التاريخ

مجموعة العلوم التي لم ينكرها العلماء العرب عند النقل أو الشرح أو التعليق

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

العلوم التي لم ينكرها العلماء العرب التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

العلم في العصر الإسلامي

كما انتقل العلم من أثينا إلى الإسكندرية، فقد انتقل ثانية إلى بغداد. وإذا كان الانتقال الأول أسبابه سياسي ، فإن الانتقال الثاني أسبابه دينية.

فقد هاجر النساطرة تحت ضعظ الإضطهاد الديني من مصر واليونان إلى آسيا، حيث عملوا على نشر العلم الإغريقي هناك. وقد مكث النساطرة ردحاً طويلاً في الرَّها حيث نقلوا الكثير من الكتب العلمية والفلسفية إلى السريانية.

ثم ترجمت هذه الكتب فيما بعد من السريانية إلى العربية. فكانت الرّها بذلك هي الطريق لنقل العلم من الإسكندرية إلى بغداد، أو همزة الوصل بين العلم الإغريقي والسكندري والعلم العربي .

وهكذا تمت في حينها دورة فذة في التاريخ. فقد ولد العلم الإغريقي في آسيا الصغرى، ثم انتعش في بلاد اليونان ، وخاصة أثينا ثم الإسكندرية، ثم عاد إلى آسيا فازدهر في برجامون والقسطنطينية والرَّها وبغداد .

 

ويحدثنا المسعودي في كتابه "فنون المعارف وما جرى في الدهور السّوالف" عن كيفية انتقال العلم الإغريقي المصري من الإسكندرية إلى أنطاكية حفاظاً عليه من الضياع : "كان الانتقال عن طريق ما بقي من مكتبة الإسكندرية الشهيرة وفيها ذخيرة من علوم الطب والهندسة والرياضيات والفلك.

ومن أنطاكية كان النقل إلى حرَّان، ثم كان استقرار العلوم في بغداد. وكان النقل الأول إلى أنطاكية بأمر من عمر بن عبدالعزيز الخليفة الأموي.

وتحت ضعظ التحديات من رواسب الحضارات السالفة تم الشعور بالنقص. بدأت الخيوط الأولى لاقتباس هذه العلوم" .

ويقول ابن خلدون في مقدمته : "فبعث أبو جعفر المنصور إلى ملك الروم أن يمده بكتب التعاليم مترجمة. فأمدَّه بكتب إقليدس وبعض كتب الطبيعيات، فقرأها المسلمون واطلعوا على ما فيها وازدادوا حرصاً على الظفر بما بقي منها .

 

وجاء المأمون، وكانت له في العلم رغبة، فأوفد الرسل إلى ملوك الروم لاستخراج علوم اليونان وانتساخها بالخط العربي" .

ولم يجد خلفاء بني أمية أو العباسيين غضاضة في انتشار علوم الأوائل بين العرب، على الضد من الكنيسة في عصر النهضة بإيطاليا. الذين أقبلوا عليها بشغفٍ ونهم نابذين منها كل ما لا يوافق أصول الدين الإسلامي الحنيف .

وسنحاول هنا تتبع المسارب الرئيسة لبعض علوم الأوائل من مختلف المصادر التي لم ينكرها العلماء العرب عند النقل أو الشرح أو التعليق :

 

1- العلوم الطبية : تركزت الينابيع الأولى لهذه العلوم فيما خلَّفه أبقراط أبو الطب، وجالينوس أبو الطب الإغريقي والذي تعلم الطب في جامعة "الإسكندرية" القديمة في القرن الثاني الميلادي.

وقد اشتُهرت مؤلفات جالينوس – بعد ترجمتها إلى العربية في القرن التاسع الميلادي – وظلت الترجمة العربية باقية أما الأصل اليوناني فمعظمه مفقود. وكانت هذه المؤلَّفات بمثابة المرجع الأساسي عند كل من أبي بكر الرازي وابن سينا وابن النفيس وغيرهم من أطباء المسلمين .

وأما مفردات الأدوية فقد نقلها إلى السريانية دويدرس البابلي، ومن بعده إسحاق بن حنين الذي عرَّب السُّريانية وأضاف إليها مصطلحات الأقباط، لأنه – كما يقول داود الأنطاكي – أخذ العلم عن حكماء مصر وأنطاكية، ثم انتقلت صناعة الأدوية وعلم الطب إلى الإسلام.

وأول مؤلِّف فيهما هو الرَّازي الذي صنَّف "الحاوي في الطب" وكان مرجعاً لأوروبا حتى القرن السابع عشر الميلادي، ثم ابن سينا الذي صنَّف "القانون في الطب" ، ثم تعاقب المصنِّفون من مثل ابن البيطار إمام النباتيين .

