التاريخ

كيفية اكتشاف مرض الملاريا في الدول الأوروبية

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

مرض الملاريا الدول الأوروبية التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

وما دام الحديث عن التاريخ الإنجليزي، فلنذكر هنا ضحية أخرى للملاريا، هو أول وآخر رئيس لجمهورية انجلترا، ونعني "أوليفر كرومويل" الذي مات بالملاريا عام 1654م، بعد أن رفض أن يعالجه الأطباء بمنقوع الكينا التي أخذ الناس يستخدمونه دواء لهذه الحمى، بعد أن تعلموا ذلك من الهنود الحمر.

وصار الإسبان واطباؤهم من الكاثوليك يستوردون هذه المادة عام 1654م من بيرو، وكرومويل رجل بروتستنتي متعصب لمذهبه، وقد اعتبر منقوع الكينا هذا دجلاً بابويا، والخير له أن يموت بروتستنتياً نقياً من أن يشفى على يد الكاثوليك من أعدائه!!.

وعلى ذكر منقوع الكينا وسيرتها، فالأمر له قصة تستحق أن تروى وأن تسجل في هذا المقام، فقد كانت "بيرو" في أوائل القرن السابع عشر مستعمرة تقع تحت حكم الأسبان، وكان علهيا نائب للملك اسمه "دون لويس جيرو نيمو فرناندز دي كابريرا بوبا ديلا" ويلقبونه اختصاراً "بالكونت كينكون".

وقد أصيبت زوجته الكونتيسة كينكون المسماه (دونا فرانشيسكا هنريك دي ريبير" بالملاريا إصابة شديدة، ولم ينفع معها دواء لعلاج هذه الحمى التي ألمت بها عام 1640م وعندها أشار عليها بعضهم بشراب منقوع لشجرة يستعملها الهنود الحمر في بيرو، ويطلقون عليها اسم شجرة الحمى، وقبلت الكونتيسة بالنصيحة نتيجة ليأسها، وشربت منقوع لحاء الشجرة فشفيت وزجة نائب الملك، مما دفع الحماس بها إلى نقلها إلى أسبانيا، حيث أهدتها إلى أحد الأديرة الكاثوليكية هناك، فزرعوها ونشروها باسم الكونتيسة كينكون، غير أن الناس وقد تداولوها وحفروا الاسم من كينكون إلى كينا، ومن ثم شاع الاسم وانتشر وسار مع الأيام حتى زماننا هذا باسم الكينا.

 

لقد سجلوا هذه الرواية على حائط مستشفى "سانتا سبيربينو" في روما، غير أن أحد المؤرخين فجع القوم برواية أخرى تقول : إن "الكونت كينكون" كان نائباً للملك على بيرو حقاً، ولكنه كان دون زوجه معه لسبب بسيط هو أن زوجته كانت قد ماتت قبل ذهابه إلى بيرو بسنتين.

لهذا فالقصة كلها محض اختلاف وتزييف ، ونحن هنا لا نملك إلا أن نقف موقف الحذر من هذا وذاك، وموقف الحياد من الروايتين، وعلى أي حال فقد وفق الناس إلى علاج لهذا المرض قبل أن يعرفوا أسبابه بل قبل أن يعطوه اسماً محدداً، وهذا الاسم إنما جاء من وضع طبيب إيطالي في سنة 1690م اسمه "فرانسيسكو تورتي" ليطلق على هذا المرض اسم مالاريا، وقد اشتقه من كلمتين إيطاليتين هما مالا ايريا وتعني الهواء الفاسد بدلاً من اسم حمى المستنقعات الذي كان سائداً فيما قبل عند أغلب الشعوب.

ربما كانت الملاريا تنفرد عن بقية الأمراض بأنها وجدت علاجاً لها قبل أن يعرف الطب لها سببا، لهذا كانت السنوات التالية تدور حول محور دراسة أسباب الملاريا، وكيفية انتقالها والإصابة بها.

وهنا لا بد لنا أن نسجل الفضل لطبيب فرنسي اسمه "الفونس لافيران" لأنه الرجل الذي كان أول من كشف عن طفيلي الملاريا عام 1880م في دم مريض بها، فإذا به طفيلي وحيد الخيلة يسبح في الدم متوطناً في الخلايا الحمراء منه، حيث يتكاثر ويكتمل نضوجه وتنفجر، فإذا انفجرت بما تحوي من طفيليات صغيرة، جاءت مع انفجارها نوبة الملاريا المعروفة، تداهمه بسبب ما فيها من سموم وتختلف النوبة حسب اختلاف نوع الطفيل الذي عرفوا منه أربعة أنواع، فبعضها يبلغ في يوم، وبعضها الآخر في يومين أو ثلاثة.

 

ومن ضمن قافلة العلماء الذين ساهموا في رسم الطريق الصحيح لمعرفة الملاريا يمكن أن نذكر اسم الدكتور "باتريك مانسون" عام 1892م وهو الذي حدد دور البعوض في نقل المرض من إنسان مريض إلى إنسان آخر سليم.

كما نذكر معه الدكتور "رونالد روس" الطبيب العامل في الجيش الهندي، وهو الذي كشف في عام 1895م عن صورة الدور الذي يقوم به البعوض في نقل المرض وبعد أن كشف هذه الحقيقة في مدينة "سندر أباد" الهندية عاد مرة أخرى عام 1897م فاكتشف أن هناك أطواراً جنسية للملاريا، منها المذكر ومنها المؤنث، تتزاوج معاً داخل جدار معدة البعوضة، وتخرج منها أشكالاً صنوبرية تسبح نحو الغدد اللعابية للبعوضة، حيث تحقنها في دم الإنسان الذي تلدغه، عندما تبصق على الجرح حتى تسبب احتقاناً في موضع اللدغ بفضل مواد مثيرة في لعابها، فإن كانت البعوضة مريضة إن صنوبريات الملاريا تدخل مع اللعاب إلى دم الضحية.

ويبدو أن هذه الخطوة في كشف أسرار الملاريا كانت أهم الخطوات، لهذا اعتبروا يوم العشرين من أغسطس وهو يوم كشف "روس" لهذه الحقيقة عيداً يحتفل به العالم كله تحت اسم يوم البعوض، تخليداً لذكرى يوم 20 أغسطس عام 1897م المجيد.

 

على أية حال لقد بقى اسم الملاريا شائعاً في كل أقطار الدنيا، وعلى لسان كل الشعوب، بالرغم من الخطأ الذي وقع فيه الطبيب الطلياني الأول "تورتي" وقبعت الأسماء الأخرى في زوايا النسيان. 

فلا أحد يسمي اليوم الملاريا بالبرداء عند الناطقين بالضاد، ولا أحد يسميها "أيج" بالإنجليزية، وهو الاسم الذي أطلقه عليها الناس في انجلترا مما اثار الطبيب الفرنسي "فولتير" عليهم حين اكتشف أن اسم الطاعون الخطير Plague يتكون من مقطع واحد فقط فقال قولته الساخرة:

"ليت الطاعون يفتك بنصف القاموس الإنجليزي فيما تفتك الملاريا بنصفه الآخر!".

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى