كيفية إجراء الحسابات في نظرية الإكلتروديناميك الكمومي
1997 عجائب الضوء والمادة تجريباً وتأويلاً
KFAS
نظرية الإكلتروديناميك الكمومي الفيزياء
أقسم هذه المحاضرة إلى قسمين. سأتكلم أولاً عن مسائل تخص الإلكتروديناميك الكمومي نفسه، على فرض أن هذا العالم لا يحوي سوى إلكترونات وفوتونات. ثم أتكلم بعدئذ عن صلة الإلكترودينامي الكمومي بباقي الفيزياء .
إن ما يُذهل أكثر من أي شيء سواه في الإلكتروديناميك الكمومي هو اختراع تلك السعات والتعامل معها بشكليات لا معقولة يمكن أن نخشى منها صعوبات جمة.
لكن الفيزيائيين ما يزالون، ومنذ أكثر من خمسين عاما، يعدلون في هذه السعات إلى أن أَلِفوها كل الأُلْفة . زد على ذلك أن الجسيمات الجديدة التي اكتشفناها، وما جلبته معها من ظواهر جديدة ، تتكيف كلها وعلى الشكل الأكمل مع كل ما يمكن أن نستنبطه من شكليات السعات هذه، التي تقضي بأن احتمال الحادث هو مربع سهم نهائي يتعين طوله بطرق التعامل الغريبة مع مفردات الأسهم المعهودة (ومنها تنتج التداخلات وسواها).
إن هذه ((المنظومة)) التي تعتمد على السعات تؤيدها التجارب دون أدنى شك. ولئن كان لكم الحق في أن تطرحوا ما تريدون من الأسئلة الفلسفية بصدد معنى هذه السعات (إذا كان لها أي معنى)، إلا أن الفيزياء علم تجريبي وأن هذه المنظومة تتفق مع التجربة، فمن المفيد لنا اذن أن …
وفي الفيزياء صنف كامل من المسائل المرتبطة بالإلكتروديناميك الكمومي، والتي تبرز عندما نريد تحسين الطريقة لحساب حصيلات كل الأسهم الصغيرة – ولدينا تقنيات شتى بحسب الظروف – ويحتاج طالب ما بعد الإجازة إلى ثلاث سنوات أو أربع للسيطرة عليها. إنها قضية تقنية ولن أتوسع فيها أكثر مما فعلت . فكل ما يجب علينا عمله هو أن نسعى باستمرار لتحسين الطرائق التي تتيح تحليل ما تقوله النظرية حقاً في الظروف المختلفة .
لكن هنا مشكلة أخرى ، ملازمة لنظرية الإلكتروديناميك الكمومي بالذات ، استغرق التغلب عليها عشرين عاماً . إنها تخص الإلكترونات والفوتونات المثالية وكذلك العددين n و J .
إذا لم يكن يوجد سوى إلكترونات مثالية، لا تذهب من نقطة لأخرى إلا في الطريق المباشـر (المرسوم في يسار الشكل (77)) ، لا يكون في الأمر أية مشكلة : تكون عندئذ n كتلة الإلكترون ، وتكون j ((حمولته)) (سعة اقتران إلكترون بفوتون) التي يمكن أيضاً تعيينها تجريبياً.
لكن الإلكترونات المثالية غير موجودة . والكتلة التي نقيسها في المختبر هي كتلة إلكترون واقعي يُصدر ويمتص الفوتونات الخاصة به بين وقت وآخر ، وتتعلق إذن بسعة الاقتران j ، على أن ((الحمولة)) التي نقيسها تخص شحنة إلكترون واقعي مع فوتون قادر على تشكيل زوجي إلكترون بوزترون من وقت لآخر: إنها تتعلق إذن ب E (A إلى B) وبالتالي n (شكل 78) .
ولما كانت كتلة الإلكترون وحمولته تتأثران بهذه الأحداث (وسواها) فإن الكتلة m والشحنة e المقيستين تجريبياً ، تختلفان عن n و j اللذين نستعملهما في حساباتنا.
كان يمكن أن لا يكون في هذا الاختلاف مشكلة لو كنا نملك علاقة رياضية دقيقة بين n و j من جهة و m و e من جهة ثانية: كنا عندئذ نحسب ببساطة قيمتي n و j اللتين يجب الانطلاق منهما للحصول على قيمتي m و e التجريبيتين. (إذا وجدنا أن نتائج حساباتنا لم تتفق مع m و e ، ما علينا سوى أن نعبث قليلا ب n و j الأصليين إلى أن يحصل الاتفاق) .
لندرس كيف نحسب m في حقيقة الأمر. نكتب سلسلة حدود، تقريباً على شاكلة السلسلة التي صادفناها من أجل العزم المغنطيسي للإلكترون: الحد الأول خال من أي اقتران – إنه E (A إلى B) فحسب – ويمثل إلكتروناً وهمياً يذهب مباشرة من نقطة لأخرى في الزمكان.
الحدث الثاني يحوي اقترانين ويمثل إصدار فوتون وامتصاصه. ثم تأتي حدود ذات ستة إقترانات، ثم ثمانية، وهكذا دواليك (يمثل الشكل 77 بعض هذه التصحيحات) .
ولحساب الحدود ذات الاقترانات علينا (كالعادة) تناول كل المحطات النقطية التي يمكن أن تحدث فيها هذه الاقترانات، بما فيها حال انطباق نقطتي اقتران عندما تكون المسافة بينهما معدومة.
لكن عندما نحاول إجراء الحساب حتى نهايته، حتى تنعدم المسافة، نجد أن المعادلة يتعذر تطبيقها فتعطي أجوبة غير ذات معنى – أشياء لامتناهية في الكبر خصوصاً.
وقد أثار هذا الأمر قلقاً كبيراً لدى ولادة الميكانيك الكمومي. كانت اللامتناهيات تظهر في نهاية كل حساب (كان إرضاء متطلبات التماسك الرياضي يقتضي الاستمرار في الحساب إلى أن تنعدم المسافة، وعند هذه النهاية بالذات، لانجد لـ n أو لـ j أية قيمة تعطي نتيجة ذات معنى، هنا تكمن المشكلة).
وواضح أننا لو عدلنا عن التمسك بإجراء كامل الحساب الذي يأخذ بعين الاعتبار كل محطات الاقتران المتاحة حتى تبلغ المسافة صفراً، فأوقفنا الحساب عندما تبلغ المسافة بين نقطتي الاقتران صغيرة جدا – لنقل 10-30 سنتيمتر، أي أصغر بمليارات مليارات المرات من أصغر مسافة نشعر بها تجريبياً، وهي اليوم 10-16 سم – نجد عندئذ بالحساب قيمتين محدودتين لـn و j تتيحان لكتلة الإلكترون وحمولته أن تأخذا القيمتين m وe المقيستين تجريبياً.
لكن المزعج هنا هو أننا لو استمررنا في الحساب – إلى 10-40 سم مثلا – نجد أن القيمتين المطلوبتين ل n و j ، كي تعطيا e,m نفسيهما ، تصبحان مختلفتين عما سبق!.
لكن بيث H.Bethe ووايسكوبف Weiskoph لاحظا، عام 1949، أي بعد عشرين عاماً من حسابات ديراك، ما يلي: إذا اضطلع شخصان بإجراء الحسابات وتوقف كل منهما، بخصوص صغر المسافة عند حد يختلف عن حد زميله وبما يتيح له تعيين قيمتين شخصيتين لـ n و j تتعلقان بـ m و e المقيستين ثم عمدا إلى حساب الجواب عن مسألة أخرى – معتمدين، كلاً منهما، على قيمته لـ n و j – فسيجدان، بعد أن يأخذ كل منهما في الحسبان أسهم حدوده كلها ، جوابين شبه متطابقين للمسألة الأخرى!
زد على ذلك أن هذا التطابق يتحسن كلما أمعن الشخصان في الاقتراب من الصفر بخصص المسافة التي يوقف عندها تعيين n و j، ثم كان أن اخترعتُ بالاشتراك مع شوينغر وتوماناغا، طرائق لإجراء الحساب إجراء عملياً، وأكدنا أن ذلك كذلك فعلاً (ونلنا عليه جائزة). وهكذا صار من الممكن إجراء حسابات في الإكلتروديناميك الكمومي!.
وهكذا يتأكد إذن أن الأشياء الوحيدة التي تتعلق بالمسافات القصيرة بين نقاط الاقتران هي قيمتا n و j – عددان نظريان لا يمكن على كل حال رصدهما مباشرة ، لكن يبدو أن ذلك لا يؤثر في أي من المقادير الأخرى الممكن رصدها .
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]