كيفية فرض العالم “فاراداي” وجود الأثير
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
فاراداي فارادي وفرض وجود الاثير الفيزياء
ولا يسعنا، ونحن نتحدث عن الآثار الرائعة لفاراداي، إلا أن نشير إلى مقامه السامي بين العلماء والفلاسفة في حل مشكلة من أعوص المشكلات العلمية الفلسفية الحديثة.
ونعني بها مشكلة التفاعل بين الأجسام عن بُعد وفرض الأثير اللازم لذلك. فبحثه في هذه الناحية، وبحث ماكسويل من بعده، يعتبران خطوة متوسطة بين نيوتن وآينشتاين .
وقد نشأ القول بالأثير عن حاجة الإنسان إلى تعليل التفاعل بين أجسام بعضها بعيدٌ عن بعض. ولم تبد هذه الحاجة ملحَّة إلا بعدما توصل نيوتن إلى قوانين الجاذبية.
ذلك أن وزن الجسم كان إلى عهد نيوتن شيئاً ثابتاً يتوقَّف على الجسم وحده دون أي جسم آخر. فلما بيَّن نيوتن أن وزن الجسم يمكن تعليله بالتجاذب بين كتلتي جسمين، وأن تطبيق هذه القواعد على القمر يعلل حركته.
سأل المفكرون : كيف يتم هذا الفعل وليس بين الأرض والقمر صلة مادية تصلح أن تكون وسطاً لنقل قوة الجاذبية، ومما لا ريب فيه أن انتقال الحرارة وغيرها من صور الطاقة يحتاج إلى وسط تنتقل من خلاله كذلك؟ .
ورغبةً في توحيد القوى الطبيعية . قيل أن الجاذبية تفعل في الظاهر دون وسيط، ولكنها في الواقع تنتقل عن طريق وسط متصل يملأ الكون لا انفصال فيه ولا انفصام، ودعى هذا الوسيط: الأثير.
وكان الطبيعيون، من علماء القرن التاسع عشر إلى مطلع نصفه الثاني، ينظرون إلى الأثير نظرتهم إلى المادة، فوجدوا أن هذه النظرة تقتضي منهم إسناد خواص معيَّنة إلى الأثير لا تتفق وخبرتهم العملية، خواص عجيبة تناقض الخبرة الإنسانية . فحملهم ذلك على القول بأن خواص الأثير لا يمكن أن تحدد بما حددت به خواص المادة.
ولما خابت النظرة المادية الميكانيكية إلى الأثير ، تطلعوا إلى ميدان الكهرومغناطيسية. وأول من أدخل الأثير في هذا الميدان كان فاراداي.
وقد كان علماء الكهرباء يقولون إلى عهده بشيءٍ أسموه الشحنة الكهربائية تستقر على الجسم المكهرب وتؤثر في الأجسام المكهربة البعيدة عنه على نحو ما تؤثر الأجسام بعضها في بعض بفعل التجاذب، وقد أفرغوا تلك القوة الكهربائية وصاغوها في معادلاتٍ رياضية، ولكن فاراداي لم ترقه فكرة التفاعل عن بُعد .
وقد أشار ماكسويل في مقدمة كتابه "رسالة في الكهرومغناطيسية" إلى فاراداي قائلا: " إن فاراداي رأى بعين عقله خطوط القوة تخترق الفضاء، حيث رأى الرياضيون مراكز القوة تتفاعل عن بعد. ففاراداي رأى وسطاً حيث لم يروا هم إلا مسافة" . وفي نظر فاراداي كان هذا الوسط هو الذي ينقل الكهرباء.
ولما كانت القوى الكهربائية تنتقل في الفراغ، فرض فاراداي أن الوسط الذي تنتقل فيه هو الأثير، وأن خواصه تتغير بوجود المادة فيه، وبهذا يعلل نقص القوى الكهربائية بين جسمين مكهربين إذا توسَّط بينهما لوح زجاج.
وعلى هذا النحو فسَّر الظواهر المغناطيسية. وقد جاء ماكسويل من بعده فأتم هذه النظرية التي تُوِّجت تتويجاً عملياً باكتشاف هرتز للموجات الكهرومغناطيسية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]