كيفية استغلال العلماء لـ”الحرارة الأرضية” والاستفادة منها
1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثامن
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
الحرارة الأرضية علوم الأرض والجيولوجيا
لاحظَ العلماءُ منذُ القِدمِ تَزايد درجاتِ الحرارةِ مع زيادةِ العُمق تحتَ سطحِ الأرضِ؛ وأولَ ما لاحظوا ذلكَ في المناجمَ العميقةِ، ثم شرعوا بعد ذلك يَقيسونَ هذهِ الزيادةَ في أماكنَ مختلفةٍ فيها مناجمُ وآبارٌ عميقةٌ، فوجدوها تزيدُ بمُعّدل ثابتٍ هو درجةٌ واحدةُ مئوية كلّ ثلاثين متراً منَ العُمقِ، وقد سمّى العُلماء هذا التدرُّج في الزيادةِ بالممال الحراي للأرضِ.
وقد فَكروا باستغلال هذهِ الظاهرةِ في توليدِ الطاقةِ من البخارِ الذي يتحول عن المياهِ الحارةِ التي في باطنِ الصخور، ولكنهم وجدوا أن الممال الحراري عند عُمقِ نحوَ ثلاثةِ كيلومتراتٍ، لا يُعطي حرارةً كافيةً تُمكّنُ من توليدِ الطاقةِ من الحرارةِ الأرضيةِ بوسائلِ التكنُولوجيا الحاليةِ.
وأثْبَتت الأبحاثُ بعد ذلكَ أن الممال الحراريّ للأرضِ يختلفُ عن المُعتادِ في أماكنَ مُعيَّنةٍ منَ القشرةِ الأرضيةِ.
وقد صادفَ العُلماءُ درجاتِ حرارةٍ أعلى كثيراً من المتوقعِ عندَ أعماقٍ قريبةٍ نوعاً ما من السطحِ، ووجَدوا أن هذهِ المناطقَ ذاتَ درجاتِ الحرارةِ العاليةِ بشكلٍ غيرَ عادي، تُوجدُ فيها صخورٌ بركانيةٌ حديثةٌ، أو بها تَدخُلات من صخورٍ ناريةٍ على عُمقٍ قريبٍ نسبياً من السطحِ، أو تضمُّ أحزمةً من حركاتٍ نشيطةٍ بانيةٍ للجبالِ، وأن النطاقاتِ من المادةِ القشريةِ الحارّةِ تتركّزُ على طُولِ حُدودِ ما يُسمّى بالألواح القِشريةِ للأرضِ.
وفكرَ العُلماءُ في أن يبحثوا عن مثل هذه النطاقاتِ في القشرةِ الأرضيةِ، ويُحاولوا استغلالَ الطاقةِ منَ الحرارةِ الأرضيةِ العاليةِ التي فيها.
هُناك نموذجان رئيسيان لنُظُم استِغْلالِ الطاقةِ من الحرارةِ الأرضيةِ: يُسمى النموذجُ الأولُ «نظامَ المياهِ الحارة»، ويُسمّى الآخرُ «نِظامَ البُخارِ الجافَّ».
وفي النظام الأولِ تكونُ المياهُ التي في الأعماق البعيدةِ حارّةً، لأنّها تُلامِسُ مَصدراً حَرارياً مثلَ (فَيْضٍ لابِيَّ) حديثٍ جيولوجياً، وعندما تصعدُ هذهِ المياهُ إلى السطحِ عن طريق حفْرِ بئرٍ تصلُ إليها، يتحوّلُ بعضُ الماءِ الحار إلى بُخارٍ، وعندئذٍ يُفصلُ البُخارُ منَ الماءِ، ويمكنُ إدخالهُ في عَنَفةِ (توربين) تَتولدُ من إدارتها الكهرباءُ.
وأما النظامُ الثاني فتكونُ ظُروفُ الحرارةِ في العُمقِ، بحيثُ لا يَخرجُ إلى السطحِ من خِلالِ البئرِ إلا بُخارٌ فقط، ويُوجّه هذا البُخارُ إلى التوربيناتِ ليُديرها، فَتَتولدُ منها الكهرباء.. وكِلا النظامينِ يُعتمدُ أساساً على المياهِ الجوفيةِ العاديةِ.
هناك فِكرٌ حديثٌ يتجهُ إلى مُحاولةِ تَوليدِ الطاقةِ مما يُسمّى بأحواضِ الترسيبِ الهابطةِ، ففي هذهِ الأحواضِ تتراكمُ عندَ بعضِ الأعماقِ طبقاتٌ صمَّاءُ من الطينِ والصلصالِ فوقَ طبقاتٍ أخرى مُنفِذَة، فإذا وُجدَ هذا التَعاقُبُ على اعماقٍ تزيد على 3000 متر.
فإن الطبقاتِ الصمّاء تعملُ كأنّها دِثارٌ عازل للحرارة التي في الطبقات المنفذة تحتها، فترتفعُ درجةُ حرارةِ المياهِ التي في تلك الطبقاتِ ارتفاعاً هائلاً بسبب الضغطِ الكبير الواقع عليها أيضاً.
وتُسمى مثلُ هذه النُّطُقِ الجيولوجيةِ بِنَطقِ التضاغط الأرضي.. وليست المياهُ الحارةُ في هذِهِ الحالةِ مياهاً جوفيةً عاديةً ساريةً، بل ما يُسمّى بالماء المقرون، أي الذي احتَجَزتْهُ الرواسِبُ البحريةُ في ثَناياها عِندَما كانت تترّسّبُ في حوْضٍ ترسيبيٍ هابطٍ.
وللأسفِ لم يتوصلِ الباحثونَ حتى الآن إلى وسيلة تكنولوجيةٍ مناسبةٍ ناجحةٍ لاستغلالِ حرارةِ الماءِ المقرونِ في نُطُق التضاغُط الأرضي بأحواضِ الترسيبِ الهابطةِ، لكن هذه النُطُقَ تُعَدُّ مَصادرَ مُبَّشرةٍ يُمكنُ استغلالُ الطاقَةِ منها في المستقبلِ.
إن الاستعمالَ الأساسيَّ للحرارةِ الأرضيةِ هو توليدُ الكهرباءِ، وهذا قد بَدأ أولَ ما بدأ بمرحلةٍ تجريبيةٍ في إيطاليا عام 1904، لكنَّ الإنتاجَ الحقيقي للكهرباءِ كان في إيطاليا أيضاً، وقد بدأ عام 1913 .
وتُعدُّ إيطاليا ألآن أكبرَ مُنتج في العالم للكهرباءِ من الحرارةِ الأرضيةِ، وهُناك دولٌ أخرى تُنتجُ الكهرباءِ من الحرارةِ الأرضيةِ، مثلُ أيسلاندة، وروسيا، والمكسيك، واليابان، والولايات المتحدة الأمريكية.
وتُستَغلُّ الحرارةُ الأرضيةُ بجانبِ تَوليدِ الكهرباءِ في أغراضٍ أخرى كتدفئةِ المنازلِ، وتكييفِ الهواء، وضبط حرارةِ صوباتِ الزراعةِ.
كما أن المياهَ الحراريةِ الأرضيةِ مصدرٌ لنواتجَ ثانويةٍ، كالبوتاسيوم والكلسيوم والبورون، ومن استعمالاتها أيضاً دورُها في تَحليةِ ماءِ البحرِ لأغراض الريّ في الزراعةِ.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]