الطب

مشاركة الجماعات السكانية في البرامج المناعية

2013 استئصال الأمراض في القرن الواحد والعشرين

والتر ر.دودل ستيفن ل.كوشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الطب

تعتمد البرامج المناعية التي تهدف إلى إكساب المناعة لكافة السكان على الحاجة الماسة إلى التلقيح وتوفيره بشكل فعال.

وتعتبر هذه مباشرة قضية اجتماعية سياسية، لأن المشاركة تتوقف على مفهومات المرض وأخطاره لدى أفراد الجماعة وتنافس الأولويات فيما بينها (Taylor 2009). فاستئصال الأمراض التي يمكن التخلص منها باللقاحات تزيد من المجازفة وتتطلب تغطية مناعية واسعة، وإن لم تكن عامة.

فالأمراض التي تنتقل مباشرة يمكن أن تنتشر وتصل إلى الأشخاص المعرضين أو القابلين لها. وهذه هي القاعدة المنطقية وراء إكساب المناعة، لأنها تقلل إلى مستويات متدنية جداً احتمال انتشار المرض من فرد مصاب إلى فرد ملقح.

وإذا تلامس المصاب مع الأشخاص المعرضين أو القابلين للمرض، فإن درجة انتشاره ستتوقف على خواص المرض في تلك الجماعة السكانية. أما إذا تلامس المصاب مع الأشخاص الملقحين فقط، والذين هم بالتالي غير معرضين أو قابلين له، فلن يحدث انتشاره.

وإذا تواجد كلا الملقحين وغير الملقحين في الجماعة السكانية فإن التعرض لانتشار المرض يتوقف على خواص المرض في الجماعة وعلى معدل عدد الملامسات أو الاحتكاكات مع الأشخاص غير الملقحين.

وبالنسبة لسكان كثر فإن نسبة عتبة الأشخاص ذوي المناعة الفعالة يمكن اشتقاقها رياضياً حيث يمكن أن يعبر عنها بـ:

 

حيث V* هي نسبة من عندهم مناعة فعالة و R0 هي معدل عدد الحالات الثانوية الناجمة عن معدي واحد بين سكان معرضين أو قابلين للإصابة (Smith 1964).

وهكذا ومن حيث المبدأ، فليس ضرورياً الحصول على المناعة العامة لكي نستأصل المرض، ومن الممكن احتواء حد معين من عدم المشاركة بها.

لقد أجريت تقديرات لعتبة مناعة "دهماء الناس" اللازمة لاستئصال مختلف الأمراض فكان المدى لمعظم الأمراض المحتمل استئصاله هو بين 70 % و 95 % (Anderson and May 1991:88).

وعلى كل حال فهناك عدد من العوامل يعدل هذه النتيجة. فاللقاحات ليست فعالة بالشكل الكامل، وكثير من اللقاحات تحتاج إلى عدة جرعات لتكون فعالة، وعدة أمراض لها نماذج متعددة من النماذج المناعية، وكل منها يحتاج إلى تغطية عتبته لكي يتم استئصاله. وللتجاوب مع النواحي العملية من الضروري أن نشرك كامل عدد السكان في البلد تقريباً في هذا المجهود.

إن الأفراد في جماعة سكانية "من نفس القومية" سيشاركون في برنامج مناعة إلى المستوى الذي تكون فيه المنافع المنتظرة لكل فرد تفوق ما يحتمل وقوعه من أخطار، والمنافع الرئيسية هي الحماية من المرض، بينما تكون الأخطار هي الآثار المعاكسة من اللقاح. فالجماعة السكانية التي تتصرف بهذه الطريقة ستشارك إلى الحد الذي تكون الأضرار من الآثار المعاكسة متوازنة مع الانتفاع من الحماية (Fine and Clarkson 1986).

 

وعلى كل حال فإن الحماية (أو خطر المرض) يجري حصوله ليس فقط بموافقة الفرد على اللقاح، إذ بل يتحدد أيضاً من تلقي اللقاح من قبل بقية الجماعة. ويتوقف وقوع المرض على التغطية المناعية، التي تتوقف بدورها على مجموع ما يقرره الأفراد بقبول التلقيح. لذلك فالقرارات التي يتخذها الفرد تتوقف من ناحية القرارات التي يتخذها أعضاء الجماعة الآخرون (Bauch et al. 2003).