 

2- الكيمياء ( علم الصنعة ) : كانت مصادره اثنين :

أ- فارسية : ورائدها الحكيم جاماسف . كما يشير إليه ابن النديم والظغرائي الكيميائي الكردي.

ب- مصرية قبطية في العصر الإغريفي: ومن روادها: زوسيموس الذي أشار إليه الطغرائي في كتابه "ذات الفوائد"، والرازي في كتابه "سر الأسرار"، وهو من أخميم محافظة سوهاج التي ازدهرت مدرستها العلمية في القرن الرابع الميلادي .

وبعد أن ورث العرب الكيمياء من هذين المصدرين هذّبوها ورفعوها إلى مرتبة العلوم الأخرى بعد أن كانت صنعة ممقوتة مرذولة، حتى أنه لهوان شأنها كانت تدرَّس في الطابق الأسفل من مبنى الميوزيوم بالإسكندرية. وقد وضعوا فيها المؤلفات والمؤلفات، بلغت أكثر من 200 كتاب لجابر وحده و20 للرّازي ! .

 

3- البصريات (علم المناظر) : ومصادره أربعة :

أ- الضوء ليس بجسم لأرسطو: ترجمة حنين بن إسحاق .

ب- المجسطي لبطليموس القلوذي: وفيه الشطر الأول من قانون انعكاس الضوء .

ت- تحرير المناظر لإقليدس .

ث- في ذكر مطارح الشعاع تحقيق الكندي: مشروحٌ فيه كيف أحرق أرشميدس مراكب الأعداء عن طريق المرايا العاكسة لأشعة الشمس الحارقة .

ومن علماء العرب الذين برزوا في مجال البصريات ابن الهيثم صاحب "كتاب المناظر"، والفارسي الذي قام بتحرير هذا الكتاب والتعليق عليه، ووضع نظرية مقبولة لتفسير قوس قزح .

 

4- علم الفلك (علم الهيئة) : مصادره إثنان :

أ- سكندرية: ورائدها بطليموس القلوذي مؤلف موسوعة "المجسطي" في الرياضيات والفلك وكانت عوناً للأزياج المختلفة، بل كانت عوناً كبيراً لكتاب "حركة الأجرام السماوية" لكوبرنيكوس في بدء عصر النهضة الأوروبية. وقد أمر هارون الرشيد عام 800 م بترجمتها من اليونانية إلى العربية .

ب- هندية: تنبع من مدارس ثلاث فكرية وهي: مدرسة السندهند، ومدرسة الأرجهيز، ومدرسة أركند. وقد أمر المنصور بترجمة كتاب السندهند إلى العربية، وأن يؤلِّف منه كتاباً تتخذه العرب أصلاً في حركات الكواكب، فتولى ذلك محمد بن إبراهيم الفزاري، وعمل منه كتاباً أسماه المنجموه "السندهند الكبير" . وقام منجِّم الخلافة في عهد المأمون، محمد بن موسى الخوارزمي، بتأسيس نظام مستقلِّ لعلم الهيئة العربي (منهج السند هند) مقتبس من علم الهيئة السكندري "المجسطي" .

 

5- علم النبات : ومصادره اثنان :

أ- الفلاحة النبطية : وينسب للعلماء النبط، وشرحه ابن وحشية الكلداني .

ب- كتاب الحشائش لديسقوريدس النباتي اليوناني: الذي عرَّبه أصفهان بن باسيل .

وقد أهدى ملك القسطنطينية أرمانيوس نسخة منه إلى الخليفة الناصر عبدالرحمن بن محمد بالاندلس عام 337 ه .

وقد نبغ علماء عرب كثيرون في علم النبات من مثل: ابن جُلجُل الذي أضاف لمؤلَّف ديسقوريدس إضافات قيِّمة كان قد أغفلها عالم اليونان الكبير نفسه، والغافقي الذي اشتُهر بكتابه الأعشاب، وابن الرومية صاحب كتاب "الرحلة النباتية" وغيرهم .

 

6- علم الحيوان : ومصادره يونانية من أهمها كتاب الحيوان لأرسطو .

وقد نبغ علماء عرب كثيرون في هذا العلم من مثل: الجاحظ في مؤلَّفه الشهير "الحيوان"، والدَّميري فيموسوعته "حياة الحيوان الكبرى" وهي في جزئين، وابن شميل في كتابه "الصِّفات" في أجزاءٍ خمسة، والأندلسي في كتابه الشهير "المُخصَّص" وغيرهم .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى