كيفية حدوث ظاهرة البيت الزجاجي “الدفيئة”
2016 العصر الحديث حتى الحاضر
جون كلارك مع مايكل ألابي وإيمي جان بيير
KFAS
ترسخ في أذهان غالبية الناس أن ظاهرة البيت الزجاجي (الدفيئة) لا تنفصم عراها عن ظاهرة الاحترار العالمي. لكن من محاسن الصدف أيضاً أن الدفيئة ظاهرة طبيعية بسببها أصبح كوكبنا مؤهلاً لدعم الحياة.
لا تمثل ظاهرة البيت الزجاجي أمراً جديداً، فالأرض استفادت منها عبر بلايين السنين. تتمثل محصلة الظاهرة فـــي توفيــر غطــاء عازل – تؤدي الظاهرة الطبيعية إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بحوالي ٣٠ درجة سيليزية عن درجة حراراتها في ظل عدم وجود الظاهرة.
تصدر عالم الرياضيات الفرنسي جين فورييه (١٧٦٨- ١٨٣٠) قائمة المكتشفين لمبادىء الظاهرة واسماها بظاهرة «البيت الزجاجي» وذلك عام ١٨٢٧.
كما وفر الفيزيائي الإيرلندي جون تندال (١٨٣٠- ٩٣) عام ١٨٥٩ البراهين التجريبية على صحة آراء فورييه. برهن تندال تجريبياً أن بعض الغازات يمكنها حبس الحرارة ومن بينها غاز ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء.
توصل العلماء خلال أوائل القرن العشرين إلى معرفة أن الأرض مرت بتغيرات مناخية كبيرة، وأنها تتمتع في الفترة الحالية بمناخ دافىء نسبيا، وتعرف هذه الفترة بالزمن ما بين عصرين جليديين.
ونظراً لمعرفته بدور في ظاهرة البيت الزجاجي، خمن عالم الكيمياء الفيزيائية السويدي سفانت آرينوس (١٨٥٩-١٩٢٧) أن حوادث تبريد الأرض (العصور الجليدية) سببها انخفاض مستوى في الغلاف الجوي.
استمر آرينوس في التفكير باتجاه آخر فقام بحساب كميات ثاني أكسيد الكربون التي تطلق في الجو نتيجة للنشاطات البشرية المختلفة ليتوصل إلى مفهوم حدوث أثرٍ معاكسٍ لتبريد المناخ على المدى الزمني الطويل.
وبذلك أصبح آرينوس عام ١٨٩٦ أول من نادى بوقوع احترار عالمي بدل التبريد الذي مرت به الأرض في العصور السابقة. قد يواجه العالم دفئاً في المناخ بسبب انبعاث غازات الأنشطة الصناعية. لكن الحدث المرتقب بدى بعيد الأمد إلى درجة أن آرينوس نفسه لم يعرها اهتماما.
أحييت الفكرة بعد أربعة عقود، في عام ١٩٣٩، على يد هاوي الأرصاد الإنجليزي غي ستيوارت كالندار (١٨٨٩-١٩٦٤).
فبعد مراجعته للسجلات التاريخية إرتأى كالندار وجود رابط بين زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو وارتفاع درجة الحرارة في الجو. لكن العديد من علماء المناخ رفضوا الفكرة باعتبار وجود إتزان طبيعى بين الزيادة في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو وامتصاص المسطح المائي للغاز، مما يجعل أي تغير في درجة حرارة الأرض مستحيلا.
لكن مقترح كالندار زرع بذرة شك في الأذهان، لتبقى الفكرة ماثلة أمام الأعين منذ ذلك الحين. بيد أن الدلائل كانت واهية مما فتح المجال لتساؤلات عدة. كان علماء المناخ بحاجة ماسة إلى نماذج رياضية أفضل وإلى بيانات أدق، وعلى مدى الجزء الأخير من القرن العشرين توفر الإثنان وإن بشكل تدريجي.
خلال الستينيات من القرن العشرين توفرت وسائل دقيقة لقياس مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو، ودلت القياسات على مدى السنوات اللاحقة على ارتفاع متسارع لمستوى الغاز.
كما عكف العلماء خلال نهايات القرن العشرين على دراسة مستويات التعقيدات المحيطة بآلية عمل نظام المناخ الأرضي، مما جعل التنبؤ بمستقبل المناخ أمراً شبه مستحيل. وبذلك وفر الارتياب ثغرة يلج منها المنكرون لاحتمالية وقوع المشكلة وأضافوا بُعداً مقلقاً آخر للفريق الذي اعتنق مبدأ إمكانية حدوثها.
شهد العالم خلال الثمانينيات من القرن العشرين ارتفاعاً في درجة الحرارة، لكن اعتبار ظاهرة البيت الزجاجي محفزاً لذلك لم يكن إلا واحداً من بين أسباب أخرى عديدة يمكن أن يُعزى إليها الأمر. ومن هذا المنطلق أخذت النماذج الرياضية التي تُعنى بدراسة المناخ وتغيراته في اعتبارها كافة هذه المتغيرات من مثل قدرة المحيطات على امتصاص ثاني أكسيد الكربون الزائد وأثر السُحب.
يمثل عام ١٩٨٨ تاريخاً مفصلياً بشكلٍ ما. فعلى المستوى العالمي كان العام أكثر الأعوام في ارتفاع درجة الحرارة (كما شهدت الأعوام التالية درجات حرارة أعلى منذ ذلك الحين)، كما أنه العام الذي تنامى فيه الوعي الشعبي العام باحتمالية حدوث الاحترار العالمي. من جانبه أعاد عالم المناخ الأمريكي جيمس هانسن إلى الأذهان قضية احتمالية الاحترار العالمي بسبب الزيادة في مستويات ثاني أكسيد الكربون في الجو.
زادت كمية غاز ثاني الكربون في الجو خلال الفترة من ١٨٩٠ إلى ١٩٩٠ بحوالي الربع، أى من ٢٨٠ جزءاً في المليون حجماً إلى ٣٤٥ جزءاً. بحلول العقد الأخير من القرن العشرين كانت الحضارة البشرية تضخ في الجو ٦.٦ بليون طن (٦ بليون طن متري) من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً – ٥.٥ بليون طن (٥ بلايين طن متري) من حرق أنواع الوقود الأحفوري و ١.١ بليون طن (١بليون طن متري) نتيجة لاحتراق الغابات المطيرة.
وفي الوقت نفسه إزدادت معدلات إنبعاث غازات الدفيئة الأخرى: الميثان معدل زيادة واحد بالمئة سنويا، والكلوروفلوروكربونات (CFCs) بمعدل ٦٪ سنويا. ورغم أن الغازين موجودان بكميات تقل كثيراً عن كميات غاز ثاني أكسيد الكربون إلا أنهما أكثر كفاءة في حبس الإشعاع الشمسي.
توصل العلماء بنهايات القرن العشرين إلى اتفاق في الرأي بأن العالم مقبل على احترار كبير في مناخه وأن هذا الاتجاه سببه النشاطات البشرية التي تساهم في بث الغازات المحفزة لتأثير البيت الزجاجي.
ووفرت النماذج الرياضية للمناخ استقراءاتٍ مخيفةٍ حول التغيرات التي يمكن أن تحدث بسبب ذلك: العواصف العنيفة والفيضانات والجفاف الذي يعقب ذلك سريعا.
بدأت بعض الحكومات باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وفي عام ١٩٩٧ وقعت ٨٤ دولة من أمم الأرض بروتوكول كيوتو المعني بالتزام هذه الدول بالحد من هذه الانبعاثات، وأصبحت الإتفاقية نافذة عام ٢٠٠٥. رفضت الولايات المتحدة التوقيع على البروتوكول، لكنها تعهدت بأن تحاول أن تقلل من مستوى انبعاث غازات الدفيئة.
كيف يعمل تأثير البيت الزجاجي
إن التأثير الكلي للاحتباس الحراري يشبه ما تنتجه الألواح الزجاجية في بيوت الزجاج، وإن كانت الآلية تختلف قليلا. تصل الحرارة إلى الأرض على هيئة اشعاع شمسي.
ترتد بعض الأشعة إلى الفضاء بواسطة بعض الغازات الموجودة في الغلاف الجوي. لكن كمية جيدة من الإشعاع يعبر الغلاف الجوي ويسقط على سطح الأرض، حيث تمتص الأرض البعض منه ويرتد البعض الآخر.
يتخذ الإشعاع المنعكس (البيدو) شكل موجات تحت حمراء طويلة. هذا الإشعاع مختلف عن الإشعاع الشمسي الساقط ولغازات الدفينة قابلية أكبر على امتصاصه.
وبذلك تمتص جزيئات غازات الدفينة الموجودة في الغلاف الجوي الإشعاع محتفظة به مما يمنع تسربه إلى الفضاء الخارجي.
ونظراً لامتصاص جزئيات الغاز كمية معينة من الطاقة تقوم هذه الجزيئات ببث الطاقة في جميع الاتجاهات. وتشع حوالي ٣٠٪ من هذه الطاقة نحو الأرض مرة أخرى.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]