مظاهر العلاقات التي تربط “الأحياء” مع بعضها البعض
2002 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثالث عشر
مؤسسة الكويت للتقدم العلمي
مظاهر العلاقات بين الأحياء البيولوجيا وعلوم الحياة
يؤوي كوكب الأرض بضعة ملايين من أنواع النبات والحيوان والفطر والكائنات الدقيقة المتباينة.
ليس بين هذه الأنواع الكثيرة نوع واحد يحيا حياة مستقلة لا ترتبط بحياة عدد من الأنواع الأخرى. وقد تكون هذه العلاقات واضحة جلية، وقد تكون خفية لا تظهر إلا بالبحث والدراسة.
والمطلب الأول للكائن الحي – بعد المأوى – هو الغذاء، الذي به ينمو، ومنه يستمد الطاقة اللازمة لكل مناشطه.
والشمس هي مصدر الطاقة لجميع الأحياء، ولكن النباتات (والكائنات الأولية الدقيقة المحتوية على صبغ الكلوروفيل الأخضر) هي وحدها القادرة على أن تمسك بطاقة ضوء الشمس وتستغلها في صنع مواد الغذاء التي تختزن تلك الطاقة؛ ولذلك توصف تلك الكائنات النباتية بأنها «منتجات أولية».
وتحصل الحيوانات على مواد الطاقة هذه بأن تأكل نباتا أو تأكل حيوانا كان قد أكل نباتا، ولذلك توصف بأنها «مستهلكات».
والمستهلكات التي تأكل النباتات مباشرة توصف بأنها حيوانات «عواشب». أما المستهلكات التي تأكل الحيوانات أو لحومها فتوصف بأنها حيوانات «لواحم».
واللواحم مراتب: فمنها لواحم أولى، ومنها لواحم ثانية تأكل اللواحم الأولى، وهكذا. وعلى هذا النحو تتكون «سلسلة غذائية»، تبدأ بحلقة المنتجات النباتية، تليها حلقة من العواشب، ثم حلقات متتابعة من اللواحم، تغتذي كل حلقة منها بالحلقة التي قبلها في السلسلة.
والكائنات النباتية والحيوانية التي تموت من هذه السلسلة، تقوم الكائنات الدقيقة، وبخاصة البكتيريا والفطر، بتحليلها إلى عناصرها الأولية. ولذلك توصف تلك الكائنات الدقيقة بأنها «محللات».
وفي العادة يوجد في كل بيئة عدد من هذه السلاسل الغذائية المتشابكة، التي تكون ما يوصف بأنه «شبكة غذائية».
ومن الطبيعي أن ما يحدث لأي حلقة من حلقات السلاسل المكونة للشبكة الغذائية قد يؤثر في الحلقات الأخرى، أو في الشبكة كلها. والمعتاد في البيئات الطبيعية أن يحدث توازن بين عناصر الشبكة الغذائية كلها.
ومن الطبيعي أن تكون المنتجات الأولية في كل سلسلة، وفي الشبكة الغذائية في جملتها، أكثر أعدادا وأقل أحجاما من المستهلكات. وكذلك تكون كل مرتبة من المستهلكات أكثر أعدادا وأقل أحجاما من مرتبة المستهلكات التي فوقها. وهكذا يتكون ما نسميه «هرما غذائيا».
فإذا تابعنا فحص العلاقات بين الأحياء بنظرة أدق، وجدنا أن هذه العلاقات قد تتفاوت بين صور من التعاون، أو التنافس، أو الصراع والعدوان.
كذلك قد تقوم هذه العلاقات بين أفراد النوع الواحد، أو بين أفراد أو مجتمعات من أنواع مختلفة. فأما إن كانت بين أفراد النوع نفسه، فإنه تحكمها قواعد سلوكية تنظم أساليب التعاون والتنافس، وتقلل أسباب الصراع والعدوان.
ويظهر هذا التنظيم بوضوح في مستعمرات اللافقاريات وفي الحيوانات الاجتماعية، ويبلغ ذروته في مجتمعات النحل والنمل.
وأما بين أفراد الأنواع المختلفة فكثيرا ما يكون «التنافس» ظاهرة شائعة. ويحدث التنافس حين يستخدم نوعان من الكائنات مصدرا واحدا ضروريا لبقائهما، ولكنه محدود. فحتى النباتات تتنافس على ضوء الشمس وعلى الغاذيات التي في التربة.
وقد تكون جذور أحد النوعين المتنافسين أقدر على امتصاص المواد الغاذية فتقضي على النوع الآخر. بل إن جذور نبات المريمية، مثلا، تفرز مواد سامة تحول دون نمو نباتات من أنواع أخرى حولها.
وإذا تنافس نوعان من الحيوان على احتلال منطقة بيئية معينة، أبعد أفضلهما تكيفا للحياة في هذه البيئة منافسه عنها.
فمثلا إذا تنافس نوعان من القشريات المثبتة على احتلال ساحل منحدر، تنتهي المنافسة بأن يحتل أقدرهما على الحياة في المياه الضحلة الجزء الأعلى من الشاطيء، في حين يحتل النوع الآخر الأقدر على الحياة في المياه الأعمق الجزء الأدنى من الساحل ويصف العلماء هذه الظاهرة بأنها «إبعاد تنافسي».
ويتخذ العدوان بين الأنواع المختلفة صورة عامة تسمى «الافتراس»". وعندما نسمع هذه الكلمة نتصور على الفور فهدا يفترس غزالا، أو قطا يصيد فأرا!
ولكن ظاهرة الافتراس تشمل أيضا أكل العواشب للنباتات، بل انعكاس الآية حين تتصيد بعض النباتات حشرات لتهضمها وتمتص نواتج هضمها.
والحيوانات المثبتة أو بطيئة الحركة، تحمل إليها تيارات الماء فرائسها، أو تتربص منتظرة مرورها بالقرب منها.
ولكن المعتاد أن يبحث الحيوان المفترس عن فريسته، ثم يتعقبها ثم يطاردها، ثم ينقض عليها ويقتلها ويأكل ما يناسبه منها. والثعبان يبتلع فريسته كاملة ، وكذلك يفعل الدايدينيوم الذي يستطيع أن يبتلع فردا من الباراميسيوم أكبر منه حجما.
أما الحوت الأزرق – وهو أكبر حيوان ظهر على الأرض – فيصفي من الماء أعدادا هائلة من العوالق الصغيرة. وبعض الطيور صغار الأحجام عليها أن تلتهم حشرة كل بضع ثوان حتى تستطيع البقاء.
وفي الأحوال العادية تعيش عشائر المفترسات والفرائس في توازن رائع، بل إن عملية الافتراس نفسها عامل مهم في استمرار هذا التوازن.
فالمألوف أن الفرائس تتكاثر أسرع من المفترسات، ولو تركت لشأنها لتزايدت أعدادها حتى تقضي على موارد البيئة؛ وعندئذ تندثر هي أيضا.
ولذا قضت حكمة الخالق بوجود المفترسات التي تحد من أعداد الفرائس، وتبقي منها ما تتحمله موارد البيئة.
هذا فضلا على أن ظاهرة الافتراس تعمل على تحسين أنسال الفرائس والمفترسات وتطويرها. فالفرائس الأضعف جسما، والأبطأ عدوا، والأقل حيلة هي التي تقضي عليها الحيوانات المفترسة.
أما الفرائس الأسرع عدوا، والأطول أنفاسا، والأكثر تحملا، أو الأقدر على الدفاع أو الاختباء فهي التي تنجو وتتناسل، وتتكاثر ذرياتها التي ترث عنها هذه المزايا. وكذلك المفترسات سوف تتكاثر أعداد ذريات أقواها، وأشدها بطشا، أو أكثرها مهارة ودهاء.
ولاحظ العلماء أيضا تطورا متوازنا في النباتات والعواشب التي تأكلها. فالنباتات تبدو لا حول لها ولا قوة وهي منغرسة في الأرض لا تستطيع حراكا.
ولكن بعضها يحتمي بأغلفة شديدة الصلابة، أو بأشواك مختلفة الأحجام والأشكال، أو يكون مواد سامة أو شديدة المرارة أو غير مستساغة الطعم، أو منفرة الرائحة.
كذلك لوحظ أن بعض الحشائش تزداد في جدر خلاياها نسبة السليكا حتى تصبح شديدة الخشونة ليس من اليسير مضغها.
وفي الناحية المقابلة نجد أن أضراس بعض العواشب (كالخيل) أصبحت قممها أعرض وأخشن وأقدر على الطحن. وبعض العواشب – كيرقات بعض الحشرات – قادر على تحليل السموم النباتية وعدم التأثر بها حتى أصبح متخصصا في الاغتذاء بها دون منافس، كذلك تستطيع الإبل أن تلملم الأغصان الشائكة بشفتها العليا المشقوقة دون أن يصيبها أذى، وهكذا.
ولا ننسى أن الاجترار تكيف رائع تتميز به العواشب المجترة، ويمكنها من تناول كميات كبيرة من النبات في وقت قصير، ثم هضمه على مهل.
وإضافة إلى هذه العلاقات، تكونت على مر الأزمان الطويلة صور متنوعة من الارتباطات الثابتة يقوم كل منها بين نوعين مختلفين من الأحياء. ونحن نسمي هذه الشركة علاقة «معايشة»، للدلالة على «عيش» النوعين معا. وفي المعتاد يكون أحد الشريكين المتعايشين أكبر حجما من شريكه، ولذلك نسميه «عائلا»، كأنه «يعول» شريكه أو ضيفه الصغير.
أما إذا تمكنا من فحص طبيعة العلاقة التي تقوم بين العائل وضيفه، لوجدناها تتخذ صورا متباينة في الأحوال المختلفة، ولكننا نجد الشريك الأصغر هو الرابح فيها جميعا!
وفي بعض العلاقات يكتفي الضيف بأن يتخذ عائله مرتكزا أي مكانا يلصق نفسه به، أو ملاذا يلجأ إليه، ثم هو قد يستفيد بعض الرحلات المجانية منتقلا من مكان إلى مكان مع عائله، ولكن دون أن يحصل من عائله على أي طعام، معتمدا في اغتذائه على نفسه. وفي هذه الحالة يصف العلماء المعايشة بأنها «علاقة حمل».
أما إذا حصل الضيف من عائله على طعامه، إضافة إلى المأوى، وكان هذا الطعام زائدا على حاجة عائله فلا يصيبه بأي أذى، سمى العلماء هذا الارتباط علاقة «مؤاكلة»، إشارة إلى أن الشريكين يأكلان من مائدة واحدة.
وأما إذا كان الضيف يحرم عائله من بعض الطعام، أو المواد الحيوية الأخرى اللازمة له، أو يسبب له ألوانا أخرى من الأذى، فإن العلاقة تسمى «تطفلا».
ولكن ثمة أحوال يحصل فيها الضيف على المأوى والطعام من عائله، ولكنه يقدم له في مقابل ذلك صورا مختلفة من النفع، أي إن الشريكين يتبادلان النفع، فتوصف العلاقة بينهما بأنها «تبادل» أو «تبادلية».
ولا تكون الأمور بهذا الوضوح والثبات على الدوام، فقد تتغير طبيعة العلاقة في بعض الأحيان. فمن ذلك أن الضيف المحمول قد تدفعه الظروف إلى تناول بعض الطعام من عائله، وعندئذ، يتحول «الحمل» مؤقتا إلى «مؤاكلة».
وكذلك قد تتحول المؤاكلة إلى تطفل لو أن الضيف أصاب عائله ببعض الأذى. وهكذا قد يحدث بين العلاقات بعض التداخل.
[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]