فقد طورت نظرية اللعبة للبحث في مثل هذه الاحتمالات، إذ يستطيع الإنسان أن يصف أو يتحدث عن "لعبة التلقيح" وطبقاً لهذه النظرية تصل اللعبة إلى نقطة استقرار في "توازن ناش" Nash Equilibrium، عندما يكون جميع اللاعبين قد تبنوا أفضل الاستراتيجيات المتوفرة، بعد أن أعطوا الاستراتيجيات التي يتبناها اللاعبون الآخرون.

فيتماثل سلوك السكان الحقيقيين، وبشكل عام يتبع السلوك الملحوظ وبشكل متقارب توازن ناش المستقر، وتتقارب الاستراتيجيات التي يتبناها اللاعبون حتى تصبح استراتيجية واحدة، بصرف النظر عن الاستراتيجيات التي يتبناها اللاعبون الآخرون.

 

وبالنسبة للعبة التلقيح، فإن الخطر النسبي من الآثار العكسية للتلقيح يتحدد بـ، الخطر الناجم عن اللقاح (rv) مقسوماً على الخطر الناجم عن العدوى (ri).

فالأشخاص الذين يعتقدون أن 1 > r (أي أن اللقاح هو أشد خطراً من الاعتماد على حظهم مع المرض) لن يشاركوا في برنامج اللقاح، بينما الأشخاص الذين يعتقدون 1 > r > 0 سيرون نفعاً في التلقيح وسيشاركون به، وبافتراض أن التصرف هو " عقلاني " فإن بوش (Bauch) وإيرن (Earn) يبينان أن نسبة سكان المجموعة الذين يتلقون التلقيح في ظل توازن ناش المستقر والمتقارب تعطيها بالعلاقة P* حيث  

R0هي أيضاً العدد الوسطي للحالات الثانوية التي تعزى إلى معدي واحد وبمفرده في سكان معرضين بكاملهم للعدوى. وهكذا، وضمن الافتراضات فإن الجماعة السكانية " العقلانية " لن تشارك في برنامج مناعي إلى الحد الضروري لاستئصال مرض (Bauch and Earn 2004؛ Farchy 2005).

كما يمكن أن نكتسب مزيداً من نفاذ البصيرة من نظرية اللعبة حول الآثار الناجمة عن الدعاية أو الإعلان العكسي. فليس بعيداً عن وسائل الإعلام أن تنشر قصصاً مخيفة عن آثار معاكسة مزعومة اللقاح، يكون من نتائجها أحياناً فقدان الثقة العامة بشكل كارثي مشؤوم في البرنامج المناعي.

وبناءً على تحليلهم فإن بوش وإيرن يتوقعان أن تكون الجماعة السكانية أقرب إلى رفض المناعة ضد الأمراض الشديدة العدوى، بالمقارنة مع الأمراض ذات الانتقال الأدنى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المخاوف من التلقيح وبرامج التنوير لمقاومتها لن تكون متماثلة. إذ تؤدي المخاوف من التلقيح إلى انخفاض سريع في أخذ اللقاح، إلا أن حملات التثقيف العام عن قيمة المناعة المصممة لمقاومة القصص المخيفة ستؤدي إلى زيادات أبطأ في أخذه، لأن زيادة تعاطيه من قبل الجماعة ككل سيقلل من الدافع لدى الفرد للمشاركة (Bauch and Eran 2004). وكلا هذين التأثيرين يبدو أنهما يحصلان في الممارسة الواقعية.

 

أول نتيجة لهذا التحليل هي أنه لتحقيق تغطية مناعية كافية لنجاح الاستئصال يجب على أعضاء الجماعة أن يشاركوا بأكثر من الحد الذي تقرره المصلحة الذاتية " العقلانية " فقد يؤدي القرار بالمشاركة إلى تقييم إيجابي لصحة الآخرين بالإضافة لصحة الفرد ذاته، وهذا قد يشمل أعضاء آخرين من الجماعة الحالية، أو أعضاء لها في المستقبل، خاصة من الأولاد والأحفاد.

كما أن التثقيف والحملات الأخرى الهادفة إلى التقليل من آثار حكايا الخوف هما حاسمان، وغالباً ما يستغرقان وقتاً طويلاً. وهكذا فإن الثبات والمواظبة هما المطلوبان في هذا السياق.

الاستراتيجية الممكنة للتغلب على عدم مشاركة الجماعة السكانية في برنامج ما، هي جعل المشاركة إلزامية (Lahariya 2007).

فإجراءات المناعة هي شبه إلزامية في كثير من البلدان، حيث تتطلب قوانين دخول المدارس شهادة تلقيح للمناعة (أو في بعض البلدان شهادة إعفاء منه). فالإلزام، وحتى الإلزام بالقوة قد رصد في بعض الأماكن خلال برنامج استئصال الجدري (Greenough 1995; Bhattacharya and Dasgupta 2009).

وعملياً لا يمكن إنجاز استئصال مرض ما بدون اشتراك وارتباط السكان بأكملهم، ولذلك فإن برامج الاستئصال تتطلب تركيزاً أكثر مما يعطى عادة للزمر المهمشة (Taylor 2009).

فمشاركة السكان المتفرعين الذين يصعب الوصول إليهم تصبح جزءاً حاسماً من مبادرات الاستئصال وتستدعي بالضرورة استحداث طرائق جديدة للتواصل مع هذه الجماعات التي تختلف عن مقاربات الخدمات الصحية الروتينية.

 

فعلى سبيل المثل كان أخذ لقاح شلل الأطفال بين السكان المسلمين في شمال الهند ضعيفاً في الماضي القريب مقارنة مع السكان الهندوس، وحاول برنامج الاستئصال أن يدخل هذه الجماعة بإعادة تسميتها " بالمخدومة قليلاً " وهي عبارة تتجنب الدين كمانع محتمل عن المشاركة (Taylor 2009).

هناك نزاع بين مصالح الجماعة السكانية ككل والأفراد ضمنها (Fine and Clarkson 1986، Taylor 2009). وعموماً فإن العاملين في الصحة العامة يميلون إلى تبني النماذج العلمية – التقنية، ويعتبرون المتطلبات الاجتماعية والسياسية لعمل البرنامج ثانوية في أهميتها. وهذا يؤدي إلى موقف يتساهل مع قلب الأمور الصحيحة من أجل "الأكثر جودة" (Lahariya 2007، Taylor 2009).

ويعزز ذلك أحياناً كون كثير من العاملين في الصحة العامة هم موظفين لدى الحكومة ويعملون في بيئة تطبق الأنظمة بشكل واسع لتحقيق غايات الصحة العامة. فاستئصال المرض يعتمد على الالتزام العام، ومع ذلك فإن مفهوم الجماعة السكانية بالتركيز على مرض واحد بعينه ونتيجة ذلك تراجع التركيز على الاهتمامات الأخرى قد يؤدي إلى عدم المشاركة.

فالجماعة تستجيب إلى مختلف الأمراض بطرق مختلفة، تبعاً لاختلاف تاريخهم الطبيعي واختلاف وسائل معالجاتهم والسيطرة عليها. فالجهد الذي يضعونه في السيطرة على شلل الأطفال، على سبيل المثل، ينظر إليه من قبل الكثيرين من أفراد الجماعة وحتى من قبل الكثيرين من جماعة العاملين في الصحة العامة على أنه لا يتناسب مع الخطر الذي يسببه (Gersovitz and Hammer 2003، Taylor 2009).

 

العاملون في الصحة العامة المدربون علمياً (خاصة الغربيون منهم) غالباً ما يفسرون عدم مشاركة السكان في البرامج المناعية لأسباب دينية. ومع أنه قد يكون للإيمان الديني دوره، فإن هذا التفسير هو عادة تبسيط أكثر من الطبيعي للأمور. فقادة السياسة المحليون غالباً ما يستخدمون البرامج المناعية كإسفين يضعون فيه البرنامج كرهينة لمصالح أخرى (Bhattacharya and Dasgupta 2009). والأمر الجوهري أن هذه الاستراتيجية تنجح بسبب الفروق في القيمة بين الناس المحليين ومدراء البرنامج ومؤيديه.

تتحدد مشاركة السكان في مبادرة استئصال ما بخيط معقد من العوامل. إذ أن مشاركة أفراد يتصرفون "بشكل عقلاني" لن تكون كافية لاستئصال مرض؛ فيجب إدخال دوافع أخرى في التأثير. وقد يكون احداها الغيرية، وهو الإحساس بالالتزام نحو المجتمع أو نحو أولاده وأحفاده، أو بالإرغام.

وتستطيع الاستراتيجيات المختلفة أن تكون فعالة باختلاف البيئات. وتثير هذه الاعتبارات إذاً، مسائل أخلاقية كبيرة يجب التصدي لها في برنامج الاستئصال.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى