قصة عقار الترياق
1995 أمراض لها تاريخ
حسن فريد أبو غزالة
KFAS
غير أنه لا يمكن أن نمر بالحديث عن الدجل دون أن نأتي على ذكر العقار الذي يصلح أن يكون عنواناً للدجل عبر التاريخ، ذلك هو العقار الذي عرف عبر ثمانية عشر قرناً من الزمان باسم الترياق، حتى أصبح علماً لكل عقار شاف، وصار صفة تتصف بها الأدوية السحرية.
قصة الترياق هذا تعود إلى ملك اسمه "ميثريداتوس السادس" كان ملكاً على دولة من دول آسيا الصغرى، تسمى مملكة بونتاس القديمة في القرن الاول قبل الميلادي، وكان بينها وبين الرومان عداء وكانت بينهما حروب.
كان هذا الملك القوي الذكي يوجس خيفة من غدر أصحاب قبل أعدائه الرومان، لهذا تفتق ذهنه عن تركيب عقار يقيه الغدر يحوي مزيجاً من السموم المعروفة في زمانه وعددها 54 سماً، يتناول منه جرعات صغيرة في كل يوم حتى يعتاد جسمه هذه السموم، ويتحصن ضدها، فسمى العقار ميثردات المضاد للسموم.
الغريب أن شعبه قد ثار عليه بقيادة ابنة ولي العهد "فارتاكوس"، مما اضطره إلى أن ينتحر بيده، فيأمر خادمه أن يطعنه بالسيف لان السموم لا تفيد فهو محصن ضدها، وما كان من الرومان في عهد امبراطورهم المخبول نيرون إلا أن تلقفوا وصفة الملك ميثريداتوس السادس بعد موته.
فأضاف لها طبيب القيصر المسمى "اندروماخوس" من عنده مواد أخرى مثل لحوم الثعابين، ومسحوق العقارب، ومحلول الحشرات السامة، حتى وصل تعداد محتويات العقار إلى 63 سماً، ومساه الترياق أو الثرياكا بلغتهم، نسبة إلى قصيدة ألفها شاعر قديم يدعى "نيكاندر" تتحدث عن الحيوانات السامة كان اسمها الثرياكا.
شاع أمر هذا العقار، وانتشر وآمن الناس به، واحتل حيزاً في فكر الأطباء في ذلك الزمان، وصار محور علاجاتهم ودستوراً يسيرون على هديه.
ومع الزمان صارت له أصول وقواعد في تركيبه وتعاطيه، واشتهرت به أكثر ما اشتهرت مدينة البندقية، حتى إنه سمي في ذلك الزمان بسكر البندقية، وكان يوضع في قوراير خاصة به لها شكل خاص مميز، وعلى جانبيها مقابض ثعبانية الشكل..
وصار أهم ما احتوى عليه هذا العقار الذي سمى باسم الثيرياكا، وقد عربناه نحن في لغتنا العربية إلى الترياق، وأهم مركباته هو مخدر الأفيون الذي يسكن كل ألم.
لهذا أقبل عليه الناس أيما إقبال عبر كل الأزمنة والأمكنة، إلى أن بدأت عقول الناس تتفتح مع إطلالة أنواع العلم الحديث في القرن الثاني عشر.
فكان أن شطب الإنجليز عقار الترياق عام 1788 من دستور أدويتهم، لعدم قناعتهم به، ثم لحق بهم الفرنسيون بعد حين، حيث صدر قرار بإلغائه جاء فيه "بعد أن احتل الترياق مكاناً كبيراً وطويلاً في عالم العقاقير والأدوية فقد آن له ان يرحل من عالم التاريخ إلى عالم الأساطير.
وصار حال الترياق الذي كان يؤمن به الناس، وفي قناعة بعضهم إنه العقار السحري لكل مرض، إلى أن يقول أحدهم فيه إنه قمامة الدكاكين..!
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]