البيولوجيا وعلوم الحياة

مدى تأثير إنزيم “التيلوميراز” على خلايا جسم الإنسان

2002 في رحاب الكيمياء

الدكتور نزار رباح الريس , الدكتورة فايزة محمد الخرافي

KFAS

إنزيم التيلوميراز البيولوجيا وعلوم الحياة

من المعروف أن جميع خلايا جسم الإنسان قابلة للفناء، فبعد أن تنقسم من خمسين إلى مائة مرة فإنها تصاب بالهرم والشيخوخة . 

ويلاحظ أن الخلايا الهرمة اكبر حجماً من الخلايا اليافعة ، وهي تفرز البروتينات بمعدل مختلف، ولا تصبح قادرة على الانقسام .

ومنذ ما يقرب من عام أعلن فريق من الباحثين في مجال الطب الحيوي أنهم اكتشفوا طريقة تحول دون إصابة الخلايا بالهرم . 

 

فقد قام كل من استاذ بيولوجيا الخلية واستاذ علم الاعصاب في المركز الطبي بجامعة تكساس بأخذ عينة من خلايا الجلد وأضافوا لها جينة (مورثة) تجعل الخلايا تنتج إنزيماً يدعى "تيلوميراز" . 

وفي العادة فإن خلايا الجلد السطحية تنقسم ما يقرب من ستين مرة قبل أن تصاب بالهرم .  ولكنها في هذه الحالة قامت بالانقسام بما يزيد على ثلاثمائة مرة ولم تبد ميلاً للتوقف مطلقاً ، ولم يظهر عليها أية علامات من علامات التغيير . 

وهكذا فإن هذه الخلايا تصبح في وجود إنزيم التيلوميراز مثل لعب تتحرك بالبطارية ، فإذا ما شغلناها تبقى تتحرك وتتحرك وتتحرك دون أن تتوقف .

وقد قام باحثون آخرون في كاليفورنيا بالتعاون مع الباحثين السابقين بإجراء التجارب نفسها على خلايا شبكية عن الإنسان ، ولاحظوا أن هذه الخلايا اصبحت أيضا ًغير قابلة للموت . 

 

والآن لا يعلم العلماء بالضبط إن كان هذا الأمر يمكن تطبيقه على سائر خلايا جسم الإنسان لمنعها من الهرم ومنحها الشباب الدائم .  لذا لا يمكن القول حالياً أن بإمكاننا أن نضيف إنزيم التيلوميراز إلى وجباتنا اليومية ونمتلك بذلك شباباً لا يزول . 

وفي الحقيقة فإن لهذا الإنزيم جانباً سيئاً ، إذ أنه يوجد في %85 من الخلايا السرطانية ، وقد يكون هو السبب في أن الخلايا السرطانية تتكاثر بشكل غير محكوم .  لذا فإن على العلماء الآن ان يتعرفوا على طريقة عمل هذا الإنزيم حتى يتمكنوا من التحكم في كل من السرطان والهرم .

لقد اعتقد أحد العلماء في الستينيات أن الخلية تمتلك ما يشبه الساعة التي تحدد لهذه الخلية متى ينبغي أن تتوقف عن الانقسام .  لكنه اكتشف بعد ذلك أن الخلية تمتلك ما أسماه "عدّاد الحدث" الذي يقيس عدد المرات التي انقسمت فيها الخلية بدلاً من الساعة التي تقيس الزمن . 

 

وهكذا فإن الخلية إذا ما تم تجميدها لعقود من الزمن ثم إعادتها إلى الحالة الطبيعية ، فإنها تعود إلى الانقسام من جديد عند النقطة التي توقفت عندها قبل تجميدها .

ويعتقد العلماء حالياً أنهم يعلمون مكان هذا العداد ، ويرون أنه يكمن في نهايات الصبغيات .  ويطلق على أطراف الصبغيات اسم "التيلوميرات" هذه التي تتكون من آلاف من مقاطع متشابهة من الدنا مصفوفة إلى جانب بعضها البعض مثل حبات العقد ، وفي كل مرة تنقسم فيها الخلية يتم فقدان بعض حبات هذا العقد .  فإذا ما وصلت التلوميرات إلى طول معين فإن الخلية تتوقف عن الانقسام.

 

لقد تدعمت فكرة علاقة طول التيلوميرات مع سرعة هرم الخلايا من دراسة المصابين "بالشُياح" وهي متلازمة غامضة تسبب الهرم المبكر .  إن متوسط عمر الإنسان المصاب بهذا المرض يبلغ 12.7 عاماً .  ويلاحظ أن هؤلاء الأطفال الذين لم يمروا بمرحلة الطفولة ، والذين يشبهون الرجال والنساء كبار السن ، قد ولدوا بتيلوميرات قصيرة .

وتبين التجارب المختبرية أن إنزيم التيلوميراز يثبت طول التيلومير ويبقى على الخلايا شابة ونشيطة .  لكن الأمر لا يبدو بهذه السهولة إذا ما أنتقلنا إلى جسم الإنسان ، ذلك أن الخلايا تتعرض للعديد من التغيرات مع تقدمها في السن ، ويشك العلماء في أن إنزيماً واحداً بإمكانه ان يوقف كل هذه التغيرات.

لكن التجارب المختبرية تثير الفضول وتبعث على الرغبة في البحث والدراسة ، وهي في الوقت ذاته تبعث على الخوف .  وسبب ذلك أنه في الوقت الذي يمكن لهذا الإنزيم أن يبعث النشاط في الخلايا الصحيحة ، فإنه سيبعث النشاط ايضاً في الخلايا السرطانية إن وجدت مما قد يؤدي إلى انتشار هذه الخلايا بسرعة أكبر من المعتاد .

 

ويفكر العلماء في الاستفادة من وجود التيلوميراز في معظم الخلايا السرانية ، وليس جميعها ، في محاربة الأورام السرطانية .  فإذا ما تمكن العلماء من إيقاف نشاط هذا الإنزيم في الخلايا السرطانية ، فقد يتمكنون من قلتل هذه الخلايا وإفقادها القدرة على الانقسام . 

وهكذا بدأ العلماء في تحضير بعض العقاقير التي لها القدرة على منع تكون التيلوميراز ، ولكن اياً منها لم تتم تجربته على الإنسان حتى الآن .  وعلى كل حال فإن التليوميراز يعلّم الباحثين الكثير من العلاقة بين السرطان والهرم .

 

ويعتقد الكثير من الخبراء في هذا المجال أن هرم الخلايا وشيخوختها هبة من عند الله ليبقى جسدنا خالياً من السرطانات خلال مراحل حياتنا .  ذلك أن تحديد عدد المرات التي تنقسم الخلايا فيها ، يحدد ايضاً عدد الطفرات التي يمكن ان تحدد خلال فترات نشاط الإنسان ونموه .

إن معرفتنا بكيمياء التيلوميراز وتفاعلاته وآثاره ما زالت قليلة ، ولم يبدأ البحث فيها إلا منذ عام 1998 فقط .  ولا جدال في أن أمام العلماء الكثير من الجهد والعمل ليكتشفوا اسراره ويوضحوا آليات عمله ونحن الآن ما زلنا في بداية الطريق .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى