كيفية اختراع وتطوّر العجلة عبر الزمن
2016 أصل العلوم ما قبل التاريخ
جون كلارك مع مايكل ألابي وإيمي جان بيير
KFAS
التاريخ الأحافير وحياة ما قبل التاريخ
اخترعت العجلة وأعيد اختراعها عدة مرات عبر التاريخ. وقد ضاعت تفاصيل أول ظهور لها، منذ ما لا يقل عن ٥,٠٠٠ سنة مضت، في الماضي السحيق، وبذلك انقسمت الآراء حول كيفية التوصل إلى هذا الاختراع.
منذ 6,000 سنة استخدم الإنسان تقانات آلات السحب من مثل المحراث والزلاقات والعربات البدائية (مزدوجة مكونة من عمودين لسحب الأحمال).
وفي بعض بقاع العالم كانت الأحمال الثقيلة، كالحجارة والسفن، تنقل باستخدام المدحاة الخشبية (جذع شجر قابل للدوران).
وقد تكون المدحاة نقطة البداية لاختراع عجلة العربة، ويمكن تصور كيفية حدوث ذلك بلا عناء. ففي لحظة ما يبدو أن شخصاً ما زاوج بين فكرة الزلاقة والمدحاة الخشبية.
نتيجة لاحتكاك جذع الشجر مع سطح الزلاقة لفترة ما يبلى الجذع و يهترئ ، وبعد الاستخدام المتواصل للزلاقة يستقر سطحها في نهاية المطاف على الأجزاء المهترئة من الجذوع، وربما أدت هذه المشكلة إلى توصل الإنسان إلى فكرة العجلة المحورية (ذات المحور).
وتكمن أهمية وجود المحور في أن الطاقة اللازمة لإدارة العجلة المتصلة به صغيرة نسبياً نتيجة لصغر محيطه؛ فبتوفير طاقة صغيرة نسبيا تستهلك في إدارة المحور تتعاظم هذه الطاقة على شكل دوران العجلة بأكملها.
لكن تواجهنا بعض العقبات في تبني نظرية الدحرجة– فالجذوع المدورة تنقسم وتتكسر بسهولة تحت الضغط الواقع عليها، كما أن جذوع الأشجار الطويلة المستقيمة لم تكن متوفرة بكثرة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتوفر إثباتات دامغة على أنها أول منطقة ظهر فيها النقل باستخدام العجلات.
يستخدم علماء الآثار ظاهرة تطور بناء العجلات ذات المحاور الثابتة دليلاً على التقدم الحضاري النسبي لمجتمع ما. ويعود تاريخ أول عجلة محورية مكتشفة إلى عام 3200 ق.م.
فالسومريون وشعوب بلاد الرافدين (العراق حاليا) رسموا صوراً لعربات ذات عجلات صماء، ويبدو أنها مصنوعة بلحم لوحين خشبيين مقطوعين على شكل دائرة، ويمر المحور في ثقب في مركز كل من العجلتين ويثبت باستخدام مسامير تثبيت، كما ظهرت العجلات المحورية في عربات الحرب عند السومريين في بلاد الرافدين أيضا في حوالي عام ٢٥٠٠ ق.م،
وقد وفرت هذه المركبات ميزة كبيرة للجيوش دون شك، بيد أنها كانت ثقيلة وصعبة التحكم ، وبعد حوالي ٥٠٠ عام طور السومريون البرمق (المترجم: العجلة الشعاعية وهي العجلة شبه الصماء) مما جعل العربات أخف وزناً وأسهل في التحكم بها. وخلال الــ ٥٠٠ سنة التالية انتشر التصميم وشذبته حضارات أخرى بما في ذلك المصريين والرومان.
ويحتمل أن الحضارات المختلفة توصلت بشكلٍ مستقلٍ عن بعضها إلى اختراع العجلة. ففي الصين، على سبيل المثال، ظهرت العجلات حوالي عام ٢٨٠٠ ق.م. كما يبدو أن الصينيين هم أول من طور العربة أحادية العجلة، وذلك حوالي عام ١٠٠ ق. م.
ولم تلحق التقانة الأوروبية بالركب إلا بعد قرون عديدة – تمثل زجاجة ملونة لنافذة ترجع إلى القرن الثالث عشر في كاتدرائية تشارتر في فرنسا أقدم عربة أحادية العجلة معروفة في العالم الغربي.
