مبدأ عام للكون
2000 الرياضيات والشكل الأمثل
ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
"كل ما هو زائد وغير ضروري لا يرضي الخالق
ولا الطبيعة. وكل ما لا يرضيهما هو شر".
.D>ألِيكيري < (عام 1300 تقريبا)
على مدى التاريخ، ظل الناس يبحثون عن قوانين لوصف الظواهر الطبيعية في عالمنا الفيزيائي. بيد أنه لم يجر اقتراح مبدأ عام يشمل الظواهر الطبيعية جميعها إلا بحلول عام 1744 عندما أعلن العالم الفرنسي .L-p>دوموﭘيرتوي de Maupertuis <مبدأه العام للكون، الذي بات يعرف باسم قانون الفعل الأصغر law of least action. وقد نشر موﭘيرتوي سردا مفصلا لأفكاره عام 1746 تحت عنوان "استنتاج قوانين الحركة والسكون من مبدأ ميتافيزيائي".
الفعل واقتصاد الطبيعة :
مبدأ موﭘيرتوي
يستند هذا "المبدأ الميتافيزيائي" إلى فكرة أن الطبيعة تتصرف دوما بأكبر قدر ممكن من الاقتصاد. وعلى سبيل المثال، فإن الضوء يسلك في وسط متجانس أقصر الطرق الممكنة. وانطلاقا من هذه الفكرة، استخلص النتيجة التالية التي وصفها بأنها مبدأه العام:
إذا حدث تغير ما في الطبيعة، فإن كمية الفعل اللازمة لإنجاز هذا التغير يجب أن تكون أصغر ما يمكن.
ترى، ما هو هذا "الفعل" الذي يبدو أن الطبيعة تقوم به باقتصاد شديد؟
فكِّر مثلا بساعي بريدك، وانظر كيف تصف فعلهُ action.
إذا كان يقطع كيلومترين في ساعة واحدة، فإنك ستقول إنه ينجز ضعف "الفعل" الذي يمكن أن ينجزه فيما لو قطع كيلومترين في ساعتين ضعف "الفعل" الذي ينجزه عندما يقطع كيلومترا في ساعة واحدة. وعلى هذا فإن ساعي بريدك ينجز عند كيلومترين في ساعة واحدة أربعة أمثال "الفعل" الذي يقوم به عند قطعه كيلومترا واحدا في ساعة واحدة.
باستخدام هذه الفكرة الحدسية سنعرف الفعل بأنه جداء (حاصل ضرب) المسافة في السرعة والكتلة.
الفعل= الكتلة × المسافة × السرعة:
وسبب دخول الكتلة في هذا التعريف يعود إلى حقيبة ساعي البريد. وفضلا عن ذلك، فإن الطاقة الحركية (طح) kinetic energy، وفقا للعالم لايبنتز Leibniz، تعطى بالعلاقة
طح= ½ × الكتلة × (السرعة)2 ؛
لذا فإن للفعل وللمقدار
الطاقة الحركية × الزمن
بعداً فيزيائياً واحداً، لأن السرعة (المنتظمة) تساوي المسافة مقسومة على الزمن، وهكذا نكون قد توصلنا إلى تعريف كمي للفعل لا غنى عنه إن نحن عزمنا على تقديم صيغة رياضياتية لقانون من قوانين الطبيعة يستخدم مفهوم "الفعل"، وهذه الصيغة للفعل هي التي استخدمها موﭘيرتوي(1). ويمكننا إعادة صياغة مبدأ موﭘيرتوي على النحو التالي:
إن الطبيعة تخفض دوما الفعل إلى حده الأدنى.
وقد رأي موﭘيرتوي في هذا المبدأ تعبيرا عن الحكمة الإلهية، التي تقضي بأن كل شيء في الطبيعة ينجز بأكثر الطرق اقتصادا. وقد كتب يقول: "يا لها من سعادة للروح البشرية إذ ترى في القوانين، التي تشمل مبدأ حركة وسكون جميع الأجسام في الكون، إثباتا لوجود إله يُسيِّرُ العالمَ".
ولعلك تترقب أن ترى كيف يمكن استخدام مبدأ الفعل الأصغر لتفسير الأشكال والنماذج الجميلة التي تبدعها الطبيعة، والتي أتينا على ذكرها في مقدمة هذا الكتاب. لكننا نسألك التحلي بالصبر إلى حين انتهائنا من الاطلاع على قدر كافٍ من المعلومات الأساسية التي تمكنك من فهم المعالجة الرياضياتية لمسائل الأمثليات optimum problems. وما نرغب في القيام به الآن هو تعرف الأفكار العلمية والفلسفية التي مهدت لاكتشاف قانون الفعل الأصغر.
كيف توصل موﭘيرتوي إلى مفهوم أن الطبيعة تعمل بأقل فعل ممكن؟ أليس هذا هو مبدأ إدارة جيدة للعالم ابتدعه الخالق أكثر من كونه أساسا للعلوم الدقيقة exact sciences؟.. لإنه لأمر مثيرٌ للاهتمام حقا أن نرى كيف دخل هذا المبدأ الافتراضي علم الفيزياء، ولهذا، فإننا سنتوجه إلى أواخر عصر الباروك الذي نشأت فيه الأفكار الرياضياتية والفيزيائية الأساسية ذات الصلة. وسنرى كيف تطورت حينذاك المفاهيم الفلسفية والرياضياتية والفيزيائية لتندمج في مبدأ عام للكون ملخَّص بقانون الفعل الأصغر law of least action. وفي الوقت ذاته سنلقي نظرة خاطفة على حقبة رائعة من التاريخ.
- لقد سبق أن نص على هذه الصيغة لايبنتز الذي استخدم أساليب استنتاجية مماثلة لتحديد مفهوم الفعل. ومن المحتمل جدا أن يكون موﭘيرتوي قد سمع عن هذا من أحد أفراد عائلة >برنولِّي< Bernoulli، وهي عائلة سويسرية عريقة ينسب إليها عدد من علماء الرياضيات، جعلت من مدينة بال Basle السويسرية، بدءا من النصف الأول للقرن الثامن عشر، مركزا عالميا للرياضيات . (المترجمان)