السلام عليكم .. اهلا بكم في هذه الحلقة الخاصة من الكون بودكاست .. وهي حلقة خاصة لسببين .. الاول لاني لم اكن مخطط لها من بين حلقات الموسم القادم الي راح تنزل بعد أسابيع قليلة باذن الله والسسب الثاني و الأهم انني لم استطع مقاومة عدم نشر ملخص هذا الحدث الكبير .. بل و الكبير جدا جدا .. فاعزائنا بالامارات على بعد يوم واحد فقط من اطلاق اول رحلة فضاء استشكافية .. حماس فرحة ما بعدها فرح ان يدخل العرب هذا القطاع و يلحقوا بالركب الدولي .. فغدا ستكتب صفحات التاريخ دخولنا هذا المضمار بطموح و امال كبيرة .. فمسبار الامل .. هو امل لكل الشعوب باذن الله بانه لا مستحيل .. و بالرؤية و التخطيط السليم و العمل الجاد يمكن تحقيق كل شيئ .. وقبل سرد اهم محطات الرحلة و تفاصيلها العلمية و أهدافها الاستراتيجية و كيفية تحقيق الامارات لهذا الإنجاز .. اذكركم بان هذه الحلقة من البودكاست تأتيكم برعاية من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي .. مؤسسة الكويت لديها العديد من الكتب و البرامج العلمية الشيقة و المناسبة لجميع الاعمار و التخصصات .. تابعوهم و اختاروا ما يناسبكم .. اما الان فهيا بنا نتعرف عن قرب على التفاصيل العلمية وكل ما يحيط بمسبار الامل.
قصة و طموح مسبار الامل ابتدأت في عام ٢٠١٤ عندما أعلنت دولة الامارات عن اطلاق مسبار يصل الى المريخ في حلول الذكرى الخمسين لاتحاد و تأسيس دولة الامارات .. في تحدي طموح و غريب من نوعه خصوصا في اوطاننا العربية .. طبعا في بداية الامر اغلب ان لم يكن كل المجتمع العلمي استنكر او تساؤل عن مدى إمكانية و قدرة دولة الامارات على تحقيق مثل هذا الهدف .. خصوصا ان الامارات في تلك الفترة لم تكن تملك برنامج او وكالة مسؤولة عن قطاع الفضاء .. ولكن بعد تأسيس وكالة الفضاء الامارتية .. تبنت الامارات استراتيجية و نموذج مكنها من الوصول لهدفها .. و النموذج ذكي جدا وبسيط من حيث المبدأ ولكنه من اكثر النماذج فعالية .. لاي دولة تمتلك مقومات مادية قوية جدا و لا تملك الخبرة في المجال.. و هو الاستعانة بخبرات دولية سابقة في مجال الفضاء لنقل و توجية الخبرات و تنميتها لدى الكوادر الشبابية الوطنية .. و هي ليست المرة الأولى التي يحدث فيها مثل هذا الشيئ .. .. فنرى انه الامارت في عام ٢٠٠٧ قد قامت بتوظيف شركة تصميم ستلايتات كورية تسمى satric initiatives لتصميم و بناء اول ستلايت اماراتي .. و من خلال هذا التوظيف استطاعتوا تعليم و تدريب الكوادر الشابة من مهندسين و تقنيين و غيرها .. و في حلول عام ٢٠١٨ استطاعت الامارات ان تصمم و تصنع ستلايت تصنيع كامل دون مساعدة خارجية .. و هذا اعتقد انه من اكبر النجاحات .. و على نفس المنوال الذي اتخذته الدولة في بناء الستلايت و هو خليفة سات عام ٢٠١٨ .. اتخذت نفس المنهجية و النموذج لتشييد مسبار الامل .. فقامت بتوظيف خبراء سابقين من وكالة ناسا و الجامعات الامريكية .. و بالتحديد قامت الامارات بعمل شراكة و توظيف لمهندسين من أمثال المهندس بريت لاندين و هو رئيس مختبر المركبات الفضائية و فيزياء الفضاء في جامعة كولورادو للاشراف على تصنيع المسبار و تعليم و نقل خبرته العلمية و العملية الي الكوادر الامارتية الشابة العاملة في المشروع .. خصوصا و هو الذي يملك باع طويل في اورقة و مختبرات وكالة الفضاء الامريكية .. و كان من ضمن فريق التصميم لجوالتين ارسلوا لسطح المريخ سابقا .. فقام لاندين بقيادة كوكبة دولية من المخضرمين في مجال الفضاء و عددهم ٤٥ شخص .. لتنفيذ هذا المشروع .. و بمساعدة سواعد امارتية للتنفيذ في جميع جوانب المشروع تمكنوا من صنع هذا المسبار الذي بحول الله سيجد طريقه الى كوكب المريخ بعد ست شهور من الان .. بعدما ينطلق الصاروخ االحامل لمسبار الامل و الذي سيكون من مركز تانيقاشيما في اليابان في تاريخ ١٤ /٧/٢٠٢٠ في منتصف الليل تقريبا ..
و عند الحديث عن رحلات او مشاريع الفضاء .. فهي ليست كلها بنفس مستوى الصعوبة وكذلك الأهداف ليست متشابهة بين الرحلات .. و عند معاينة موضوع مسبار الامل .. فالامر ليس بالهين بتاتا .. فارسال مسبار ليصل الى المريخ امر صعب و معقد .. و يكفيك لتستوعب ذلك ان ترى نسبة فشل مهمات المريخ القياسية من جميع الدول سواء أمريكا او أوروبا او الاتحاد السوفيتي سابقا او الروس حاليا و هي نسبة عالية جدا تصل الى اكثر من ٥٠٪ .. و لكن مع خبرة وكالات الفضاء و تحليل جوانب الفشل تحسنت هذه النسبة في السنوات الأخيرة و بتنا نشاهد مركبات تصل بل و تحط على سطح المريخ لدراسة الكوكب و هذا النوع هو الاعقد .. لن افصل في أنواع الرحلات خصوصا للمريخ فقد سبق و عملت حلقة خاصة عن ذلك يمكنكم الرجوع اليها .. في الواقع خمس حلقات مفصلة عن أهمية المريخ و تفصيل الرحلات اليه و استعماره و ما الى ذلك ..
طبعا اهمية الاطلاق في هذا التوقيت ليست مقتصرة فقط على لتزامن وصول المسبار مع الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الامارات .. و لكن الأهمية العملية و اللوجستية ان صح التعبير تكمن في انه ابتداء من ١٥ يوليو و حتى نهاية الشهر تقريبا .. ستكون افضل نافذة اطلاق صواريخ و رحلات لكوكب المريخ و ذلك لتزامنه في وضعية التقابل مع الأرض والتي تتكرر كل سنتين تقريبا .. مما يوفر الكثير من الوقت و الجهد لوصول المسبار الى المريخ .. فبالتالي اذا تأخرنا عن الاطلاق في هذا التاريخ سنضطر للانتظار و تأجيل الرحلة لمدة سنتنين حتى يعود الكوكبان في نفس الوضعية.. مثلما حدث مع رحلة exomars التي كان من المقرر ان تنطلق في هذه الفترة من قبل وكالة الفضاء الأوروبية و لكن تأخر جدول الاعمال بسبب جائحة كورونا فلم يستطيعوا الالتزام بالجدول الزمني المقرر للحاق بنافذة الاطلاق هذه خلال شهر يوليو .. فاعلنوا عن تأخر المشروع و تأجيل عملية الاطلاق حتى عام 2022 عندما يعود كوكب المريخ بنفس الموضع المميز لعملية الاطلاق في قبال الأرض .. و لنفس السبب نشاهد وجود ٣ رحلات الى كوكب المريخ في نفس الفترة.. في الحقيقة كنت قد توقعت سابقا ان يتم تأجيل جميع الرحلات بسبب كورونا ولكن استطاعت وكالات الفضاء تفادي ما حصل من تأخير لرحلة exomars .. الأول سيكون مسبار الامل الاماراتي .. و بعده بفترة بسيطة ستنطلق رحلة perseverance الامريكية الى المريخ لتخلف المركبة الجوالة هناكcuriosity .. و بعد ذلك بايام ستنطلق رحلة تاريخية كذلك من الصين باسم تيانوين لاستكشاف الكوكب الأحمر .. و أقول تاريخية لانها مثل حالة مسبار الامل .. الأول لدولة الصين لاستكشاف المريخ .. ولكن خصائص و مميزات و دراسات كل رحلة مختلفة عن الأخرى تماما .. فمسبار الامل سيحوم حول المريخ .. و البيرسيفيرنس سيكون جوال على سطح الكوكب الأحمر بالإضافة لانطلاق هيلوكبتر من بعد عملية الهبوط و هذا الهيلوكبتر الذي يمكن تشبيهه بالدرون و يسمى enginuiti عليه امال كبيره باستكشاف جبال و مناطق يصعب على المركبات الوصول اليه و هي من ابدع الأشياء التي ستصل هناك و متحمس لها بشدة .. و اما تيانوين الصينية فهي الأخرى رحلة عجيبة .. ستنقسم الى ثلاث وحدات رئيسية .. وحدة مشابهه لمسبار الامل تحوم حول الكوكب .. و لاندر يثبت في مكانه و مركبة ثالثة جواله تمشط السطح .. فنحن موعودين في الأشهر القادمة لاستكشافات و دراسات كبيرة جدا بفضل هذه الرحلات الجديدة..
و فيما يخص الهدف العلمي من وراء مسبار الامل .. فمدة عمل المسبار المحددة لهذه الرحلة هي سنتين من وصوله لكوكب المريخ و الهدف العلمي و الرئيسي من هذه الرحلة مسبار الامل .. هو دراسة الغلاف الجوي لكوكب المريخ بشكل كامل .. بمعنى دراسة تغير درجات الحرارة و تفاوتها في طبقات الجو العليا و السفلى لكوكب المريخ .. و بالإضافة لدرجات الحرارة .. تمتد الأهداف العلمية لدراسة المركبات التي يتكون منها هذا الغلاف و حبيبات الغبار المتناثرة .. .. و ذلك عن طريق مطياف او سبيكتروميتر مركب على ظهر المسبار .. و ما سيساعد المطياف على تحقيق الهدف بدراسة كامل الغلاف الجوي لكوكب المريخ .. هو المسار الاهليجي الذي سيتخذه مسار الرحلة عند الوصول الى المريخ .. فالمسار الكبير حول الكوكب سيجعل .. مسبار الامل .. اول مركبة تعطي صورة شاملة عن الغلاف الجوي للمريخ .. و بما اننا نتكلم عن صورة المريخ .. فان المركبة ستسنح لها فرصة كبيرة جدا لتزويدنا بصور دقيقة جدا و عالية الجودة لأول مره كذلك عن الكوكب الأحمر بفضل المعدة الرئيسية الثانية المركبة عليها و هي كامرة ذات جودة و دقة عالية .. اما اخر معدة دراسية رئيسية مركبة على المسبار و التي تحقق هدف دراسة الغلاف الجوي .. هي مطياف ولكن يعمل في نطاق الاشعة فوق البنفسجية .. و هذا المطياف يعنى بدراسة تراكيب الاوكسجين و الهيدروجين و تراكيزهما في الغلاف الجوي المريخي .. و من خلال هذا المطياف .. من الممكن معرفة و دراسة الكيفية و الالية التي تفلت بها هذه الجزئيات من المريخ الى الفضاء و التي سببت بان يفقد الكثير من سماكته الى ان اصبح الغلاف الجوي المريخي .. اخف من نظيره في الأرض الى اكثر من ١٠٠ الى ١٥٠ مرة .. في الحقيقة مسبار الامل لن يكون اول مسبار يدرس الغلاف الجوي المريخي فقد سبق ان كان هناكاكثر من orbiter درسوا بعض مكونات الغلاف الجوي في بعض الأماكن من المريخ .. و لكن ما سيوفره مسبار الامل هو دراسة تغطي كامل الكوكب في كل وقت و كل مكان و على مستوى جميع طبقات الغلاف .. و هو شيئ عظيم سيقدم الكثير للباحثين و المهتمين.. و حسب تصريحات سارة الاميري قائدة الفريق العلمي لمسبار الامل ووزيرة الدولة للعلوم المتقدمة .. بان كل النتائج و البيانات من صور و تحليلات و غيرها الناتجة من الرحلة ستكون متاحة بيد الجميع ليستفيد منها الجميع سواء كانوا طلبة او علماء في أي مكان بالعالم .. و كل هذه الأهداف العلمية لدراسة الكوكب الأحمر سواء من مسبار الامل او تينياوين من الصين او perseverance من الولايات المتحدة الامريكية .. كلها .. تصب في اتجاه واحد و هو البحث عن حياة على كوكب المريخ .. سواء موجودة الان او كانت سابقا متواجدة في الكوكب الأحمر .. طبعا عند الحديث عن الحياة لا نتحدث عن حياة ذكية و ما الى ذلك .. و لكن أي صورة من صور الحياة و ان كانت أحادية الخلية .. و باذن الله مع مرور الوقت و تقدم العلوم و التكنلوجيا اكثر و اكثر سيكون من المتاح الإجابة على مثل هذا السؤال الكوني المهم للإنسان .. و لانه الموضوع مهم.. حضرت للموسم القادم سلسلة حلقات تصل الى ٤ حلقات ربما .. تبحر و تغوص علميا و تاريخيا في البحث عن الحياة و المخلوقات خارج الكرة الأرضية ..
و عودة على مسبار الامل .. يتبقى سؤال مهم قد يتبادر الى الاذهان و من المهم الإجابة عليه .. ماهي الفائدة العائدة على دولة الامارات بشكل خاص من هذه الرحلة ؟ مالنا و العرب و مال المريخ ؟ جزء كبير من هذا السؤال اجبت عليه في الحلقة الأولى من البرنامج يمكنكم الرجوع اليه في حلقة لماذا نصرف الأموال على الفضاء .. و لكن تحديدا للاجابة على هذا السؤال بالنسبة لدولة للامارات ..فموضوع الفضاء يقع ضمن خريطة استراتيجية كبيرة للتحول من النموذج الاقتصادي المبني على النفط و الغاز.. الى موارد أخرى لا تنضب و بالتحديد الاقتصاد المعرفي .. knowledge economy .. فعند تتبع تصريحات المسؤولين تجد بان موضوع الفضاء في رحلة مسبار الامل و الأهداف الاستكشافية يكون ثانيا .. و هذا الكلام جاء على لسان مدير المشروع السيد عمران شرف .. عندما قال” ليس الفضاء ما نريد بالتحديد .. انما الاقتصاد ” و انا اضيف و اكد على ذلك.. نعم .. جميل ان تصل الـي المريخ و تسبر اغوار المجموعة الشمسية بل الكون ان شئت و تكشف ادق الاسرار في هذا الخلق العظيم .. ولكن لتصل الى هذا المستوى .. هناك رحلة شاقة عليك ان تخوضها و هناك تحول في العقلية عليك بناءه بين الناس .. عقلية تهتم بالعلم و العلوم .. و تدرك اهمية هذه الأداة الانسانية بجانب الأدوات الفكرية الأخرى لبناء مجتمع منتج صلب و متـأقلم مع تقلبات الحياة .. و هذا حقيقة ما تحاول دولة الامارات تحقيقة من وراء مسبار الامل .. فهذا هو الهدف الاستراتيجي المثالي الذي تحاول الوصول اليه الامارات .. فمثل هذا التحول ليكون ملموس .. عليك ان تقيس نسبة العلماء لديك في الدولة و تقارنها مع المستوى الذي تريد الوصول اليه .. لتضخ الأموال في المشاريع بطرق ذكية مثل هذا المشروع لتصل للنتيجة المرجوة .. و من الان بدأت ثمرات زراعة العلوم عند الناس بالنضوج .. فنرى انه هناك خمسة جامعات بدأت بفتح تخصصات علوم طبيعية لم تكن موجودة سابقا .. مثل تخصص الفيزيا بالجامعة الامريكية في الشارقة .. او برنامج بكلريوس هندسة الفضاء في جامعة خليفة في ابوظبي .. ناهيك عن زيادة عدد منتسبي مركز محمد بن راشد للفضاء من ٧٠ منذ تأسيسه الى ٢٠٠ عامل غير المبتعثين في العلوم الطبيعية .. للعودة كعلماء في المستقبل .. فكل ذلك يصب في مصلحة الاقتصاد بشكل عام و الاقتصاد المعرفي بشكل خاص .. فحتى لو لا قدر الله و فشل الاطلاق او عرض عارض على الرحلة حال دون نجاحها للوصول الى المريخ .. فالاهداف الأخرى قد تحققت سالفا .. فالوعي في أهمية العلوم و بناء جيل ثقافي علمي قد اخذ مسبقا حيز التنفيذ بين الناس و المؤسسات و هو الهدف المنشود من وراء كل هذا .. بالتوفيق لكل العاملين على المشاريع العلمية في الامارات و كل الدول العربية للنهوض في امتنا مرة اخرى.. هذا كل ما لدي تقريبا في موضوع مسبار الامل .. لا تنسون الاشتراك في البودكاست من أي منصة تستمعون فيها للكون بودكاست فتصلكم حلقات المسوم القادم باذن الله .. و أتطلع كثيرا للتواصل معكم و الاستماع و قراءة ارائكم و تعليقاتكم على الحلقات و حتى المواضيع التي تحبون الاستماع اليها من خلال حساب التويتر @sherazus او التعليق و الكتابة لي في منصات البودكاست .. و حتى الحلقة القادمة .. كونوا بخير و الى اللقاء.