كيفية فحص الجثة في الحرائق
2010 الاستعراف الجنائي في الممارسة الطبية الشرعية
صاحب عيسى عبدالعزيز القطان
KFAS
بسبب الوعي المتزايد بمخاطر الحرائق ، ونتيجة للاهتمام المتنامي بالاحتياطات الوقائية ضد الحريق ، انخفض عدد حالات الوفاة من جراء الحرائق بالمملكة المتحدة البريطانية في العقد الأخير إلى حد كبير جداً.
حيث أصبح الآن عدد من يفقدون حياتهم بسبب الحروق لا يتجاوز ثمانمائة شخص كل عام ، وعلى الرغم من أن 70% من هؤلاء الضحايا ماتوا داخل منازلهم في حوادث عارضة ، إلا أن 10% منهم كانت من حوادث عمدية كما سجلتها محاضر الشرطة .
وقد لا تكون ظروف حوادث الحرائق العمدية (الجنائية) واضحة في البداية ، بل وقد لا يبدو ما يثير الشبهات أو يشير لوقوع جريمة ، ومن ثم يجب الاهتمام بكافة الترتيبات وإجراءات الفحص الفني لمسرح حادث الحريق لجلاء أسبابها.
كما أنه من الحكمة البالغة اعتبار كل من الوفيات من جراء الحرائق حالات مشتبهة إلى أن يتم التوصل للسبب الحقيقي لاشتعال النيران ، وعادة يجري فحص الجثة في هذه الحالات على افتراض من المحقق بأن الدليل الطبي الشرعي الذي يؤكد احتمالات الشبهة الجنائية يجب أن يكون محدداً وواضحاً ودامغاً .
وقد عممت بالمملكة المتحدة (سنة 1985م) مجموعة من التوجيهات لأفراد الشرطة ورجال الإطفاء تتضمن كافة الإجراءات الواجب اتباعها عند نشوب حرائق جسيمة ، وأعيد إصدار هذه التوجيهات (سنة 1992م) بعد إدخال بعض التعديلات عليها والتي كان الغرض منها الحث على تشكيل أطقم عمل ذات تخصصات فنية مختلفة لفحص مواقع حوادث الحرائق .
1- فحص الجثة في الحرائق :
بعد الاطمئنان لإجراءات تأمين سلامة المبنى ، يسمح للطبيب الشرعي بدخول الموقع لفحص الجثة ، وقد يكون الوصول لمكان الجثة أمرا صعباً أحياناً لا سيما إذا كانت أرضية المكان هشة وغير متينة إلا بوضع دعامات للأسقف والأرضيات.
واستخدام السقالات والسلالم المتحركة يسهل كثيراً على الطبيب الشرعي أداء مهمته في هذه الحالات ، وفي حالة تهاوى درج (سلالم) المبنى ، فقد يستعان بسقالات من الخارج للوصول عبر نافذة إلى مكان الجثة .
ويراعى دائماً عند فحص الجثة بمسرح الحادث ، عدم التسبب في إحداث كثير من التلف بها أو العطب بملابسها على قدر الإمكان ، وبعد الانتهاء من الفحص الطبي الأولي ، تترك الجثة بحالتها في مكانها لحين انتهاء باقي الخبراء الفنيين من فحص مسرح الحادث ، وذلك للمحافظة على أية آثار أو أدلة مادية قد تكون عالقة بالجثة أو بملابسها ، والتي قد تفقد إذا رفعت الجثة من موضعها أو نقلت من الموقع مبكراً دون داع .
وبمجرد الانتهاء من أعمال التصوير الضوئي (الفوتوغرافي) الأولي للجثة وبعد إنجاز الرسومات التخطيطية المتعلقة بها ، يتم رفع بقايا الحطام وآثار الركام المتخلفة عن الحريق المتساقطة على الجثة ، ثم يعاد تصويرها فوتوغرافيا ، ويعاد فحصها مرة أخرى للبحث عن إصابات عنيفة أو آثار مقاومة بها.
ثم تنقل الجثة بعد ذلك من الموقع بعد وضعها داخل كيس بلاستيك ، مع استعمال قفازات الخدمة الشاقة (السميكة) أثناء ذلك لتلافي خطر الإصابة بأي أشياء حادة قد تكون متواجدة بالركام المتناثر على الجثة أو حولها ، ولتحاشي العدوى أو التلوث بسوائل الجثة مع الأخذ في الاعتبار أن القفازات الخفيفة لا تحمي الفاحص من مخاطر مسرح حادث الحريق ، وفي حالة الاضطرار لاستعمالها يفضل ارتداء اثنين منها على الأقل .
بعد رفع الجثة من مكانها ، يتم تصوير السطح الذي كانت (الجثة) راقدة عليه وما قد يكون به من أشياء (تحت الجثة) ، بالإضافة إلى تدوين وصف مفصّل للجثة ولملابسها وما حولها من أشياء مع التركيز على تصوير وإثبات وصف كامل للأجزاء السليمة بالجثة ، والتي قد تعطي فكرة جيدة عن موضع الضحية وتحركاتها وقت نشوب الحريق .