لكن، يحتمل أن اختراع العجلة لأول مرة لم يكن بهدف توفير وسيلة نقل ، فالدلائل التي ترجع إلى عام ٣٥٠٠ ق. م. توضح أن صانعي الفخار كانوا يستخدمون قرصاً دواراً لمساعدتهم على إنتاج أوانٍ فخارية ناعمة منتظمة التشكيل.
وقد طور الإغريق والمصريون فيما بعد عجلة صناع الفخار إلى عجلة للموازنة (الحدافة) والتي تقوم بتحويل نبضات الطاقة، من مثل الضغط بالقدم على الدواسة، إلى حركة مستمرة سَلِسة. كما أن الإغريق أضافوا تغييراً ميكانيكياً جوهرياً للعجلة.
فالقرنان الرابع والثالث قبل الميلاد شهدا تطوير سن الدولاب والعجلات المسننة والبكرات. كما أن اختراع عجلة الماء كان تعديلاً مهماً على الفكرة الأساسية لتصميم المحور، فالعجلات المائية، والتي طورت أول مرة عام ٨٥ ق. م.، سمحت للإنسان تطويع قدرة المياه لتشغيل الآلات الثقيلة، وبالتحديد حجر الرحى لطحن الحبوب.
ظهرت ابتكارات لنماذج وأغراض عديدة للعجلة منذ الأزمان البعيدة. فالصينيون استخدموا العجلات الدوارة لتصنيع خيوط النسيج فيما بين عامي ٥٠٠ – ١٠٠٠ ميلادي، وقد وصل الابتكار نفسه إلى أوروبا مع بدايات القرن الثالث عشر.
وليست العجلة الدوارة إلا تعديلاً على الحدافة: يؤدي دوران العجلة إلى إدارة المغزل الذي يبرم الألياف مع بعضها لتصنيع الخيوط وبسرعة تزيد عدة مرات عما يمكن لليد أن تقوم به.
كما أن الحدافة لعبت دوراً جوهرياً خلال الثورة الصناعية، فعندما توصل الحدافة إلى أسطوانات تحركها الآلات البخارية تتحول نبضات من القدرة الخام إلى حركة سَلِسة يمكن استخدامها لإدارة آلات المطاحن والمصانع وبالطبع توفر الطاقة للمركبات.
وفي وقت لاحق ظهرت اختراعات مبنية على أسس عمل العجلة بما في ذلك التوربينات والجايروسكـوب والعجلات الزيتية وجميعها تعديلات على تكنولوجيا عمرها 5,000 سنة ومازالت تتطور بقوة حتى اليوم.
العجلة الفائقة (الخرافية)
تشير معظم الدلائل إلى أن العجلة كانت واحدة من تقانات العالم القديم. وتتملك الدهشة علماء الآثار بأن الحضارات المتقدمة في العالم الجديد كانت تنقصها استخدام العجلة في المواصلات أو تحريك الآلات قبل وصول الأوروبيين في القرن السادس عشر.
ومن المثير للعجب أن شعوباً متقدمة تقانياً، مثل المايا والأزتيك، فشلوا في التوصل إلى نموذجهم الخاص للعجلة. في الحقيقة هناك بعض الأدلة على توصلهم لهذا الابتكار.
ففي عام ١٨٨٠ اكتشف الفرنسي كلود – جوزف ديزريه تشارنيه (١٨٢٨-١٩١٥) شيئاً يبدو أن له عجلات وذلك في تينيبانكو في جبل بوبوكاتيبتل (المكسيك).
ويعود تاريخ المجموعة المنحوتة من الحجر إلى عام ١٥٠٠ ق. م. وبذلك يتبادر إلى الذهن السؤال عن سبب عدم استخدام الأزتيك للعجلات رغم معرفتهم بكيفية صنعها.
وتذهب إحدى النظريات إلى أن السبب يعود إلى أن مجموعة اللعب المكتشفة أدوات دينية وأن مفهوم العجلة لدى الأزتيك اعتبر في نطاق ما وراء الطبيعيات – لاستخدام الآلهة وحدهم، والربط بين العجلة والغيبيات ليس بالأمر النادر.
فحركة العجلة تعكس عددا من الدورات الطبيعية: الحياة والممات، الليل والنهار، تغيّر الفصول، وحتى حركة الكواكب، فكل هذه الظواهر تتبع مسلكاً دوريا. وتبدو العجلة ضمن الرموز الدينية لعددٍ آخر من الحضارات وفي الغالب مرادفة للشمس.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]