)).

ولقد لاقت ((إليزابيث))  تشجيعا لاختراعها لأسلوبي الجراحة السابق ذكرهما، من البروفيسور «Brummelkamp» رئيس قسم الجراحة بالمركز الطبي الأكاديمى، الذي تشير له ((اليزابيث)) دائما بأنه الناصح المخلص.

وبوضوح، لم تكن لدى البروفيسور أي اعتراضات للعمل مع الدكتورة ((اليزابيث)) ، حتى عند وصولها في عام 1968، حيث بدا أنها واحدة من الجراحات القليلات جدا في هولندا.

 

وتقول ((إليزابيث)) بأسف: ((صدق أولا تصدق أنه لم يكن بين الأعداد الكبيرة من الجراحين الشبان الذين قمت بتدريبهم على مدى هذه السنوات، إلا امرأتان فقط)).

وعندما سألتها عن السبب قالت: ((ما زالت صورة الجراح في أذهاننا مقصورة على الذكور، حتى بين النساء الطبيبات.

فالأفكار المسبقة يصعب أن تموت، لأن التغيرات تأتي ببطء، وليس معي سوى جراحة واحدة في أكبر مستشفى في هولندا.))

 

((ومنذ عهد قريب، وبسبب الدعوة المتزايدة للتحرر، أصبح المجتمع واعيا ومدركا لإمكانية عمل المرأة في وظائف رفيقة كانت مقصورة فيما سبق على الرجال. ففي مجال الجراحة، على سبيل المثال، تم تخصيص 30% على الأقل من التدريب للنساء الطبيبات)).

((تكمن المشكلة في الشروط الصارمة لاختيار المتدربين، والتي تجعل فرص النساء المتقدمات للتدريب في مجال الجراحة ضعيفة. ولذلك يجب عمل كل ما من شأنه تشجيع النساء على الانخراط في هذه المهنة)).

وتمزح ((اليزابيث)) قائلة: ((لكم يسعدني حين أبلغ من العمر عتيا وأتقاعد أن أعرف أن مشرطي قد انتقل إلى يد امرأة)).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى