العلوم الإنسانية والإجتماعية

مشروعية حقوق الإنسان في السياسة العالمية

1996 تقنيات الطب البيولوجية وحقوق الإنسان

الدكتور يوسف يعقوب السلطان

KFAS

العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

بدأت الخطوة المبكرة للتأكيد على حقوق الإنسان في العصر الحديث في معاهدة جنيف سنة 1894 حول ضحايا المعارك الحربية. 

فلقد أدركت هذه المعاهدة حياد رجال الاعمال الطبية، بالسماح لهم بمعالجة المرضى والجرحى من الجنود.  وفي ذلك اعتراف بأحقية واهلية الجندي كفرد للحد الادنى من الاحترام بسبب كيانه كشخص… حتى أثناء الحرب (فورسيث Forsythe، 1989، ص7). 

استبدلت هويته على أساس أنه فرد إنسان بكل ما يتصل بها من حقوق في الحصول على معاملة إنسانية، بهوية المحارب المجهول الشخصية الذي يستخدمه رؤساؤه لتحقيق أهداف الدولة المحاربة. 

 

وقد روجعت هذه الاتفاقية في سلسلة من المعاهدات التي كانت تهدف إلى رعاية اسرى الحرب.  وأصبح المواطنون السويسريون الذين يعملون في مجال هذه الاتفاقيات النواة التي تكونت منها اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

اتجهت عصبة الأمم إلى القيام بمحاولات عديدة لحماية حقوق الإنسان في الفترة من سنة 1919 إلى 1939 وكانت هذه المحاولات موجهة اساس إلى ضمان مصالح الأقليات والعمال وسكان المستعمرات مع اهتمام خاص بالمهاجرين. 

وفي نفس الفترة قامت عدد من المنظمات غير الحكومية بتشكيل ميثاق محاربة الرق.  ومع استمرار عدم وضوح النتائج الفعلية لمنع الرق في بعض جهات العالم.

 

استطاعت الجهود العظيمة التي بذلت في إطار الميثاق ان تؤثر في عدد كبير من الدول لكي تقبل الانضمام إلى معاهدة تحريم الرق عام 1926، والتي طبقت أخيرا تطبيقا كاملا خلال الخمسينات (فورسيث 1989).

كان هذا أول خروج عن السيادة القومية التي كانت بمثابة الاساس التقليدي للعلاقات الدولية.  وكان استمرار التمسك الشديد بهذه السيادة القومية من جانب معظم الدولة الأعضاء في الأمم المتحدة، هو العقبة الكبرى أمام وضع معايير دولية لحقوق الإنسان. 

ولكن يبدو أن كلا من الجمعية العامة للأمم المتحدة والرأي العام العالمي قد تزحزح عن التشدد في النظرة إلى السيادة القومية.  ولقد كانت الدولة القومية بطيئة في تحركها نحو الأخذ بالمعايير العالمية لمعاملة المعارضين واللاجئين السياسيين. 

 

ووضعت قوانين فعالة وتكونت هيئات لحماية حقوق الإنسان على المستوى الإقليمي في كل من غرب أوروبا وأمريكا وافريقيا، وأوروبا ككل. 

ولكن بينما وجدنا النظام المتبع في غرب أوروبا متقدما للغاية في كل الدول الإحدى والعشرين الأعضاء في المجلس الأوروبي حيث تتمسك الدول بتطبيق ميثاق حقوق الإنسان الذي أصبح ضمن القوى القانونية، نجد أن التقارير تدلنا عل أن الامر غير واضح المعالم في المناطق الأخرى من العالم. 

ففي اتفاقية هلسنكي التي شملت أوروبا ككل لا يشار فيها إلا نادرا إلى حقوق الإنسان، ولكنها تركز على المبادئ الإنسانية.  وفي معظم أجزاء العالم الأخرى نجد أن المدلولات العملية على آلية الحقوق تعتمد أكثر على درجات متفاوتة من تضمينها في القوانين الوطنية. 

 

وتوجد وكالات الرقابة الدولية في معظم أنحاء العالم لكي تستحث الدول على اتخاذ خطوات فعالة نحو دعم حقوق الإنسان (فورسيث  1989، ص 46). 

ولكن درجة الالتزام بالقيود الدولية يختلف من مكان لآخر، ويبدو أن بعض القوانين غالباً ما شرعت لإرضاء الراي العام، هذا وستظل المنظمات غير الحكومية هي الأكثر نشاطا وفعالية في الدفاع عن حقوق الإنسان.

ولقد بدأ الصراع بين بعض المعايير الأخلاقية المعينة ومحاولات وضع مجموعة من القيم العالمية العامة وبين الحوار الأصلي الذي دار في الأمم المتحدة حول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. 

 

وعارضت الدول العربية مفاهيم الحرية الدينية وحق الانتقال من الدين الذي ينتمي إليه الإنسان إلى دين آخر لأن ذلك لا يتفق مع القرآن. 

وعارض الروس تركيز الدول الغربية على الحقوق المدنية، وفضلوا عليها توفير الحقوق المادية أو الرفاهة.  وتضمنت هذه الحقوق الطعام والمأوى والرعاية الصحية والتوظف.

وعلى المستوى المشترك بين الحكومات اصبحت المادة 55 من ميثاق الأمم المتحدة (الأمم المتحدة، 1945) هي الأساس للآليات التي اتبعت في مجال حقوق الإنسان.  فهي تراعي مبدأ الحقوق المتساوية وتقرير المصير بالنسبة للشعوب. 

 

وخصت الأم المتحدة بالتزامها بأن تعمل على تحقيق "مستويات معيشة أعلى… وإيجاد حلول للمشكلات الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، والتعاون الدولي في المجالات الثقافية والاجتماعية".

ولقد وجد هذا الالتزام في الإعلان العلامي الذي صدر سنة 1948 والذي أعقبته الاتفاقيات العديدة التي سميت معاهدات الحقوق: المدنية والسياسية (الأمم المتحدة، 1966أ)  والاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الأمم المتحدة، 1966ب) . 

وفي عام 1988 أعلنت 86 دولة التزامها بمعاهدة الحقوق المدنية والسياسية، وأعلنت 90 دولة التزامها بمعاهدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. 

 

وبموجب المعاهدة السياسية يسمح للفرد بأن يشكو إلى المنظمات الدولية "غير الحكومية" ضد حكومته بشروط معينة.

وكان التضارب بين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحقوق المدنية السياسية، (فروسيث، 1989، ص 14) المتجسد في معاهدات 1966، موضع اهتمام المراقبين في الغرب. 

ذلك أن قيادات دول العالم الثالث والكتلة الشرقية على خلاف الديمقراطيات الصناعية التي تولي اهتماما بالحريات الفردية، نظرت إلى حقوق الإنسان على أنها حقوق الرفاهة، أو بمعنى آخر على أن الفوائد الاجتماعية من التقدم التكنولوجي يتأتى مردودها اساسا في توافر الاحتياجات الضرورية مثل الطعام والمسكن. 

 

وكان تركيزهم الأكبر على التزام الدولة الأم بان توفر للمواطنين ضرورات الحياة.  بيد أن القانون الدولي المتعلق بالحريات الفردية وما يتبعها من توفير الصحة قد اصل تطوره.  فنصت اتفاقيات منظمة العمل الدولية على منع الإجباري وتشغيل الأطفال. 

ونصت الاتفاقيات التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة على تجريم عمليات إبادة الشعوب والتفرقة العنصرية، ونصت إحدى اتفاقيات اليونسكو على معارضة التفرقة العنصرية في التعليم.  وبلغ عدد الاتفاقيات والمعاهدات المسجلة عن حقوق الإنسان الأساسية نحو اثنتين وعشرين معاهدة واتفاقية حتى عام 1988 (الأمم المتحدة 1988). 

وتعكس موافقة الجمعية العمومية على ميثاق حقوق الطفل في 20 نوفمبر 1989، انتشار إهمال الطفل خلال القرن العشرين، حيث أنها حددت سن 15 سنة كحد أدنى للتجنيد في القوات المسلحة.  وقد فشلت كل الجهود التي كانت تحاول رفع هذا الحد الأدنى إلى 18 سنة .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى