قضية الاستكشاف الحيوي في المكسيك
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
إن قضية الذرة المكسيكية قد تعتبر القضية الأولى لتدفق التحوّر في النباتات التي تعتبر ذات أهمية ثقافية كبيرة للسكان الأصليين، فلذا اتخذت منظمات حقوق السكان الأصليين مجموعة من المواقف المختلفة في المنتديات لتعلن مناهضتها للذرة المهندسة وراثياً.
فبعض الروابط ما بين الحركة المناهضة للتكنولوجيا الحيوية ومجموعة الدفاع عن حقوق السكان الأصليين قد تطوّرت مسبقاً قبل الولوج في فضيحة الذرة، كونها نتيجةً للحورات السابقة الرفيعة المستوى الخاص بالاستكشافات الحيوية (Bio-Prospecting) (Barreda 2003).
فالمكسيك هي موطن لمجموعة هائلة من التنوع الجيني النباتي، وخصوصاً في المناطق الغابية الممطرة. وعليه، فمن أجل الحصول على مصادر وراثية جديدة واعدة يمكن استخدامها في التغذية أو صناعة الأدوية، أقدمت الشركات منذ عام 1990م على إبرام العقود للاستكشاف الحيوي.
فهذه العقود تسمح لهم بالوصول إلى معارف السكان الأصليين(Indigenous People's Knowledge) في المناطق المختلفة والمترامية من جنوب الكرة الأرضية مع وعودٌ بالتعويض [إذا ما حققت الشركات مراميها] (Hayden 2003).
مع غضون تسعينات القرن العشرين نشأ خلاف ما بين منظمة المجتمع المدني في أواكساكا وشركة ساندوز للتكنولوجيا الحيوية(Biotechnology Company Sandoz)، كردّ فعلٍ على توقيع عقد للاسكتشاف الحيوي.
إذ اتهمت كل من مجموعة الدراسات البيئية (ETC)، ومنظمة المجتمع الريفي المجاور (Neighboring Rural Community Organization) شركة ساندوز بـ "القرصنة البيولوجية" (Bio-piracy)، وذلك من خلال سرقتهم الموارد البيولوجية التي كانت موارد جماعية لمجتمعات السكان الأصليين في المنطقة، وعدم اعتبارها سلعاً معروضةً للبيع.
وبهذا فقد وضع فعلُ مجموعة الدراسات البيئية في ريف أواكساكا الأساس لتعبئة المعارضة لتدفق الجينات المحورة في الذرة. وبشكل عام، [كان لعمل مجموعة الدراسات البيئية صدى كبير] إذ طرح الجدل حول الاستكشاف البيولوجي في المكسيك ومسألة التكنولوجيا الحيوية وبراءات الاختراع، بصورة حية على الأجندة الشعبية، وكسبت [تلك المسائل] قدراً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام.
وهكذا ففي عام 2001م عندما أُعلن عن العثور على الجينات المحورة في الذرة الأصلية، كانت هناك أرضية فعلية لسياق مناقشة ساخنة حول سيطرة شركات التكنولوجيا الحيوية على المصادر الوراثية النباتية(9).
أشار نشطاء في المؤتمر الوطني للسكان الأصليين إلى الذرة المهندسة وراثياً، إذ اعتبروها واحدةً من العديد من التهديدات الواردة من تحرير التجارة مع الولايات المتحدة الأميركية. ففي تموز/ يوليو من عام 2002م طالبت الجمعية العمومية للمؤتمر الوطني للسكان الأصليين في منطقة وسط المحيط الهادئ الحكومة الاتحادية بـ "وقف استيراد الذرة المهندسة وراثياً أو الذرة المشكوك في منشئها"(Cited in Vera Herrera 2004).
كما عقد المؤتمر الوطني للسكان الأصليين ملتقىً وطنياً للدفاع عن الطب التقليدي (الشعبي) (National Forum in Defence of Traditional Medicine) – بعد شهرين من مطالبة الجمعية العمومية – حضره أكثر من ثلاثين ممثلاً عن السكان الأصليين لعشرين دولة(Vera Herrera 2004) .
وفي ختام المنتدى كانت التصريحات العلنية للمشاركين قد توصلت إلى الرفض بقوة كلّاً من الاستكشاف الحيوي (القضية المركزية لممارسي الطب الشعبي للسكان الأصليين)، والذرة المحوّرة وراثياً، إذ قالوا:
"كجزءٍ من دفاعنا عن الأرض الأم وكل ما يولد فيها، نحن ننبذ إدخال الذرة المحورة وراثياً إلى بلدنا، حيث إن الذرة الأصلية (الأم) (Mother Maize) تشكّل الأساس [الغذائي والثقافي] لشعبنا، وتبعاً لذلك، نطالب الحكومة الاتحادية أن تُعلن وقفها النهائي لاستيراد الذرة المهندسة وراثياً بغض النظر عن استخداماتها المقصودة" (مصدر سابق).
إن الإشارة إلى "الذرة الأم" (Mother Maize) تشير إلى وجود بعض المجتمعات الخاصة بالسكان الأصليين، فالذرة ليست مجرّد نبتة بالنسبة إليهم فحسب، بل مصدراً للحياة أيضاً. فلذا كان النقاش الدائر حول استيراد الذرة المهندسة وراثياً يصل في بعض الأحيان لاعتبارها إفساد لروحية النبات، وأنه أقرب إلى الاعتداء على صحة أفراد الأسرة (González 2006).
علاوة على ذلك، فإن نشطاء حقوق السكان الأصليين قد اعتبروا أيضاً أن قضية التلوث الوراثي لأصناف الذرة المحلية قد تشكل هجوماً على الثقافات التقليدية والمجتمعات السكانية الأصلية المستقلة ذاتياً، كما يوحيه الاقتباس الآتي:
"بالنسبة لنا الذرة شيء مقدّس، فهي وجدت بوجودنا ونحن نهتم بها من خلال كل ما نقوم به [الآن] فنستمع إلى حكمة الشيوخ الكبار ونحترم عاداتنا الثقافية. فنحن لا نريد ولن نسمح بأي تعديل وراثي [لها] وسوف نتحد مع كل المجتمعات التي تلوثت بها وقاومت التلوث. فالذرة (جزءٌ من) الاستقلالية التي نتمتع به، فلن نسمح لأية حكومة أو شركة بلويها" (My translation (AJAGI et al. 2005.
حالياً، وعلى حدٍّ سواء يشير كل من البيئين ومنظمات المزارعين إلى التلوّث الحاصل من التعديل الوراثي، على أنه تهديد لمجتمعات السكان الأصليين وثقافة إنتاج الذرة بصورة عامة. فقد حذّر فتنك (Fitting 2011, 114) من مغبّة الناشطين الذين في بعض الأحيان يتسللون إلى "ماهية المزارع(Peasant Essentialism) ويحددونها، فتتجسد فيها مفهوم الثقافة (Conception of Culture)".
وهو ما نراه واضحاً في بعض الأحيان في تصريحات المنظمات البيئية غير الحكومية التي تطغى عليها رومانسية (تستغرق في وصف محاسن) معتقدات السكان الأصليين بشأن الذرة والممارسات الزراعية للمزارعين.
فعلى وجه الإجمال إن التعاون الحاصل ما بين البيئيين والمجتمعات الريفية (حسبما أُبلغنا عن ذلك من قبل عمل النقاد العلميين) قد أنتج تحليلاً مدروساً ومتعدد الأبعاد تجاة الذرة المهندسة وراثياً. فبعدما نشر كلٌّ من كمويست وتشابيلا نتائج دراستهما، كشف النقاش حول الذرة المهندسة وراثياً أن بعض النشطاء قد بدأوا في الحديث عن عدم المساواة عالمياً، بجانب حديثهم عن حقوق المزارعين والسكان الأصليين.
فزعم العديد منهم أن تلوث الذرة كان إظهاراً لأعراض مشكلة أكبر وعلى الأخص تلك المتعلقة بالسياسة الزراعية الليبرالية المكسيكية الجديدة، التي أدّت إلى زيادة تبعية المكسيك الغذائية للولايات المتحدة الأميركية (Henriques and Patel 2003).
ومع مرور الوقت، جاء نشطاء الذرة للمشاركة بفكرة أن تدفق التحور الوراثي هو على حدٍ سواء أعراض مشكلة ورمز [لمناهضة] تغيير اقتصاد الذرة في المكسيك، وهكذا يمكن فهم التلوث باعتباره جزءاً من مجمع زراعي صناعي متكامل، وتجارة حرة، واضطهاد للسكان الأصليين.
إن الجهات المعنية بحماية تقاليد [زراعة] الذرة بادرت إلى وضع مجموعة من المشاريع. فنشطاء الذرة دعوا الدولة إلى تغيير أنظمة التجارة وتغيير أنظمة توزيع الأغذية التي أدّت إلى تلوّث الذرة، كما دعت المجتمعات الزراعية للحفاظ على البذور التقليدية وممارساتهم الزراعية.
في حين أن بعض المهندسين الزراعيين ممن يرغبون في إيجاد سوق للذرة المنتجة محلياً والوصفات الغذائية التقليدية، سارعوا إلى فتح مطعم في مدينة أواكساكا، أطلقوا عليه اسم أيتانوني (Itanoni) (Baker 2008).
كما قامت بعض المنظمات غير الحكومية الصغيرة والمروجون للزراعة المستدامة بتنظيم العديد من "احتفالات الذرة" (Maize Celeberations). في حين قدم المجلس المكسيكي الوطني للثقافة والفنون(Mexico's Consejo Nacional Para la Cultura y las Artes (Natinal Council for Culture and the Arts: CNCA)) طلباً إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لاعتبار المطبخ المكسيكي "تراثاً بشرياً" (Patrimony of Humankind) معترفاً به(AFP y Notimex 2005; Barcenas 2005).
ففي تقرير عن جهود [التقديم لليونسكو] عبّر جيمي نالرت (Jaime Nulart) من المجلس المكسيكي الوطني للثقافة والفنون عن أمله في أن مثل هذا الاعتراف (اليونسكو) من شأنه أن يوفر وسيلة لمواجهة المخاطر الجسيمة (Grave risks) التي تُحدق بالنظام الغذائي التقليدي المكسيكي، في إشارة له إلى الذرة المهندسة وراثياً باعتبارها واحدة من تلك التهديدات (AFP y Notimex 2005).
وفي عام 2010، أضافت اليونسكو المطبخ المكسيكي التقليدي إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية (Representative List of the Intangible Cultural Heritage of Humanity) مشيرة في قرارها إلى "أن المطبخ المكسيكي التقليدي هو أمر أساسي للهوية الثقافية للمجتمعات الممارسة والناقلة للتراث من جيل إلى جيل"(10).
وعليه فإن كل هذه الأمثلة التي تشير إلى الدفاع عن الذرة الأصلية ما هي إلا حركة اجتماعية تتكون من منظمات متنوعة، أخذت موقعها داخل مؤسسات متعددة وأعادت بناء المعطى الثقافي السائد عن الذرة.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]