قضية شركة “مونسانتو” ضد المزارعين حول النزاع على الملكية الفكرية
2014 البذور والعلم والصراع
أبي ج . كينشي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
العلوم الإنسانية والإجتماعية البيولوجيا وعلوم الحياة
علاوةً على ذلك، فإن التعبئة القانونية قد تؤدّي إلى تفاهمات جديدة حول الذين قد تكون معرفتهم تُعدُّ من الخبرات ذات الصلة.
ففكرة جازانوف (Jasanoff Ibid. 19) أن الكثير من الدعاوى القضائية تثير تساؤلات مثل: «مَن الذي ينبغي أن يُعتدّ بمعرفته العلمية باعتبارها صالحة نوعاً ما، ووفقاً لأية معايير، ومَن الذي يمكنهُ أن يطبقها؟ ومتى يمكن أن تعطى تفاهمات لظواهر معينة أسبقية على ادعاءات الخبراء بمعرفة متفوّقة؟»
فكما هو الحال في غيرها من النتائج المحتملة للتعبئة القانونية، من الصعب التنبؤ بما سينتج من مثل هذه الدعاوى القضائية. فعلى سبيل المثال، قد يقرّر القضاة أن معرفة شخصٍ عادي في حالة معينة هي أعلى من معرفة باحثين جامعيين، أو أنهم قد يختارون التعامل مع وقائق اعتماد الخبراء [كمصدر]، للسلطات.
القضية التي أُناقشُها في هذا الفصل سلّطت الأضواء على نوع من أنواع التعبئة القانونية التي لم تحظَ باهتمام من علماء الحركة الاجتماعية والقانون.
فهي قضية تنطوي على نزاع حول الملكية الفكرية، التي ردّ عليها النشطاء المناهضون للتكنولوجيا الحيوية بقوة، ضدّ المكائد القانونية القوية لشركة مونسانتو للتكنولوجيا الحيوية.
فقد نشرت منظمة أميركية تُعنى بالدفاع عن البيئة هي «مركز سلامة الأغذية» (Center for Food Safety: CFS) في عام 2005، تقريراً يوثّق حملة تحريات شركة مونسانتو ودعاويها القضائية ضدّ المزارعين الذين يُعتقد أنهم انتهكوا «اتفاقية مونسانتو لاستخدام التقنيات» (Monsanto's Technology Use Agreement) أو استخدام الجينات ذات براءات الاختراع من دون توقيع الاتفاقية (Center for Food Safety 2005).
يرى مركز الأمن الغذائي، وآخرون، أن شركة مونسانتو تُسيء الاستفادة من حقوق الملكية الفكرية التي تمتلكها من أجل فرض سيطرتها الاحتكارية على أسواق البذور(10). ووفقاً للتقرير فإن مونسانتو «قد أنشأت قسماً يعمل فيه 75 موظفاً وخصصت له ميزانية سنوية تُقدّر بحوالي عشرة ملايين دولار، غرضُها الوحيد هو التحقيق والمقاضاة للمزارعين الذي انتهكوا براءات الاختراع» (Center for Food Safety 2005, 23).
وفي تحديثٍ لهذا التقرير وجد أن هناك 112 دعوى قضائية شرعت بها شركة مونسانتو للادعاء على المزارعين حتى تشرين الأول/ أكتوبر 2007م، وأنها تُحقّق مع مئات المزارعين في كل عام(Center for Food Safety 2007).
ويبدو أن العديد من هذه التحقيقات قد أجرت [شركة مونسانتو] تسويات لها خارج إطار المحكمة. واستخدم مركز سلامة الأغذية وثائق شركة مونسانتو ليقدر أن الشركة قد لاحقت ما بين 2000 إلى 4500 «حالة قرصنة بذور» (Seed Piracy Matters) ضد المزارعين الأميركيين حتى حزيران/ يونيو 2006م، نتج منها دفع تسويات مجموعها ما بين 85 مليوناً إلى 160 مليون دولار (مصدر سابق).
في العديد من الحالات الموثقة بواسطة مركز سلامة الأغذية، يقوم المزارعون بشراء بذور النباتات من شركة مونسانتو ويحفظونها لغرض زراعتها، ولربما [هؤلاء المزارعون] لا علم لهم باتفاقية استخدام التكنولوجيا أو لم يفهموها، أو أنهم يتصرفون لتحدي نظام براءات الاختراع.
ففي بعض الحالات، يقول هؤلاء المتهمون باختراق براءات اختراع شركة مونسانتو، إن الشركة تستهدفهم زوراً، ولكن مع ذلك فهي تُرهبهم بدفع تسوية (Barlett and Steele 2008; Center for Food Safety 2005).
ففي إحدى الحالات لعام 2004م وبناءً على ورود معلومات مجهولة المصدر لشركة مونسانتو، اتهمت الشركة مزارعاً لفول الصويا من ولاية إنديانا في الولاية المتحدة الأميركية، ديفيد رنيون (David Runyon) بانتهاكه استخدام براءة الاختراع. لكن المزارع رنيون لم يزرع قط إلا البذور المطوّرة [بالطريقة التقليدية] التي لا براءة اختراع فيها، ولكن عندما اختبر رنيون بنفسه فول الصويا التي يملكها، اكتشف أن براءة اختراع مونسانتو حاضرة في غلّته، كنتيجة للتلوث.
إلا أن رنيون كانت لديه المقدرة الكافية على حماية نفسه من مونسانتو تحت ظلّ قانون حماية المزارعين في ولاية إنديانا (Adams 2009)، وفي نهاية المطاف توقفت مونسانتو عن متابعتها للمزارع رنيون، إلا أن الشركة صرحت علناً أن رنيون غير مؤهّل لشراء بذورها ما لم «يتعاون» معها (Monsanto 2011a)(11).
تبقى نزاعات الملكية الفكرية فريدة من نوعها، مقارنة بأنماط المواجهات القانونية التي ما زال تحليلها يتم حتى الآن بواسطة علماء من الحركات الاجتماعية والقانون. فالأقرب موازةً في أدبيات علم الاجتماع هي دراسة المحاكمات الجنائية للنشطاء. فحينما يأخذ النشطاء دور المدعي (على سبيل المثال، الدعوى القضائية الجماعية، أو الدعاوى الشهيرة مثل دعوى براون (Brown) ضد المجلس التربوي)، فكثيراً ما يكونون في دور دفاعي، وهو عادة ما يكون نتيجة لعصيان مدني (Civil Disobedience).
وعليه يمكن للنظام القضائي أن يُستخدم لمضايقة النشطاء، وإعاقة حركتهم الاحتجاجية، مثلما كان الوضع في الولايات المتحدة الأميركية لحركة الحقوق المدنية. على أية حال، في بعض الحالات تولد إجراءات الدفاع القانونية منتديات للنشطاء ليعبروا من خلالها عن وجهات نظرهم السياسية، واسثمار الحجج الأخلاقية لاستحصال براءتهم.
وهو ما كان صحيحاً في أغلب الأحيان في الولايات المتحدة الأميركية خلال محاكمة المحتجين على حرب فيتنام (Barkan 1985, 2006). فالنزاعات بشأن براءات الاختراع ليست [مماثلة] لإجراءات الدعاوى جنائية، بل هي مضايقة للمزارعين، الذين يقاومون النظام المهيمن على توزيع الموارد الجينية. وفي ذات الوقت، فإنها تحتوي على إمكانية فتح منتديات للادعاءات الأخلاقية المتعلقة ببراءات الاختراع وحفظ البذور.
لقد وقف شمايزير في المحكمة في مواجهة شركة مونسانتو، على الرغم من أن القيام بذلك يتطلب موارد [مالية] هائلة، و[كانت نتيجته] أنه أصبح بعد ذلك ناقداً عالمياً مشهوراً للتكنولوجيا الحيوية.
فللدفاع عن نفسه، لم يكن شمايزير قد جادلهم بأن قوانين براءات الاختراع معيبة ولها عواقب اجتماعية غير مقبولة فحسب، بل جادلهم بحجة علمية حول تدفّق التحوّر الوراثي، وتلوّث إمدادات البذور، وأوجه القصور في أساليب البحث المستخدمة من قِبل محققي مونسانتو.
لذا فقضيته مهمة (فريدة من نوعها) من حيث دراسة الظروف التي لربما تقدّم تلك الدعوى ضدّ براءات الاختراع [فرصة] لإنشاء منتدى للاحتجاج الاجتماعي.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]