مراحل دورة التعرية النهرية والإنتقادات الموّجهة لها
1998 الموسوعة الجيولوجية الجزء الثالث
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
دورة التعرية النهرية مراحل دورة التعرية النهرية علوم الأرض والجيولوجيا
تعمل الأنهار دائماً على توسيع وتعميق مجاريها، وإحداث تغيرات عديدة في تضاريس قشرة الأرض، تسفر في النهاية عن تخفيض سطح الأرض وتحويله إلى شبه سهل مستو (Peneplain).
ولما كان الوصول إلى هذا يتطلب زمناً طويلاً ويمر بمراحل عديدة لكل منها خصائصها ومميزاتها، أخذ مفهوم التطور التضاريسي يتبلور في صورة نظرية وضع أسسها في نهاية القرن التاسع عشر (1899) العالم الأمريكي ويليم موريس ديفيز (William Morris Davis) وسماها «الدورة الجغرافية» (Geographical Cycle).
وعرفت فيما بعد بأسماء عدة منها: دورة التعرية العادية (Normal Cycle of Erosion)، والدورة الجيومورفولوجية (Geomorphological Cycle) والدورة الديفيزية (Davisian Cycle).
وعلى الرغم من أن هذه النظرية سادت الفكر الجغرافي لمدة نصف قرن، إلا أنها قد واجهت عدة انتقادات لما بها من ثغرات سوف نتعرض لها فيما بعد.
مراحل الدورة الجغرافية (دورة التعرية):
قسم ديفيز مراحل دورة التعرية النهرية إلى ثلاث مراحل رئيسية هي:
1) مرحلة الشباب (Youth or Young Stage).
2) مرحلة النضج (Mature Stage).
3) مرحلة الشيخوخة (Old or Senile Stage)
ولقد افترض ديفيز لكي تمر الدورة بهذه المراحل الثلاث من التطور حدوث حركة رفع سريعة لليابس تعقبه فترة طويلة من الاستقرار، تجري خلالها الدورة متتابعة من الشباب إلى النضج إلى الشيخوخة.
وعلى هذا الأساس استطاع ديفيز أن يوجز التغيرات التي تطرأ على الأرض الجديدة في كل مرحلة من مراحل الدورة النهرية على النحو التالي (شكل 1):
مرحلة الشباب:
1. تبدأ هذه المرحلة مع بداية تشكل الأنهار على السطح الأولى، إذ تبدأ المياه الجارية بحفر أوديتها ويرافق هذا نشاط ملحوظ لعمليات النحت الصاعد (Headward erosion).
2. تتميز القطاعات العرضية لمعظم الأودية بشكلها الحاد والذي يعبر عنه عادة بالحرف (V) مما يدل على أن النهر يركز طاقته في عملية تعميق المجرى بواسطة النحت الرأسي (Vertical erosion). أما المقطع الطولي فيكون مليئاً بالعقبات كالمساقط المائية والمسارع والبحيرات.
3. تتميز مناطق تقسيم المياه باتساعها وبعدم وضوح معالمها، وكذلك مناطق ما بين الأودية.
4. لا تتكون السهول الفيضية في هذه المرحلة.
مرحلة النضج:
1.تزداد الأودية النهرية طولاً وعدداً.
2.تصبح مناطق تقسيم المياه واضحة المعالم وتضيق مناقط ما بين الأودية.
3.يفرغ النهر الرئيسي في هذه المرحلة من إزالة ما يعترض مجراه من مساقط مائية وبحيرات ويصل بمقطعه الطولي إلى مرحلة التعادل.
4.يبدأ تكون السهول الفيضية في هذه المرحلة ويزيد النهر من انحناءاته التي تتحول إلى منعطفات حرة عبر السهل الفيضي، دون أن تقيدها الجوانب المرتفعة للوادي، ويكون اتساع السهل الفيضي في هذه المرحلة كبيراً بحيث يشغل نطاق المنعطفات النهرية (Meander belt).
مرحلة الشيخوخة:
1. تبدأ هذه المرحلة عندما تبلغ الأودية النهرية أقصى اتساع لها، وتتميز بقلة انحدار قطاعاتها الطولية، كما يقل انحدار جوانب الوادي العرضية.
2. تبلغ السهول الفيضية أقصى اتساع لها وتتجاوز نطاق المنعطفات.
3. تتفوق عمليات الانهيار الأرضي على شتى عمليات النحت النهري.
4. يقل ارتفاع أراضي ما بين الأودية كما تصبح مناطق تقسيم المياه باهتة المعالم.
5. تزول معظم التضاريس الأرضية في الأقليم وتنخفض وتصبح على شكل شبه سهل مستوٍ في كثير من جهاته مع بقاء بعض التلال التي تتكون من صخور صلبة فوق سطح شبه السهل مكونة ما يسمى بالتلال المنعزلة.
الانتقادات التي وجهت لنظرية دورة التعرية:
من الدراسة السابقة نرى أن الدورة الجغرافية أو دورة التعرية كما صورها ديفيز تبدو لنا بسيطة في أفكارها وعملية في تطبيقها، وهي على علاتها تصوير وصفي معقول تطور الأشكال الأرضية على مراحل تبنى الواحدة منها على ما سبقها.
ولكنها على الرغم من ذلك لم تصمد أمام الانتقادات التي وجهت إليها وبصورة خاصة من أنصار المدرسة الألمانية أمثال بنك (Penck، 1953) ولقد كشفت الانتقادات المختلفة على عدد من الثغرات يمكن تلخيصها فيما يلي:
1- إن هذه النظرية وضعت لتنطبق على مراحل تطور أشكال سطح الأرض في المناطق المناخية الرطبة، ومن ثم فإنها لا تنطبق على المناطق المناخية الأخرى والتي تحتل مساحات كبيرة من سطح الأرض.
2- إن حدوث حركة الرفع السريعة الذي يليها فترة طويلة من الاستقرار أمر لا يتفق مع واقع الحركات البنائية المكونة للتضاريس (الجبال والهضاب)، بل العكس هو الصحيح حيث تتم أعمال الرفع عادة ببطء شديد، كما أن الاستقرار بدوره يكون تدريجياً.
3– اهتم ديفيز بالعوامل الجيولوجية أكثر من اهتمامه لمدى فعل عوامل التعرية المختلفة التي تشكل سطح الأرض، فلم يقم مثلاً بدراسة الذبذبات المناخية وأثرها في سرعة أو بطء التعرية النهرية في منطقة ما.
4- إن القول بالوصول بالتضاريس الأرضية إلى ما يشبه السهل افتراض غير مقبول. لأن هذا يستلزم أن تظل قشرة الأرض على حالة من الثبات والاستقرار لمدة طويلة حتى تمر الأودية النهرية بمراحل دورة التعرية الثلاث وتحول سطح الأرض إلى شبه سهل، وهذا أمر مستحيل لأن عدم الاستقرار هو طبيعة قشرة الأرض.
إضافة إلى أن التعرف على أسطح التسوية (أشباه السهول) في الطبيعة أمر صعب لاحتمال كون مثل هذه الأسطح ناتجة عن عمل أحد عوامل التعرية الأخرى وليس المياه الجارية.
فسهل الدرع الكندي مثلاً والذي يشغل مساحة واسعة شبه سهلية يعزى تكوينه إلى فعل عامل آخر غير المياه الجارية وهو الجليد.
5– لم يضع ديفيز في اعتباره مسألة تجدد الشباب (Rejuvenation) والمظاهر التضاريسية التي يتألف منها سطح الأرض نتيجة تغير مستوى القاعدة.
فكثيراً ما تستعيد المناطق التي بلغت طور الشيخوخة نشاطها وحيويتها مرة أخرى إذا ما تعرض مستوى القاعدة للانخفاض بسبب انخفاض منسوب سطح البحر أو بارتفاع اليابس.
ويؤدي هذا إلى استعادة المجاري المائية التي بلغت مرحلة الشيخوخة لطاقتها على النحت الراسي مرة أخرى لتصل بمجاريها إلى المستوى الجديد الذي انخفض إليه منسوب سطح البحر.
كما أنه من المعروف الآن أن كثيراً من الأشكال التضاريسية التي يتألف منها سطح الأرض قد تعاقبت عليها عدة دورات تعرية ولم تمر بدورة واحدة فقط كالتي نوقشت سابقاً.
وخير دليل على ذلك جبال الأبلاش في شرق الولايات المتحدة حيث يوجد فيها العديد من بقايا أشباه سهول قديمة وعلى ارتفاعات متباينة.
ولقد أمكن التعرف عليها من توافق مستويات قممها (accordance of summits) باعتبار أن هذا التوافق دليل على وجود أشباه سهول تعرضت للرفع والتمزق فيما بعد.
واستناداً إلى ما سبق، يمكن القول إن الدورة الجغرافية كما وضحها ديفيز مفيدة من الناحية الوصفية، ولكنها لم تعد تستخدم الآن كمنهج بحث في الدراسة الجيومورفولوجية لتطور الأدوية النهرية.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]