ففي حالة عدم تحرك الضحية كثيراً وبقائها ساكتة في وضع معظم الوقت ، كأن يكون مستلقياً على أرضية المكان ، تظل أجزاء كبيرة من جسده ومن ملابسه الملامسة للأرضية سليمة دون أن تمسها النيران بأذى ، أما إذا كانت النيران قد أمسكت بملابس الضحية أولاً ، ثم سقط بعد ذلك أرضاً ، فمن المتوقع أن تكون أجزاء من جسده ومن ملابسه الملامسة للأرضية تحته قد تأثرت بالحريق .
ويحدث اشتعال النيران العارض بالملابس من جراء عدة أسباب ويتوقف موقف بداية إمساك النيران بالملابس بدرجة كبيرة على مصدر الحريق ، ففي حالة إمساك النار بكم واحد من الملابس (أو بأحد الذراعين) وانتشارها بالأجزاء العلوية من الملابس على نفس الناحية من الجسم ربما يشير إلى ملامسة موقد مشتعل أثناء مد ذلك الذراع لتداول شيئاً قريباً من لهب .
وتحدث حرائق المعامل في الغالب من جراء الاشتعال العارض لبعض المواد القابلة للاشتعال التي يشيع تواجدها داخل المعمل (مثل المواد الطيارة) .
في مثل هذه الحالة يهرع الضحية عادة هارباً من مكان الحريق إلى أقرب مصدر مياه (حوض غسيل أو حوض استحمام مثلاً) ليطفئ النار الممسكة بملابسه أو ليبرد مواضع الحروق التي أصابته ، ويتخلف عن هذه التحركات (من الضحية) سلسلة من الآثار المحترقة في المكان .
وإذا وافته المنية بعد نزوله في حوض استحمام (مثلا) فإنه يمكن العثور على بقايا الملابس المحترقة عالقة ببالوعة الصرف ، ومن ثم يمكن بتتبع آثار وبقايا الملابس المحترقة المتناثرة في الموقع تحديد مصدر الاشتعال ومكان بداية الحريق .
وفي معظم حالات الحروق الجسيمة يفقد المصاب وعيه سريعاً من جراء الصدمة الشديدة التي تنتابه ، إلا أنه وفي بعض حالات نادرة يتصرف المصاب أحياناً بطريقة طبيعية للغاية قبل أن يفقد وعيه حتى وإن كان مصاباً بحروق خطيرة ، فقد يقوم باستبدال ملابسه المحترقة ، أو تنظيف آثار الحريق بالمكان ، ومثل هذا التصرف الغريب ربما يؤدي إلى نتائج خاطئة أو مضللة عند فحص الجثة للتعرف على أسباب حروقها لا سيما في حالة عدم وجود آثار حريق بالمكان القريب حول موضع العثور على الجثة.
إلا أن الفحص المدقق للمكان يكشف عادة عن آثار وبقايا الملابس المحترقة التي كان يرتديها المصاب (الضحية) أصلاً ، ومن ثم يضع يد الفاحص على أسباب الإصابات الحرقية بالجثة ، وبالتالي يمكنه تحديد المسرح الفعلي للحريق .
وفي حالة العثور على جثة غير متأثرة بالنيران في موضع بعيد نسبياً عن مكان الحريق ، فيجب الاهتمام بفحص توزيع ونمط انتشار ترسيبات السناج المتواجدة بالموقع لا سيما على الجثة أو حولها ، وذلك لتكوين فكرة عن مدى تنبه الضحية لاشتعال النيران (إذا كان الحريق قد بدأ في مكان بعيد عن مكان تواجده).
كما أن الاهتمام بفحص وضع الجثة وهيئتها ونوعية الأشياء حولها (كتواجد الجثة بجوار أحد مخارج المبنى ، أو عند تواجد فوط مبللة أو أواني ممتلئة بالمياه أو طفايات حريق بجوارها) قد يوفر الدليل على تنبه الضحية لحدوث الحريق ، ومن ثم شروعه في الهرب من المكان أو محاولته مقاومته النيران
هذا ومن الأمور الشائعة في مجال الجريمة ، استخدام النيران لطمس معالم حالة جنائية ، ومن ثم يجب على خبراء الفحص الفني عدم إغفال هذا الاحتمال في كل حالات الوفاة من جراء الحريق ، وذلك بتحديد ما إن كانت الحروق حيوية ووجود سناج بالمسالك التنفسية وتركيز عال لأول أكسيد الكربون بالدم .
ويساهم الاعتناء بفحص الجثة . والتدقيق في فحص مسرح الحادث بالإضافة إلى الاهتمام بالتحاليل المعملية عن المواد السامة (نسبة أول أكسيد الكربون بالدم) في وضع تقييم سليم وصحيح للواقعة.
وفي مثل هذه الأحوال وإن كانت الحروق تؤثر بشدة في الأجزاء الظاهرة من الجسد مما يؤدي غالباً إلى طمس وضياع أية مظاهر لعنف إصابي خارجي بالجثة إلا أن الأحشاء الداخلية تظل عادة بحالة سليمة مما يتيح فرصة جيدة (أثناء التشريح) للتعرف على الأحوال الإصابية الأصلية بالجثة (لا سيما الإصابات الغائرة والإصابات النافذة)
كما يجب الاهتمام بفحص بقايا الملابس المحترقة أو أية آثار مادية متواجدة بمسرح الحادث (مهما بدت ضئيلة) مع مراعاة تحديد أماكنها بدقة في الموقع ، وتوضيح علاقتها بموضع اكتشاف الجثة
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]