مدى اهتمام العالم فاراداي بالمجال نفسه وكيفية رده على نظرية “العمل من بُعد”
1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني
صبري الدمرداش
KFAS
نظرية العمل عن بعد اهتمام العالم فاراداي بالمجال الفيزياء
الجُسيم .. ينزل عن العرش !
لماذا يُعتبر " المجال " مفهوماً ثورياً ؟ لأن علماء الفيزيقا حتى وقت فاراداي كانوا يركزون تفكيرهم حول الجسيم المادي، وحاولوا استخلاص جميع الظواهر من مفهوم الجسيم.
وكانت العمليات الفيزيقية تفسر بواسطة قوانين نيوتن للحركة وقوى التفاعل المتبادل بين الجسيمات . فجاء فاراداي وأزاح الجسيم بعيداً وتوَّج مكانه خطوط القوى التي تملأ الفضاء.
ولم يكن فاراداي يهتم بالجسيم الكهربائي أو المغناطيسي قدر اهتمامه بالفضاء الذي تعمل فيه هذه الجسيمات . وهذا هو كل أساس مفهوم المجال. فما يهم في نظرية المجال إنما هي الحالة الهندسية والفيزيقية للفضاء ذاته.
وكان فاراداي بالنسبة لهذه النقطة في غاية الوضوح. فقد كتب في "بحوث تجريبية في الكهرباء" :و"في ضوء هذا الفهم للمغناطيس يكون للوسط أو للفضاء المحيط به نفس أهمية المغناطيس، ويكون بذلك جزءاً من النظام المغناطيسي الكامل الحقيقي ".
وهنا نلاحظ أن فاراداي كان يرى ما يطلق عليه اليوم اسم "نظرية المجال المزدوج أو الثنائي"، وهي النظرية التي تعطي نفس الأهمية للجسيم والمجال ولكن يلعب فيها المجال الدور الأساسي والقيادي.
وبهذا يكون لفاراداي سبقٌ في الثورة النسبية الحديثة في الفيزيقا. كما يجب أن نرقى بمفهوم المجال إلى مصاف أعظم ما أبدعه العقل البشري من الناحية العلمية.
والحق إن فاراداي لم يكن يعتبر فكرة المجال نظرية مستقلة عن نظام نيوتن، ولكنه كان يعتبرها مكلمة لهذا النظام .
كما لم يكن في نيته أن ينزل مفهوم الجسيم عن عرشه ، ولكن هذا ما حدث بالفعل فيما بعد نتيجة لمفهوم فاراداي الثوري.
…. ومفهوم "العمل من بُعد" أيضا !
كما أسقط فاراداي مفهوم الجسيم عن عرشه، عمل كذلك على انهيار مفهوم آخر مهم وهو مفهوم "العمل من بعد" .
فقد افترض نيوتن، كما آمن بهذا الفلاسفة قبله بزمن، أن القوى يمكن أن تعمل وتؤثر على مسافاتٍ بعيدة وفي الحال ودون وسط أو وسيط! . كان ذلك زعمهم ، فهو السبيل الوحيد لتفسير طريقة عمل قوة الجاذبية بين النجوم والكواكب.
وكان لنظرية "العمل من بُعد" في القرن التاسع عشر قدمٌ في الفيزيقا راسخة . ولكن فاراداي شعر أن هذا المفهوم غير مقنع، وأن افتراضات الميكانيكا النيوتونية تتعارض وظواهر الكهرباء الديناميكية.
ومن ثم لم يتردَّد في نبذ تلك النظرية، وصياغة مفهومه الخاص حيث تحتاج القوة إلى زمنٍ لانتقالها، ووسائل انتقالها هي خطوط القوى.
وقد أجرى فاراداي تجاربه، ما استطاع ، لإثبات أن القوة تحتاج إلى وقت حتى تنتقل. وقد فشل في حالة قوة الجاذبية، ومع ذلك لم يتزحزح عن سلامة اعتقاده وإيمانه بصحة مفهومه.
ولكن فاراداي لم يحطم بنفسه مفهوم "العمل من بُعد"، ولكن محاولاته جعلته يتحطَّم على يدي "ماكسويل" الذي أزاله من علم الكهرباء الديناميكية. وكذلك "هندريك لورنتز" الذي أدت معادلاته التحويلية إلى اختفائه تماماً من علم الفيزيقا.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]